ارتباك الحكومة المصرية في إدارة العلاقة مع المغتربين

نواب يفتحون ملف تراجع تحويلات المصريين في الخارج.
الاثنين 2023/05/08
غياب خطة واضحة لدمج المغتربين في خطط التنمية الشاملة

القاهرة- عكست طلبات الإحاطة البرلمانية للحكومة المصرية بشأن انخفاض تحويلات المصريين في الخارج وتباعد المسافات بينها وبين المغتربين وعدم مشاركتهم في حل المشكلات المحلية مدى الإخفاق الذي آلت إليه مساعي استمالة هذه الفئة رغم كونها إحدى الأذرع القوية للدولة على المستويين السياسي والاقتصادي.

وفتح عدد من النواب ملف التراجع الحاد في تحويلات المصريين بالخارج إلى البنوك الوطنية في النصف الأول من العام المالي الحالي، بنحو 23 في المئة، ولم تتخط التحويلات 12 مليار دولار، على الرغم من أنها وصلت في نهاية العام الماضي إلى 31 مليار دولار، في حين تواجه الدولة تحديات بسبب شح العملات الأجنبية.

ولا يخلو تحفظ المصريين في الخارج على تحويل أموالهم عبر البنوك من مخاوف متصاعدة بشأن وجود مخطط لاستقطاع جزء من هذه الأموال في شكل ضرائب أو مساهمة في إنقاذ الاقتصاد، وهي مقترحات قديمة طرحتها دوائر شبه رسمية ولم تنفذ، ما عرّض الحكومة لتداعيات سلبية وساهم في تهاوي ثقة المغتربين بها.

محمد سامي: إشراك المصريين المغتربين في الحوار ضرورة سياسية
محمد سامي: إشراك المصريين المغتربين في الحوار ضرورة سياسية

وتقدم برلماني باستفسار للحكومة بشأن استبعاد المصريين في الخارج من الحوار الوطني وعدم وجود ممثلين لهم، في حين يصل عددهم إلى نحو 12 مليون نسمة، وهو عدد هائل يصعب تجاهله وإغفال دعوته إلى المشاركة في الحوار. وهم قوة ناعمة وركيزة اقتصادية إذا عرفت الحكومة كيف تتعامل معهم.

ولم تستطع الحكومة دمج المغتربين في خطط التنمية الشاملة التي تتبناها لتسريع بناء الجمهورية الجديدة على أساس التشارك، وسط غياب واضح لرؤية تضمن العمل بجدية لحل المشكلات التي تواجه البعض من هؤلاء المغتربين لكسب ثقتهم، وتقديم حوافز لتشجيعهم على استثمار أموالهم في بلدهم ودعم الاقتصاد الوطني.

ويقود الارتباك الحكومي في إدارة العلاقة مع هذه الشريحة إلى المزيد من التحديات وتوسيع الفجوة مع فئات مؤثرة في مواجهة التحديات الداخلية.

ومن الصعب أن تنجح وزارة شؤون المصريين بالخارج وحدها في استمالتهم دون تحركات فاعلة لجذبهم مرة أخرى عبر سياسات ورؤى تجسّر الفجوة بينهم وبين الحكومة.

وسبق للحكومة أن أعلنت عن تحركات لترميم العلاقة بينها وبين الملايين من المهاجرين، ودفعهم إلى أن يكونوا شركاء في التنمية وتحسين الظروف الاقتصادية من خلال حزمة من المزايا، لكن بيروقراطية الجهاز الإداري وتخبط بعض القرارات الحكومية وضبابية الرؤية تعطل أي تحرك يعيد الثقة بالتوجهات العامة حيالهم.

وقال محمد سامي، الرئيس الشرفي لحزب الكرامة، لـ”العرب” إن “حسابات المنفعة لا تزال تحكم علاقة الحكومة بالمصريين في الخارج، والعكس بالعكس، فالمكاسب الاقتصادية من المغتربين ستظل رهينة تقديم محفزات واقعية وقابلة للتطبيق من أجل إقناعهم بوجوب دعم الاقتصاد بكثافة”.

وكادت وزارة التربية والتعليم تتسبب في تعميق الفجوة بين مصريين في الخارج والحكومة بعد أن تمسكت بعقد امتحانات نهاية العام الدراسي، والتي بدأت السبت، للطلاب المغتربين إلكترونيا، رغم عدم عمل منصة الامتحانات في “الترم الأول” يناير الماضي، وتحولت صفحات لمصريين مهاجرين إلى تجمع لإظهار الغضب على الحكومة.

وفشل مصريو الخارج في إجراء امتحانات أولادهم قبل أن تتدخل وزارة التربية والتعليم بحلول عالجت الأزمة، لكن الواقعة تركت تداعيات ظهرت من ردود الفعل السلبية وتعليقات بعض المغتربين، وعكست مدى معاناة هؤلاء من التعامل الحكومي معهم، فلا يوجد قرار اتخذ بشكل احترافي إلا وتعرض لتشويه في التنفيذ من قبل دوائر رسمية.

ويرى مراقبون للمشهد أن الحكومة المصرية -وهي تسعى لاستقطاب المصريين المقيمين في الخارج وترضيتهم لإشراكهم في حل الأزمة الاقتصادية- تتحرك بلا خطة واضحة، ما يتطلب تدخلا من دوائر عليا، لأن الغضب سيوجه ضدها.

وبحسب مراقبين فإن جزءا كبيرا من أزمة الحكومة مع المهاجرين يتمثل في أنها لا تستمع إليهم باهتمام، بدليل عدم وجود ممثلين لهم في الحوار الوطني، والجزء الآخر من المشكلة يرتبط بغياب الرقابة البرلمانية على أداء المسؤولين المعنيين بالملف وعدم المحاسبة على السياسات الخاطئة، والتعامل مع المغتربين وكأنهم بنوك متحركة.

وتسعى وزارتا المالية والتموين إلى حل أزمة الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب بالداخل من خلال التفكير في السماح للمغتربين بدخول البلاد بكميات كبيرة من الذهب دون تشدد في الإجراءات الجمركية، ما يعكس مدى امتلاك المغتربين حلولا لأزمات داخلية عصية على الحل، لكنهم يعانون من ارتباك في التعامل معهم، واتخاذ قرارات فوقية تتسبب في فقدان ثقتهم بالحكومة.

وأضاف محمد سامي لـ”العرب” أن “إشراك المغتربين في الحوار الوطني ضرورة سياسية، فلهم مطالب وحقوق ولا يجب أن تكون المصلحة سابقة على المنفعة، ومن المهم أن تكون الحكومة ذكية ورشيدة في اتخاذ قرارات وإقرار سياسات جاذبة للمهاجرين ليكونوا فاعلين في مواجهة التحديات الداخلية”.

وتعتقد بعض الدوائر أن الأزمات التي تواجه الحكومة على المستوى الاقتصادي، وما ترتب عليها من منغصات متباينة، يمكن حلها بطريقة عقلانية من خلال المهاجرين، شريطة دخولها في حوار بنّاء والتعامل معهم كقوة لا يستهان بها، فمن بينهم خبراء ومتخصصون في مجالات مختلفة، معتبرة أن القرارات والسياسات المرتبكة سوف تسهم في تأزيم الوضع.

ولا يُمانع الكثير من المهاجرين في أن يكونوا فاعلين في مواجهة التحديات الداخلية ضمن سياسة تشاركية، بعيدا عن لغة التخوين والتشكيك في النوايا ووضع بعضهم في خانة المتآمرين، لأن هناك جهات شككت في انتمائهم بذريعة انصياع بعضهم لمطالب الإخوان بالكف عن تحويل أموالهم عبر البنوك الوطنية، وهي نبرة يمكن أن تقود البلاد إلى مشكلات سياسية شديدة التعقيد إذا لم تجد حلا عاجلا.

 

• اقرأ أيضا:

         تبريد الأجواء السياسية في مصر

1