"قمة أبومازن - رمضان".. من يُحسن صورة من فلسطينيا

القاهرة - تتجاوز أهمية اللقاء الذي عقده الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) مع الفنان المصري محمد رمضان في نيويورك، المعاني الاجتماعية الظاهرة لما يعقد من لقاءات صدفة أو عن قصد بين أي زعيم سياسي وفنان، فالخلفيات التي حملها هذا اللقاء وتداعياته منحته تقديرات متفاوتة لدى الطرفين، ومحاولة للاستثمار فيه سياسيا.
وقد أظهر المتابعون على حسابات محمد رمضان على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا مع اللقاء، وحاول أبومازن الاستفادة من شهرته الواسعة ونشاطه في العالم الافتراضي. ويتجاوز متابعو الفنان المصري العشرين مليونا على المنصات المختلفة.
وكلها عوامل كانت مغرية للرئيس أبومازن ليقبل بهذا اللقاء في أجواء بدت فيه شعبيته متدنية بين الشباب، وهو يعلم أن الفنان المصري يحظى بشعبية في أوساطهم، على أمل أن يستميل جزءا منهم بعد أن بلغ الثمانين عاما وزاد انفضاض الشيوخ والشباب من حوله.
بث محمد رمضان فيديو على حسابه لتوثيق اللقاء وتوظيفه على طريقته المثيرة والسعي لمحو الآثار السلبية التي علقت في أذهان البعض جراء لقاء له مع المطرب الإسرائيلي عومير آدم، والمجندة الإسرائيلية السابقة مايا زخايا، وفشلت تبريرات رمضان حينها في حصرهما داخل نطاق الصداقة وتفريغهما من أي معان سياسية.
بحث الرئيس الفلسطيني عن فائدة معنوية من عقد هذا اللقاء الذي أطلق عليه بعض رواد التواصل الاجتماعي وصف “قمة أبومازن – رمضان”، كما بحث الفنان المصري عن توظيف شعبوي له، وهما يستهدفان جمهورا مختلفا، فالأول يريد الحصول على تأييد وسط جمهور رمضان الواسع، والثاني يريد الوصول إلى جمهور أبومازن النوعي، وهي معادلة مختلة لأن الجمهورين تتفاوت أعدادهما بما يصب في صالح رمضان.
كشفت كلمات الترحيب التي رددها كلاهما عن نوع المروحة الثقافية عندهما، وفقا لفيديو بثه حساب رمضان، فالرئيس الفلسطيني قال للفنان المصري “أهلا وسهلا.. كيف حالك.. منيح إن شوفناك أخيرا.. نسمع عنك أخبار طيبة والفن العظيم.. أهلين”، وهو ما قابله رمضان بالشكر، معلقا بقوله "بنيويورك اليوم تشرفت بلقاء السيد الرئيس محمود عباس أبومازن رئيس دولة فلسطين الغالية الحبيبة".
يقول مراقبون إن الدائرة المحيطة بالرئيس الفلسطيني نجحت في إقناعه بأن اللقاء يمكن أن يساهم في تحسين صورته لدى شعبه الذي بدأ ينفض عنه منذ أمعن في هيمنته على مقاليد الأمور داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وعدم قدرته على مجابهة التحديات داخليا وخارجيا، وتبنيه خطابا سياسيا عاجزا عن مسايرة منافسيه على الساحة الفلسطينية الذين نجحوا في استقطاب شريحة كبيرة من الشباب إليهم.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن أبومازن الذي فقد السيطرة على الكثير من الأمور فلسطينيا وعربيا وتسربت من بين يديه القدرة على إحكام السيطرة على القوى الداخلية، لن يسعفه لقاء مع فنان كبير في استرداد ما فقده في توقيت يرى فيه الشباب شيخا كبيرا طامعا في السلطة ومحافظا على الاستمرار فيها بلا أدنى اعتبار لعامل السن.
ومن هنا قد يخسر أبومازن كثيرا من وراء هذا اللقاء، لأنه قبل الجلوس مع شاب في عمر أحفاده له جمهور كبير لا علاقة له بالسياسة وربما لا يعرفه أصلا، ولأنه التقاه على هامش زيارة رسمية لنيويورك عنوانها الرئيسي التذكير بالنكبة الفلسطينية، بينما كان الفنان المصري في رحلة للولايات المتحدة لإحياء عدد من الحفلات الغنائية.
أوضح الخبير في الشؤون الفلسطينية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” أن أبومازن بدا حريصا على الاستفادة من شعبية رمضان وجمهوره، في محاولة لتفنيد اتهامات ومخاوف تتعلق بتقدمه في السن وتكرار المواقف التقليدية والتصريحات والتحذيرات الجوفاء، والعودة إلى نفس دائرة الاتصالات بلا مردور ملموس، لذا يمثل الفنان الشاب صاحب التأثير على أصعدة الدراما والسينما والغناء والانتشار على مواقع التواصل “رافعة رمزية” جديدة واختراقا لدوائر من الصعب الوصول إليها بشكل نمطي.
ولفت إلى أن أبومازن أراد نزع من يد إسرائيل ورقة قامت باستغلالها إعلاميا في أكثر من واقعة، منها نشر صور لمحمد رمضان مع مغن ورياضي إسرائيلي وممثلة إعلانات إسرائيلية، ويظهر بدور الأب أو الجد الحكيم الذي يرد الابن الضال إلى جادة الصواب في الوقت المناسب بدلا من أن يتركه نهبا للترويج للتطبيع.
◙ الدائرة المحيطة بالرئيس الفلسطيني نجحت في إقناعه بأن اللقاء يمكن أن يساهم في تحسين صورته لدى شعبه الذي بدأ ينفض عنه
ورجح أنور في تصريحه لـ”العرب” أن يكون أحد مستشاري الرئيس الفلسطيني هو صاحب الفكرة والعرّاب الذي قام بترتيب اللقاء في هذا التوقيت، الذي التف فيه جمع غفير من الفلسطينيين إلى مواقف قادة الفصائل في قطاع غزة بعد اشتباكهم الأخير مع إسرائيل، ردا على انتهاك الهدنة وتصفية ست قيادات كبيرة في حركة الجهاد الإسلامي، من خلال منصة الفن المصري وأحد أشهر نجومه من جيل الشباب.
وقام الرئيس أبومازن من قبل بتكريم المطرب المصري هاني شاكر، والفنانة صابرين، والسيناريست الراحل وحيد حامد، وهو ما يظهره في المحصلة كزعيم معتدل مستنير وداعم للفن في مواجهة المتطرفين على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية.
تعرض رمضان لانتقادات كثيرة من مثقفين مصريين بسبب أعماله الفنية التي تنتصر للبلطجة والعنف والسطحية، كذلك حرصه على البقاء متسيدا الترند عبر استفزاز الجمهور بأفعال يستعرض فيها سياراته وقصره وحيواناته المفترسة.
وأكد الناقد الفني المصري محمد رفعت أن كل هذه النقائص لا تقلل من موهبة محمد رمضان كفنان ناجح وممثل قدير وموهوب ويجيد اختيار أدواره والفريق الفني الذي يعمل معه، فضلا عن تمتعه بذكاء شخصي وقدرة غير محدودة على الدعاية لنفسه.
وأشار في تصريح لـ"العرب" إلى تقديره أن رمضان هو من سعى إلى لقاء أبومازن ليمسح عن نفسه تهمة التطبيع والظهور أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة مع إسرائيليين، ولذلك فهو المستفيد الأكبر من لقائه بالرئيس الفلسطيني، لأن الأخير جعل من نفسه مجالا للسخرية من قبل شريحة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وإذا كانت قمة أبومازن - رمضان مرت بسلام كما خطط لها الفنان المصري، فإن آثارها على الرئيس الفلسطيني لن تكون كذلك، فالسخرية التي تلاحقه قد تستمر وقتا.