انهيار الاقتصاد يخلف آثارا قاسية على أساتذة الموسيقى في لبنان

محنة مدرسي الموسيقى المتعاقدين لم تنته مع طي صفحة المشكلة الصحية إذ فاقمتها أزمة اقتصادية تدنت معها أجورهم.
الاثنين 2023/05/08
هيا بنا نتعلم الدندنة على الغيتار

بيروت - بلغت كوابيس الانهيار الاقتصادي في لبنان ذروة جديدة بعدما أطلق قطاع تعليم الموسيقى صفارات الإنذار من خطر انكماش هذا النشاط على نحو أكثر قسوة في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات دون أمل في حلها.

وفي أحد فروع المعهد الوطني العالي للموسيقى قرب بيروت، تبدو قاعات التدريس مقفرة ويكسو الغبار مفاتيح الآلات المتروكة بعدما عرقلت الأزمة هذا المجال.

وفيما فرض تفشي الوباء إقفال المدارس والمعاهد حول العالم لأشهر، إلا أنّ محنة مدرّسي الموسيقى المتعاقدين مع المعهد لم تنته مع طي صفحة المشكلة الصحية، إذ فاقمتها أزمة اقتصادية تدنّت معها أجورهم وانعدمت قدرتهم على توفير أبسط احتياجاتهم وأحيانا كلفة النقل.

ويقول توفيق كرباج الذي يدرّس في المعهد منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين، ويعطي دروسا عبر الإنترنت منذ أشهر طويلة “لا يشعر المرء بالراحة عندما يبلغ 65 عاما ولا يزال يعيش على نفقة عائلته. إنه لأمر مضحك".

ويضيف لوكالة فرانس برس "لدي دعم عائلي وما زال بإمكاني السير قُدما، لكنني لا أعتقد أن كل شخص يحظى بذلك".

وبعدما كان يتقاضى أجرا يمكّنه من توفير احتياجاته وضمان مستوى معيشي لائق، وجد كرباج نفسه على وقع انهيار صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، يتقاضى أجراً يبلغ قرابة سبعين دولارا فقط.

ورغم أن ما يتقاضاه لا يكفي لتسديد فاتورة المولد الكهربائي، مع انقطاع الإمدادات التي توفرها مؤسسة الدولة لساعات طويلة، لكن ذلك لم يحل دون مواصلته تدريس طلابه عبر الإنترنت، متحدّيا خدمة الاتصالات السيئة في البلاد.

ويوضح أن تعليم الموسيقى بالنسبة إليه ليس وظيفة، لكنه “شيء تفعله لأنك تحبّه ولا يمكن العيش بدونه”، في حين قدّم عدد من زملائه استقالاتهم.

ويُعد المعهد الموسيقى أو الكونسرفاتوار، وهو مؤسسة رسمية، صرحا ثقافيا مرموقا للتعليم في البلاد، ويستقطب الآلاف من الطلاب في 17 فرعاً موزّعة في العديد من المناطق.

هبة القواس: الجمود السياسي سبب البطء في تلبية مطالب المدرسين
هبة القواس: الجمود السياسي سبب البطء في تلبية مطالب المدرسين

وتربط رئيسة الكونسرفاتوار السوبرانو والمؤلفة الموسيقية هبة القواس، وهي أول امرأة تتولى رئاسة المعهد في لبنان، بين البطء في تلبية مطالب المدرسين والجمود السياسي القائم، على وقع الشغور الرئاسي وما يترتّب عنه من شلل في عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وتقول إنها بذلت منذ توليها مهامها خلال العام الماضي جهوداً حثيثة لتحسين الوضع، وتمكّنت رغم العقبات من تأمين زيادة في بدل الساعات وبدل النقل، على أن يبدأ تطبيقها قريباً مع مفعول رجعي.

ومن المقرر أن يزيد بدل الساعة من ثلاثين ألف ليرة في الساعة (نحو نصف دولار) إلى 300 ألف ليرة (خمسة دولارات)، وهو ما يعني وفق القواس “أننا سنشرع في التعليم الحضوري وآمل أن يشكل ذلك حقبة جديدة”. وتوضح أنها "الخطوة الأولى".

وفي محاولة لدعم أساتذة الموسيقى وقدرتهم على الاستمرار، بدأ مدرسون وطلاب تنظيم سلسلة أمسيات موسيقية تتيح منبرا للعازفين وتسلط الضوء على الواقع المزري.

وتقول منظمة المبادرة السوبرانو غادة غانم على هامش إحدى الحفلات “أنا هنا اليوم للوقوف مع زملائي غير السعداء بالطريقة التي نُعامل بها”، متحدثة عن زملاء غيّروا أماكن سكنهم أو باعوا سياراتهم ليتمكنوا من الصمود أمام الوضع المعيشي المتردي.

ويُستثمر ريع الحفلات في تنظيم حفلات مماثلة إضافية أو يُوزّع على المشاركين فيها وفق غانم، التي كانت تلميذة في الكونسرفاتوار خلال سنوات الحرب الأهلية.

وتضيف غانم قبل مشاركتها في ثاني حفلات المبادرة بعنوان “بدنا نظل”، “لنعالج مشاكلنا بمواهبنا لأن الاكتئاب سيهاجمنا إذا جلسنا ولم نحرّك ساكنا".

في الأمسية ذاتها، التقى ماثيو عطا البالغ عشر سنوات للمرة الأولى بمدرّس الغيتار، رغم أنه يتابع دروساً معه عبر الإنترنت منذ عامين.

وتقول والدته ريتا جبور لفرانس برس “نأمل حقاً أن تتحسّن الأمور”، وأن تُستأنف الدروس الحضورية، لاسيما أن ابنها يعاني من مشاكل في السمع تجعل متابعته لدروسه عبر الإنترنت أكثر تعقيداً.

ولا يخفي طلاب آخرون شعورهم بالإحباط جراء طول فترة التعلم عبر الإنترنت والانقطاع عن الحضور إلى المعهد.

وتقول مهندسة البرمجيات ألين شالفارجيان (33 عاما)، التي تدرس العود والغناء إنها “فقدت الحافز”. وتوضح أنه لطالما شكّل الكونسرفاتوار "منزلي الثاني" لكن "نشعر اليوم أننا متروكون".

وعلى غرار موظفي القطاع العام، أضرب المدرسون المتعاقدون مع الكونسرفاتوار مرات كثيرة للمطالبة بتعديل بدل أجر الساعة الذي يتقاضونه. ووصل الأمر إلى حدّ إنهاء تقاعد رئيس رابطة الهيئة التعليمية في المعهد إدي دورليان بعد تنظيمه احتجاجات عديدة.

ويبدي كرباج تفاؤله إزاء الزيادة المقترحة على الأجر التي من المفترض أن تكون مئات من الدولارات. ويقول "سأكون قادرا على دفع كلفة الوقود والكهرباء وتوفير بعض الطعام".

10