آمال السودانيين معلقة على الهدنة الهشة

واشنطن مرتاحة لصمود وقف إطلاق النار.
الخميس 2023/05/25
هدوء حذر

يعلق السودانيون آمالا على الهدنة الهشة الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على الرغم من حديث عن حصول انتهاك في أكثر من منطقة لوقف إطلاق النار، وتشكل الهدنة المعلنة فرصة للتخفيف من الأعباء الإنسانية التي نتجت عن الصراع المتفجر منذ أبريل الماضي.

الخرطوم - هدأت حدة القتال في السودان الأربعاء بين الجيش وقوات الدعم السريع، في ثاني أيام الهدنة الموقعة بين الطرفين في جدة، ما ينعش آمال السودانيين في فتح ممرات إنسانية وطرق للفرار من العاصمة. وقال البيت الأبيض إن وقف إطلاق النار في السودان مؤشر جيد وهو صامد إلى حد كبير رغم الأنباء عن وقوع اشتباكات.

وكان الوسطاء الأميركيون والسعوديون قد أعلنوا أنهم توصلوا بعد أسبوعين من المفاوضات، إلى هدنة تعهد الجانبان باحترامها. لكن منذ بداية الحرب، تم الإعلان مرارا عن اتفاقات لوقف إطلاق النار تعرضت للانتهاك في كل مرة.

وأسفر النزاع بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، منذ الخامس عشر من أبريل الماضي، عن مقتل المئات وأكثر من مليون نازح وما يفوق 300 ألف لاجئ إلى الدول المجاورة.

وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أي.سي.أل.إي.دي)، بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع الحرب في البلاد 1800 شخص سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور.

وفي العاصمة الخرطوم لا يزال دوي الانفجارات وأزيز الرصاص يتردّدان في أنحاء مختلفة منها، على الرغم من تأكيد الجانبين المتنازعين التزامهما بالهدنة التي تمتد أسبوعا. وقال وسطاء إن “القتال في الخرطوم بدا أقل حدة… لكن المعلومات تفيد بأنهما انتهكا الهدنة منذ ليل الاثنين”.

رضوان نويصر: الناس في السودان يشعرون بالوحدة وأنه تم التخلي عنهم
رضوان نويصر: الناس في السودان يشعرون بالوحدة وأنه تم التخلي عنهم

ويفترض أن تتيح الهدنة التي وقّع عليها الطرفان على هامش مباحثات في مدينة جدة السعودية، خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان. وقالت السودانية إحسان دفع الله إن “الهدنة أتاحت لي الوصول مع أمي المريضة إلى مستشفى أم درمان”. وأضافت “لم تقابل أمي الطبيب أو تتناول الدواء منذ 20 يوما”.

وأرغمت الفوضى الملايين من سكان العاصمة على وجه الخصوص على ملازمة منازلهم للاحتماء من الرصاص الطائش وأعمال السرقة والنهب، ولكنهم يعانون ندرة الماء والغذاء وانقطاع الكهرباء.

وفي هذا الصدد قال خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر “يشعر الناس بالوحدة وأنه تم التخلي عنهم وسط النقص المزمن في الطعام ومياه الشرب… البلد كله أصبح رهينة”.

وقال إنه “استمع إلى روايات مفزعة للقلب من أطباء يعانون من الجوع في المستشفيات وهم يحاولون علاج المرضى، دون الأدوية المناسبة أو حتى الوقود لتشغيل المعدات الطبية، وعن تشريد للمدنيين، ونهب المنازل من قبل المقاتلين، وأفراد عائلات تشتت، وإطلاق النار على أشخاص أثناء محاولتهم الفرار، وعن الفوضى على الحدود”.

وأفاد بأنه جرى إبلاغه بتزايد مزاعم حالات الاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي على أيدي رجال يرتدون الزي الرسمي، وعن جثث تُركت في الشوارع لعدة أيام، يخشى أقاربهم أن يتم إطلاق النار عليهم إذا حاولوا انتشالها.

وبعد الاتفاق على الهدنة، وجّه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة إلى السودانيين قال فيها “إذا تم انتهاك وقف إطلاق النار، سنعرف”. وتابع “سنحاسب المخالفين من خلال عقوبات نفرضها ووسائل أخرى متاحة لنا”.

وأكد المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في تصريحات للصحافيين في جنيف الأربعاء أن “على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتتالية، لا يزال المدنيون يتعرضون لخطر الموت والإصابة”.

وأضاف “بين عشية وضحاها تلقينا تقارير عن طائرات مقاتلة في الخرطوم ووقوع اشتباكات في بعض مناطق المدينة، وكذلك في بحري وأم درمان”. وتعود ملكية الطائرات للجيش السوداني حيث لا تملك قوات الدعم السريع سلاحا جويا، الأمر الذي يشكل دليل إدانة لقوات البرهان.

وتزامنا مع ذلك تتواصل هجرة السودانيين إلى البلدان المجاورة وعلى رأسها مصر وتشاد وجنوب السودان. وأفادت منظمة الهجرة الدولية بأن عدد الفارين خارج البلاد بلغ 319 ألف شخص.

وأكدت المنظمة في تقرير الأربعاء أن “في السودان الآن أكثر من مليون شخص نزحوا داخليا منذ اندلاع أعمال العنف في الخامس عشر من أبريل”، إضافة إلى 319.000 آخرين عبروا الحدود إلى دول مجاورة.

وأوضحت أن “مساهمات المانحين في خطة الاستجابة للاجئين لا تزال شحيحة، وبالتالي فإننا بحاجة إلى المزيد من الموارد، بشكل عاجل، لدعم البلدان المضيفة للاجئين”.

وحتى قبل اندلاع الأزمة الحالية، كان السودان إحدى أفقر الدول وأكثرها معاناة من عدم الاستقرار في العالم، حيث يضم 3.7 مليون نازح داخل البلاد بسبب أزمات سابقة.

وحذر خبير الشأن السوداني أليكس دي وال من أن “مسار انهيار الدولة” يهدد الآن “بتحويل السودان كله، بما في ذلك الخرطوم، إلى ما يشبه دارفور قبل 10 أو 15 عاما”.

◙ أكثر من مليون شخص نزحوا داخليا منذ اندلاع الصراع، إضافة إلى 319.000 آخرين عبروا الحدود إلى دول مجاورة

وكانت وتيرة المعارك في إقليم دارفور غربي البلاد شديدة للغاية، إذ أفادت الأمم المتحدة بأن أعمال العنف الأخيرة التي اندلعت في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور دفعت 85 ألف شخص إلى النزوح وأدت إلى “إحراق جميع مراكز استقبال النازحين البالغ عددها 86 بالكامل”.

ومن جهتهم أعرب عاملو الإغاثة الطبية عن قلقهم بشأن النقص الحاد في الموارد، إذ تسبب القتال في تدمير ونهب معظم المستشفيات، خاصة في الخرطوم ودارفور.

وقال جان نيكولا آرمسترونغ، من منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية، في بيان الأربعاء، “عقب تعرض أحد مستودعاتنا الطبية للنهب في الخرطوم، قُطع التيار الكهربائي عن الثلاجات وأُخذت الأدوية”.

وتابع “تدمرت سلسلة التبريد بأكملها، ففسدت الأدوية وباتت غير صالحة لعلاج أي مريض". وأضاف آرمسترونغ "نشهد خرقا للمبادئ الإنسانية، والحيز الإنساني المتاح آخذ بالتقلص بشكل لم أشهده إلا نادرا”.

مثل العديد من المواطنين السودانيين، يخشى ياسر عبدالعزيز، الموظف الحكومي بمدينة شندي الشمالية، "نشوب حرب أسوأ من صراعات الشرق الأوسط والاضطرابات التي شهدتها مناطق أخرى في القرن الأفريقي". وقال لفرانس برس “أخشى ألا يقف السيناريو القادم عند بلدان مثل سوريا أو ليبيا أو اليمن، بل نصل إلى السيناريو الصومالي، حيث يؤجج الناس العنصرية والقبلية”.

 

• اقرأ أيضا:

         الحرب في السودان أكبر من قدرة جوبا على القيام بدور فعال للوساطة

         جيش الغزاة في السودان

2