الانتحار يلاحق الأطفال في تونس

عرفت حوادث انتحار الأطفال في تونس تناميا في السنوات الأخيرة، حيث تم بداية هذا العام تسجيل 8 حالات انتحار و102 محاولة انتحار، 80 في المئة منها في صفوف الفتيات. ونبهت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة إلى ضرورة التعاطي الحذر على المستوى الإعلامي وعبر شبكات التواصل الاجتماعي مع حالات الانتحار. ودعا خبراء علم الاجتماع إلى دراسة أسباب هذه الحوادث التي قد تختلف من شخص إلى آخر للحدّ من خطورتها على المجتمع.
تونس - شهدت محافظة القيروان (وسط) منذ أيام حادثة انتحار مراهق يبلغ من العمر 18 عاما داخل أحد المعاهد الثانوية بالمنطقة، وهو أصغر إخوته سنّا، ما دفع وزارة الأسرة والمرأة والطفولة للتعجيل بالتدخل وتأمين حصص تعهّد نفسي بأقران التلميذ وبكافة التلاميذ الذين يزاولون دراستهم بالمؤسسة التربويّة المعنيّة.
وكشفت آمال بالحاج موسى وزيرة المرأة خلال انطلاق أعمال الملتقى السنوي لمندوبي حماية الطفولة الجمعة، أن الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2023 شهدت 8 حالات انتحار في صفوف الأطفال بمعدل حالتين شهريّا ونحو 102 محاولة انتحار، 80 في المئة منها في صفوف الإناث.
وأشارت بالحاج موسى إلى أن الوزارة ستشرع في إنجاز دراسة علميّة معمّقة حول محاولات وحالات الانتحار لدى الأطفال لفهم أسباب هذه الظاهرة قصد الاستناد إليها لتحديد السياسات وتصويب التدخلات الوقائيّة في هذا المجال.
وفي بيان لها جددت الوزارة التذكير بضرورة التعاطي الحذر على المستوى الإعلامي وعبر شبكات التواصل الاجتماعي مع حالات ومحاولات الانتحار لدى الأطفال باحترام تامّ لمقتضيات مجلة حقوق الطفل والمعايير والضوابط الهادفة إلى ضمان مصلحة الطفل الفضلى وتجنّب آثار العدوى غير المباشرة على الأطفال في مثل هذه الحالات الأليمة.
وأكدت الوزارة في هذا المجال على أهمية تجنّب الخوض في التفاصيل وسرد وتجسيد مشاهد عمليّة انتحار الضحيّة ومكانها والوسائل المستعملة لتجنّب التداعيات السلبيّة الوخيمة لهذه الممارسات على صحّة الأطفال النفسيّة وتوازنهم الصحّي والسلوكي.
كما ذكرت الوزارة بواجب الإشعار المحمول على الجميع حول كافّة أشكال التهديد التي يمكن أن يتعرض لها الطفل وذلك من خلال الاتصال المباشر بالمكاتب الجهويّة لمندوبي حماية الطفولة بكل محافظة أو عبر الرقم الأخضر 1809 للإحاطة والتوجيه. ولفتت وزيرة المرأة إلى تنامي ثقافة الإشعار بالتهديدات التي تطال مصلحة الطفل الفضلى وهو ما يعكس تنامي الوعي بالمخاطر التي تهدّد الطفل والجهود الكبيرة التي يبذلها مندوبو حماية الطفولة بمختلف أنحاء الجمهوريّة.
وكشفت عن تطور عدد الإشعارات من 17 ألفا سنة 2000 إلى 22 ألف إشعار سنة 2023، ومن 5500 إلى 7500 إشعار خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنتين ذاتهما.
وقالت الوزيرة إن خمس محافظات تستأثر بالنصيب الأوفر من الإشعارات المتعلّقة بتهديد مصلحة الطفل الفضلى وهي صفاقس (جنوب) وأريانة ونابل وتونس (شمال) وسوسة (وسط)، مؤكدة أن الوزارة ستشرع بداية من الشهر القادم في إصدار نشرية شهرية حول الأرقام والمؤشرات الخاصة بتدخلات مندوبي حماية الطفولة يتم وضعها دوريّا على ذمّة الباحثين والإعلام والمهتميّن بشأن الطفولة عبر موقع الوزارة ومنصّة حماية الطفولة على شبكة الإنترنت.
وفي العام الماضي كشفت أرقام حديثة لوزارة المرأة والأسرة التونسية عن تصاعد حالات الإشعار بمحاولات انتحار الأطفال بأكثر من 38 في المئة خلال الأشهر الـ11 من عام 2022 مقارنة بعام 2021، إذ حاول 269 طفلاً وضع حد لحياتهم، بينما انتحر 21 آخرون فعلاً.
وفي عام 2014 شهدت تونس 203 حالات انتحار أي بمعدل 17 حالة كل شهر، وفق المرصد الاجتماعي التونسي. وبين إجمالي حالات الانتحار 18 طفلا دون 15 عاما، و52 حالة لمراهقين بين 16 و25 عاما وهي النسبة الأعلى والتي تمثل 26 في المئة من إجمالي حوادث الانتحار في تونس سنة 2014.
ويرى الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين أن “تزايد محاولات الانتحار لدى الأطفال ظاهرة يتعيّن على السلطات التوقف عندها وأخذها مأخذ الجد”، داعيا إلى "دراسة أسبابها التي قد تختلف من شخص إلى آخر للحدّ من خطورتها على المجتمع".
وقال حنين "إن الانتحار ظاهرة اجتماعية سيكولوجية متغيّرة العوامل والأسباب، غير أن تركز الحالات لدى فئة عمرية أو شريحة معيّنة يستدعي تعميق البحث قصد معالجتها تجنّبا لزيادة عدد الحالات". وأشار إلى أن "الانتحار لدى الأطفال قد يرتبط بالتفكك الأسري أو العنف والوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، أو أحد هذه العوامل التي تدفع الأطفال نحو إنهاء حياتهم".
وأفاد الباحث بأن "أطفالا يعانون من الإهمال العاطفي يرون أيضا في الانتحار حلاً"، مؤكدا أن "التداول الإعلامي وأيضا على شبكات التواصل الاجتماعي لحالات الانتحار المنفذة يشجّع الأطفال على الإقدام عليها".
وأكد معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل أن الأخصائيين أجمعوا على أن وسائل الإعلام لها دور في تنامي وتفاقم هذه الحوادث، قائلا "كل ما تحدثنا عن هذه الحوادث كلما تفاقمت، فالأطفال سريعو التأثر". وأضاف الشريف أن أخصائيي علم نفس الطفل حذروا من كيفية التعامل مع هذه الأحداث وأكدوا على وجوب تفادي تناولها إعلاميا.
◙ الانتحار لدى الأطفال يرتبط بالتفكك الأسري أو العنف أو الوضع الاجتماعي الصعب، وهو ما يدفعهم نحو إنهاء حياتهم
من ناحية أخرى ركز الشريف على إدمان الأطفال اليوم على الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي الذي يتشاركون فيه هذه الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام فيتأثرون بها. فمفهوم الموت عند الأطفال يختلف عن مفهومه عند الكبار، هذا إضافة إلى الإدمان على الألعاب الإلكترونية الافتراضية فيحسب الطفل أنه إذا مات سيعود إلى الحياة.
وأشار الشريف إلى أن تعامل الجهات الرسمية مع الأطفال الناجين من محاولة الانتحار منقوص، قائلا “لا تقع مرافقة الأطفال الناجين من محاولات الانتحار من قبل مندوبية حماية الطفل ومعرفة أسباب هذه المحاولة ومعالجتها” وهذا ما يمكن أن يحول هذه الأحداث المتفرقة يوما إلى ظاهرة مرعبة.
وفي عام 2017 أحصى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 4859 عملية أو محاولة انتحار خلال ثلاث سنوات في أنحاء البلاد، وكشف أن عدد الأطفال هو الأكبر في هذه القائمة. أما إحصاء عام 2018 فرصد 281 حالة ومحاولة انتحار نفذ الذكور غالبيتها، وبينها 45 حالة لأطفال دون الـ15 من العمر.
وخلال الأشهر الستة الأولى من العام التالي، أعلن المنتدى انتحار 24 طفلاً تقل أعمارهم عن 15 عاماً، فيما رصد 235 حالة ومحاولة انتحار عام 2020، أكثرها في مايو في ظل أزمة كورونا والحجر الصحي الذي أثّر على أعمال ونشاط أشخاص كُثر من جميع الفئات العمرية.
ولا تعكس الأرقام التي يصدرها المنتدى أو منظمات أخرى سنوياً العدد الفعلي لحالات أو محاولات الانتحار في ظل تعمّد عائلات كثيرة عدم الإفصاح عن إقدام أحد أفرادها على الانتحار، خصوصاً في صفوف الأطفال. وبالطبع يجري إسعاف حالات من دون الاضطرار إلى نقلها إلى المستشفيات التي تبلّغ عادة عن محاولات الانتحار وتحدد وضعها الصحي.