القاهرة تستعين بالمغتربين لضبط انفلات أسعار الذهب

دخلت مصر في سباق جديد وهي تراهن على إنقاذ صناعة المشغولات الذهبية ومواجهة الارتفاع الجنوني في الأسعار، عبر الاستعانة بالمغتربين والسماح لهم بإدخال كميات أكبر من المعدن النفيس دون دفع رسوم جمركية ولفترة محدودة، لزيادة المعروض في السوق.
القاهرة - نشرت الجريدة الرسمية قرار مجلس الوزراء المصري بشأن إعفاء واردات الذهب التي يجلبها المغتربون من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، ولمدة ستة أشهر، فيما عدا الضريبة على القيمة المضافة.
ويشمل القرار، الذي تعول عليه القاهرة لزيادة المعروض في السوق، الأشكال نصف المشغولة والمعدة للتداول النقدي والحي والمجوهرات وأجزاءها من معادن ثمينة.
ودفعت القيود التي تعيق استيراد خام الذهب السلطات إلى إدراك أهمية وجود بدائل لكبح جماح الأسعار التي سجلت قفزات كبيرة مؤخرا، لا تتواكب مع قيمة أونصة المعدن النفيس (31.1 غراما) في البورصة العالمية.
وصعدت أسعار الذهب بأكثر من الضعف خلال 2023 جراء تقلبات صرف الجنيه والموجة التضخمية، وبمقدار ألف جنيه (32.2 دولارا)، ما دفع شريحة من المواطنين إلى تحويل مدخراتهم إلى المعدن الأصفر.
وبحسب معطيات نشرتها الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية في القاهرة على صفحته الرسمية في فيسبوك، فقد بلغ سعر الأونصة 2047 دولارا.
وتسلك تحركات الذهب في مصر اتجاها معاكسا لسعره في السوق العالمية بسبب ارتفاع قيمة الدولار، ولكونه يُقوّم بالعملة الأميركية.
وما زاد من تلك القفزة أن تجار الذهب يحددون سعره على أساس قيمة الدولار بالسوق السوداء، وليس كما يقره البنك المركزي، أي أكثر من السعر الرسمي للعملة الأميركية، والذي يحوم عند 37 جنيها.
ومن أسباب ارتفاع الذهب بالسوق المحلية أنه كلما ازداد الإقبال عليه محليا يرتفع سعره بصورة مبالغ فيها، لأنه لا يتم استيراد الخام حاليا، وبالتالي فنمو الطلب لا تعادله وفرة في المعروض.
وزاد من حدة الأزمة أن المستهلكين لا يبيعون المشغولات الذهبية التي في حوزتهم ويحبذون الاحتفاظ بها بداعي التحوط، لارتفاع قيمة الذهب واعتباره مخزنا للقيمة، وبات ملاذا من مخاوف تحيط بسعر الصرف في وقت يصعد سعر الذهب بمرور الوقت.
ومع احتدام الأزمة، تقدمت الشعبة العامة للذهب بمقترح يسمح للمغتربين باستيراد الذهب دون دفع رسوم جمركية لفترة محدودة، في خطوة لمنع سيل الارتفاعات الحاصل حاليا.
وتشهد السبائك الذهبية نموا تاريخيا في السوق المصرية، ووصلت إلى حد النفاد من بعض المتاجر، مع الطلب المتزايد عليها والحاجة أكبر من الكميات المعروضة.
وتعتزم الشعبة التقدم بمقترح إلى الحكومة للسماح بتوريد سبائك في الحدود المسموح بها قانونا بما قيمته 10 آلاف دولار، لمواجهة الضغط الشرائي محليا وزيادة المتاح منها.
وضمّنت ذلك بمقترح آخر بفرض رسوم على السبائك من وزن غرام واحد وحتى 100 غرام بهدف رفع تكلفة السبائك، إلى حين تسجيل إحجام في الإقبال عليها وإفساح الطريق أمام صناعة المشغولات محليا.
وقال المحلل الاقتصادي والخبير بأسواق السلع والمعادن سيد عويضي لـ”العرب” إن “إجراءات الحكومة لضبط انفلات الأسعار لن تنجح في ظل الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، وشراء الذهب الوسيلة الأنسب للتحوط مع المبالغة الحاصلة في سعره”.
واحتلت مصر المركز الخامس عالميا من حيث الطلب على السبائك والعملات الذهبية بالربع الأول من 2023، بعد كل من تركيا والصين واليابان وإيران، ليصل الطلب إلى 7 أطنان، وفقا لتقرير مجلس الذهب العالمي.
وأضاف عويضي “لا يمكن توجيه اللوم للأفراد لإقبالهم على شراء سبائك الذهب لعدم الثقة في الاقتصاد، كما أن الاستثمار المباشر والتجارة يواجهان عراقيل عدة، ومع شح الدولار ستظل الأزمة قائمة والارتفاع للمعدن متواصلا”.
وأوضح أن سعر الذهب يتم وفق تقدير سعر الدولار بما يتراوح بين 45 و50 جنيها، وتكمن الأزمة في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير مع ضعف لافت لقيمة العملة المحلية.
وأكد أن هناك من يرون أن الاحتفاظ بالسيولة حاليا ولو في صورة شهادات استثمار خسارة، لأن قيمة الجنيه المصري تنخفض يوما بعد آخر.
ومع التسعير غير الصحيح للذهب كونه مخالفا للقواعد الاقتصادية، فمن شأن ذلك أن يلحق الخسائر لكل من قام بشراء الذهب أو السبائك عند المستويات الحالية، التي اقترب فيها الغرام الواحد من ثلاثة آلاف جنيه (نحو 95 دولارا)، حال تغير الوضع الراهن.
وربط محللون ذلك بحدوث انفراج في أزمة الدولار وتدفق السيولة الأجنبية بشكل غير متوقع جراء بيع أصول الدولة، لكنهم يرون أنه لا توجد مؤشرات تدعم ذلك حتى الآن.
ولم تعلق الحكومة على انفلات الأسعار الفترة الماضية، ومع التكهنات من قبل البعض بتحرير سعر الصرف وارتفاع جديد للذهب، خرج وزير التموين علي المصيلحي بتصريح مقتضب نهاية أبريل الماضي حول دراسة مقترح السماح للمغتربين بإدخال الذهب بدون جمارك.
وفي ظل التسعير المبالغ فيه، كشفت البورصة أنها ستعرض أسعار الذهب يوميا، لكن التوقعات تشير إلى أن ذلك لن يحدث، إلا بعد الحصول على موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية، وعقب الاتفاق مع أحد المصانع المحلية الكبيرة لتكرير الخام لمدها بتحديثات الأسعار.

وفُهم صمت الحكومة على أنه تعبير عن تفضيلها إقبال الأفراد على شراء المعدن النفيس، مع غياب وجود وعاء ادخاري بعائد مرتفع بعد إيقاف شهادات الاستثمار، عقب آخر رفع لسعر الفائدة من جانب البنك المركزي.
وأشار نادي نجيب، سكرتير شعبة الذهب سابقا، لـ”العرب” إلى أن هذه الأزمة ناشئة عن زيادة الطلب ونقص المعروض، خاصة في السبائك التي أدى الإقبال الكبير عليها إلى رفع سعر خام الذهب.
ورغم مواصلة الأسعار في الصعود، إلا أن استمرار الوضع الراهن يصب في صالح الحكومة، لأنه أهون لديها من إقبال الأفراد على شراء الدولار من السوق السوداء والاحتفاظ به، لأن ذلك يفاقم من ارتفاع سعره عن مثيله في البنوك.
وقال نجيب لـ”العرب” إن “في حال السماح بإدخال كميات من الذهب من الخارج يترتب على ذلك تخفيف الضغط نسبيا على السبائك والمعدن الأصفر محليا، وربما يتسبب في الحفاظ على هدوء الأسعار”.
كما طالب بضرورة تشجيع الخطوة، فدخول الذهب مع المغتربين يوازي أهمية الدولار، لأن نجاح خطة الحكومة مرهون باستمرار إعفائه من الجمارك لفترة طويلة.
ويزيد هذا الأمر من الضبابية والمخاطر المحتملة اقتصاديا واجتماعيا في حال حدوث تحرير آخر لسعر الصرف للحصول على شريحة جديدة ضمن برنامجها مع صندوق النقد الدولي، والذي بموجبه حصلت على شريحة أولى وتنتظر الثانية.