تيمور جنبلاط يقود مسار الحل الوسط في لبنان

الطريق الذي يشقه جنبلاط الحفيد يتمثل في التخلي عن منهج المناكفات والصدامات والسقوف العالية.
الأحد 2023/05/28
هل يقدر الابن على لعب دور الوالد

بيروت - على الرغم من أن رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، أو الخلافة الرسمية لرئيسه وليد جنبلاط، ما تزال تنتظر انعقاد مؤتمر الحزب يوم 25 يونيو المقبل، إلا أن ابنه تيمور جنبلاط بدأ أعمال القيادة بالفعل، سعيا لإيجاد "حل وسط" يُخرج لبنان من أزمة ملء الشغور الرئاسي، وتاليا لفتح الباب أمام الإصلاح الاقتصادي المنتظر.

وكان جنبلاط الأب أعلن استقالته من رئاسة الحزب الخميس الماضي بعد 46 عاماً أمضاها في قيادة الطائفة الدرزية في لبنان والحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسسه والده الراحل كمال جنبلاط الذي اغتيل في 16 مارس 1977. ولا يبدو أن تيمور يتجه إلى السير على خطى والده التصادمية، إلا أنه ليس في وارد أن يشق طريقا يبتعد عنه، في ما يتعلق بالأساسيات.

ويقول مراقبون إن تيمور بوصفه رئيسا “للقاء الديمقراطي”، وهو كتلة نيابية تضم ممثلين عن الحزب التقدمي الاشتراكي وشخصيات معارضة أخرى، يحاول الإمساك بالعصا من الوسط في علاقاته مع التحالف الذي يقوده حزب الله، ولكن من دون التخلي عن معارضته للمرشح الذي يدعمه حزب الله، وهو زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية.

◙ تيمور لا يبدو أنه يتجه إلى السير على خطى والده التصادمية، إلا أنه ليس في وارد أن يشق طريقا يبتعد عنه في ما يتعلق بالأساسيات

ويتمثل الطريق الذي يشقه جنبلاط الحفيد في التخلي عن "منهج المناكفات والصدامات والسقوف العالية”، ويدعو إلى البحث عن مرشح للرئاسة لا يكون بمثابة “مرشح تحدي”. وهي إشارة إلى أن كتلة “اللقاء الديمقراطي” لن تتراجع عن رفضها لفرنجية، وتطالب بالبحث عن شخصية وسطية يتحقق من حولها أكبر قدر ممكن من الإجماع.

وكان اللقاء الأخير الذي عقدته الكتلة برئاسة تيمور في كليمنصو، بحضور النواب أعضاء الكتلة أكرم شهيب، ومروان حمادة، وبلال عبدالله، ووائل أبوفاعور، وهادي أبوالحسن، وفيصل الصايغ، وأمين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر ومستشار النائب جنبلاط حسام حرب، قد دعا إلى عدم ربط الملف الرئاسي “بأي رهانات خارجية ستؤدي إلى إضاعة الوقت والغرق في لعبة عض الأصابع،… والذهاب إلى التوافق على شخصية لا تشكلّ تحدّيا لأحد وقادرة على فتح مسار المعالجات”.

وكان جنبلاط الأب، قد بدد بدوره التوقعات من أن يمضي تيمور نحو تطبيع علاقاته كرئيس للحزب التقدمي الاشتراكي مع دمشق. مؤكدا “أنه لن يكون في حاجة إلى ذلك”. وهي إشارة إلى أن قيادة تيمور تتبنى لهجة تصالحية ووسطية، ولكن من دون أن تعني انقلابا في التحالفات أو نقلا للبندقية من كتف إلى آخر.

وسطية “اللقاء الديمقراطي” بقيادة تيمور، تظهر أيضا في ملفات أخرى، من قبيل مواجهة ما يعتبره “مزايدات شعبوية مؤذية” في ملف النازحين السوريين، داعيا إلى “البحث مع المنظمات الدولية في كيفية التوازن بين المساعدات المخصصة للنازحين وتلك المخصصة للمجتمع اللبناني المضيف، بانتظار الحل السياسي الذي يسمح بالعودة الآمنة للنازحين إلى بلادهم”.

وبينما تثير قضية أخرى من قبيل “اللامركزية الإدارية” انقسامات حادة بين تحالف حزب الله ومعارضيه، يتبنى تيمور مقاربة تبتعد عن معالجة المسألة من زاوية التصادم، لصالح البحث عن “صيغة عصرية جديدة تضمن الإنماء المتوازن وتندرج في السياق العام لاتفاق الطائف تحت سقف وحدة الدولة المركزية وأجهزتها الأساسية، ومنح صلاحيات محددة لمجالس المحافظات والأقضية المفترضة”.

ويقول مراقبون إن تمنيات حلفاء حزب الله، بأن تذهب قيادة تيمور إلى أن تشكل انقلابا على سياسات أبيه، سوف يثبت أنها تسيء قراءة العلاقة بين تيمور وأطراف المعارضة الأخرى، كما أنها تسيء قراءة العلاقة بين الأب والابن. بل إن الحفيد، من ناحية القضايا التي يعتبرها حزب الله جوهرية بالنسبة إليه، ومنها العلاقات الوطيدة مع دمشق أو العمل كامتداد لإيران، هو أقرب إلى جده كمال، لجهة الانتساب إلى "يسار الوسط"، من أبيه.

◙ حزب الله يراهن على تفكك أطراف المعارضة تحت وطأة اليأس، ما يوفر فرصة لإملاء القبول بترشيح فرنجية. إلا أن قيادة تيمور تبدد هذا الرهان

ويلاحظ، في إطار التنشئة السياسية، أن جنبلاط الأب كان يعد جنبلاط الحفيد إلى السير على خطى جده، وذلك منذ أن أوكل له القيادة في مارس 2017، عندما وضع "كوفية الزعامة" على كتفه، قائلا “سر يا تيمور رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، وأشهر عاليا كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أيّا كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة. واحضن أصلان بيمينك وعانق داليا بشمالك، وعند قدوم الساعة ادفنوا أمواتكم وانهضوا، وسيروا قدما، فالحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم، لا للضعفاء”.

ويراهن حزب الله على تفكك أطراف المعارضة تحت وطأة اليأس، ما يوفر فرصة لإملاء القبول بترشيح فرنجية. إلا أن قيادة تيمور تبدد هذا الرهان من دون أن تطرح اسما بديلا بعينه دون سواه. ولكنها تكتفي بقول “لا” لأيّ مرشح يتم تقديمه وفقا لصيغة “إما فرنجية أو لا أحد”، وذلك إلى جانب قائمة بدائل من الوسط.

ويحتاج أيّ مرشح للرئاسة إلى الحصول على دعم 65 نائبا في المجلس النيابي. وبينما يستطيع حزب الله ضمان 45 صوتا، فإن جبهة المعارضة تمتلك عددا مماثلا من النواب الذين يدعمون ترشيح ميشيل معوض. ويعني موقف كتلة اللقاء الديمقراطي” بقيادة تيمور، أن كلا من هذين المرشحين ليس لهما نصيب، من دون أن تعارض الأخير مثلما تعارض مرشح حزب الله. أما المرشحون “الوسط” الذين يأمل جنبلاط الحفيد بأخذهم في الاعتبار، بما لا يقطع “شعرة معاوية” مع أحد، فإنها تضم: قائد الجيش العماد جوزيف عون، والوزير السابق جهاد أزعور، والنائب السابق صلاح حنين، والمحامي وأستاذ القانون شبلي الملاط، والسفيرة السابقة تريسي شمعون.

3