القاهرة تستعين بصناديق الاستثمار لدعم الشركات المتعثرة

دخلت السلطات المصرية رهانا جديدا لإنقاذ مجموعة من المصانع المتعثرة ووقف نزيف الخسائر التي طاردتها منذ سنوات بسبب تعطل خطوط إنتاجها وعدم قدرتها على الاقتراض من البنوك، عبر تحفيز كيانات تابعة لها لتدشين صناديق تستثمر في الشركات المعطلة.
القاهرة - دفع تردي الكثير من نظم الإدارة في عدد من الشركات المتوقفة عن الإنتاج في مصر إلى البحث عن وسائل حديثة تعزز القدرة على التشغيل والاستفادة منها واستغلال أصولها بشكل اقتصادي يعضد موقفها التنافسي في الأسواق.
وتعول الحكومة على صناديق الاستثمار لتقديم التمويلات الكافية للكيانات المتعثرة، التي تملك أغلبيتها أراضي وآلات من شأنها المساهمة في تحقيق نتائج اقتصادية جيدة، وخاصة وأن البنوك تفرض شروطا صعبة وتتطلب ضمانات لا تقوى عليها هذه المصانع.
وتخطط شركة الاستثمار المباشر ازدهار مانجمنت لتدشين صندوق جديد بالعملة المحلية في الربع الثالث من هذا العام لدعم الشركات المتوسطة المتعثرة، وسيتواصل الصندوق مع بنوك محلية كبرى ومؤسسات مالية من أجل الاستثمار.
وجرت محادثات مبدئية مع صندوق أفانز منارة التابع لشركة أفانز كابيتال المملوكة لبنوك الأهلي ومصر والقاهرة للمشاركة في الصندوق.
ويستهدف الصندوق الاستحواذ على حصص تتراوح بين 20 و25 في المئة بالشركات متوسطة الحجم التي تعاني من ضغوط اقتصادية، بما في ذلك انخفاض قيمة الجنيه والتضخم، في قطاعات تشمل الأغذية والمشروبات والرعاية الصحية والتأمين والتعليم والتصنيع.
كما يرمي إلى إغلاق أو جمع نحو 65 مليون دولار خلال عامين، ويريد استثمارات في غضون ستة أشهر تبلغ حوالي 32 مليون دولار، وهو ما يعتمد على طبيعة الوضع الاقتصادي في الأسواق.
ويعد هذا الصنف من الكيانات من نوع رأس المال المخاطر طوق النجاة للشركات الصغيرة والمتوسطة المتعثرة، في ظل جملة من التعقيدات فرضتها عليهم قروض البنوك والشروط القاسية التي تتعلق بفوائدها.
وتقرر الصناديق المغامرة المحسوبة برأسمالها في سبيل مشروع يتوقع له النجاح، ولذلك يعتبرها الخبراء أشبه بقبلة حياة للكثير من المصانع المتعثرة، وكانت صناديق رأس المال المغامر أو المخاطر ملهمة لعدد من المشاريع الاستثمارية المبتكرة في السنوات الماضية.
ولجأت الحكومة مع نهاية العام الماضي إلى التعاون مع بعض منظمات الأعمال لحصر المصانع المتعثرة في مختلف المحافظات، بغرض تحديد أسباب التعثر، سواء التمويلية أو الفنية، والعمل على مساعدتها لبدء الإنتاج مرة أخرى.
ويتمثل دور الصناديق في أنها تقوم بضخ رأس المال من قبل مساهمين أو ملاك بهدف تمويل المشاريع ومنحها المال الكافي والخبرة التي تساعد على الاستمرار والتطور، لكن تشوبها نسبة مخاطرة كبيرة في ما يتعلق بنجاحها أو فشلها.
وتجعل هذه المسألة المستثمر يوصف بكونه “مستثمرا مغامرا” لأن التعاون المالي لا يتعلق بتقديم خدمات مالية فحسب، كما في البنوك أو القروض، بل يقدم استشارات مالية ومهنية.
كما أنه يساعد المشروع على عودة الاستئناف من خلال خبرته العملية وما يمتلك من علاقات اقتصادية، في مقابل ذلك يحصل على عائد مالي مرتفع.
واعتبر الخبير الاقتصادي المصري سعيد الفقي أن تلك الخطوة إيجابية، لكنها محفوفة بالمخاطر، ويمكن أن تنجح أو تواجهها عقبات، لأن الاستثمار في الشركات المتعثرة تتحقق من ورائه أرباح مرتفعة، فكلما زادت المخاطرة ارتفعت العوائد.
وقال لـ"العرب" إن "الصناديق تعتمد على الكفاءات وذوي الخبرة في الإدارة لإخراج الشركات من عثراتها، وأن معدلات الأرباح التي تحققها الصناديق المستثمرة تتراوح بين 30 و40 في المئة من الأرباح التي تسجلها الشركات التي يتم ضخ السيولة فيها".
واتفق وزير الصناعة أحمد سمير مع عدد من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين على إعداد قاعدة بيانات بالمصانع المتعثرة وتقديم الدعم لها لاستئناف الإنتاج، لكن لم يتم الكشف عن أوجه الدعم المقدم لها.
ويعتبر ملف المصانع المتعثرة من التحديات التي تواجه وزارة الصناعة على مدار عقود والتي تنتظر توفير حلول ناجعة، وتوضح الأرقام المعلنة حجم الأزمة.
ووفقا لهيئة التنمية الصناعية، يوجد فى مصر نحو 35 ألف مصنع، أما أعداد المصانع المتعثرة التي أعلنها اتحاد نقابات عمال مصر فتبلغ حوالي 8 آلاف مصنع، غير أن اتحاد المستثمرين قدر المصانع المتعثرة بنحو 1500 مصنع فقط.
ويتطلب نجاح الكيانات التي تستثمر في الشركات المتعثرة شروطا رئيسية، منها تقديم الدعم المالي والمهني من قبل رجال الأعمال أو المؤسسة.
كما يجب أن تؤمن بنجاح الفكرة وقدرتها على تحقيق أرباح طويلة الأجل، وتدعم إيمانها هذا بالمراهنة على تحمل كل الخسائر مع صاحب المشروع، مقابل انتظار أرباح مستقبلية
متوقعة.
وأكد رئيس مجمع جالينا للصناعات الغذائية عبدالواحد سليمان أن فكرة وجود هذه النوعية من الصناديق إيجابية، لكن توقيتها يأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد وبعض الأسواق العالمية.
وقال لـ"العرب" إن "مع ارتفاع أسعار الفائدة في البنوك ربما يقبل العديد من المستثمرين على إيداع الأموال بالبنوك أو الاستثمار في أدوات الدين".
وقد لا يتم تأسيس الصناديق حاليا من جانب القطاع الخاص، وهو العمود الرئيسي للاستثمار في هذا المجال، لأن السلطات تريد تخفيف الأعباء عن البنوك وعدم زيادة الضغوط عليها لتلقي القروض، وربما من أجل توفير السيولة لشراء سندات الحكومة وتمويل مصروفاتها.
◙ 8 آلاف مصنع متعثر من بين 35 ألفا وفق نقابة العمال بينما اتحاد المستثمرين يقدرها بنحو 1500
وأشار سليمان إلى أن هذه الصناديق تصلح للاستثمار في الشركات التي تعاني من ضعف في التمويل، وليس تلك التي لديها مشكلات فنية، مثل شراء آلات ومعدات مستوردة من الخارج تحتاج إلى الملايين من الدولارات.
وبعد توقف مبادرات البنك المركزي لدعم المصانع نتيجة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه القاهرة منذ سبعة أعوام، أطلقت الحكومة أخيرا مبادرات لدعم القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية.
وقررت السلطات تحميل المبادرة على الموازنة العامة للدولة بقيمة 5 مليارات دولار بفائدة تصل إلى 11 في المئة.
وأطلقت الحكومة مبادرة “ابدأ” لحل مشاكل المصانع المتعثرة عبر بناء قاعدة بيانات عن المصانع المتعثرة لتقديم الدعم المالي والفني لها أو تحويلها إلى جهات داعمة أخرى، وفي إطارها يتم تقنين أوضاع المصانع المخالفة.
كما قامت من خلال المبادرة بزيارات ميدانية لنحو 3 آلاف مصنع متعثر في مختلف القطاعات الصناعية للوقوف على مشاكلها وطبيعة التحديات التي تواجهها، والقيام بدور حلقة الوصل بين المصنعين وجهات الدولة لحل العراقيل كي تتسنى عودة الإنتاج والتشغيل مرة أخرى.