حيدر حيدر يرحل تاركا وليمته لأعشاب البحر أثرا خالدا

دمشق – نعت وزارة الثقافة السورية واتحاد الكتاب العرب والوسط الثقافي السوري والعربي الكاتب والأديب السوري حيدر حيدر الذي وافته المنية عن عمر ناهز 87 عاماً.
والأديب الراحل من مواليد سنة 1936 بقرية حصين البحر بمحافظة طرطوس، تلقى تعليمه الابتدائي فيها، ثم انتسب إلى معهد المعلمين التربوي في مدينة حلب، حيث واصل دراسته وتخرج في عام 1954 وانتقل بعدها إلى مدينة دمشق، حيث بدأ كتابته في الدوريات اليومية والشهرية.
والكاتب أحد مؤسسي اتحاد الكتاب العرب في دمشق في العام 1968، وكان عضواً في مكتبه التنفيذي، ونشر مجموعة “الومض” عام 1970 بين مجموعة من الكتب كانت أولى إصدارات الاتحاد، وفي العام ذاته ذهب إلى الجزائر ليعمل مدرسا في مدينة عنابة، في الوقت الذي كان يواصل فيه الكتابة والنشر في الدوريات العربية.
وعاش الكاتب تنقلات عديدة، فقد أثرت فوضى واضطرابات خمسينات القرن الماضي في سوريا على شخصية الأديب، فكل ما عاناه البلد في تلك الفترة من نزاعات وانقلابات وتخبط الحياة السياسية، بالإضافة إلى الهزيمة العسكرية في فلسطين وبدء نشوء الكيان الصهيوني، كل هذا كان له عاملٌ في التأثير على حيدر حيدر، واختياره الانضمام إلى التيار العروبي الوحدوي وانخراطه فيه مع زملائه الطلاب.
وتابع مسيرته الأدبية في الجزائر بعد أن سافر إليها عام 1970 حيث عمل مدرسًا ومشاركًا في الثورة الثقافية الجزائرية.
استغرق في كتابة أولى رواياته سبع سنين، وكانت بعنوان “الزمن المتوحش”، ونشرتها دار العودة في لبنان عام 1973، مستوحيًا مضمون الرواية من تجربته في مدينة دمشق ومناخها الثقافي والسياسي.
عمل لاحقًا كمصححٍ لغوي في لبنان الذي هاجر إليه بعد عودته إلى دمشق واستقالته من مهنة التدريس، وأضاف هناك مجموعة “الفيضان” القصصية إلى قائمة أعماله التي أصدرها اتحاد الكتاب الفلسطيني عام 1975.
التحق حيدر حيدر بالمقاومة الفلسطينية من خلال الإعلام الفلسطيني الموحد واتحاد الكتّاب الفلسطينيين في بيروت وكان ذلك متزامنًا مع بداية الحرب اللبنانية، وخلال فترة الحرب نُشرت روايةٌ له بعنوان “التموّجات والوعول”، وفُصِلت روايتا “الزمن المتوحش” و”الفهد” عن مجموعة حكايا النورس المهاجر ونُشِرتا بشكل مستقل، كما أعادت دار الحقائق في بيروت طباعة ونشر “حكايا النورس” و”الومض”.
هاجر الأديب من بيروت إلى قبرص، وعمل هناك في مجلة “الموقف العربي” الأسبوعية في أوائل الثمانينات، عاد بعد عامين إلى بيروت بعد أن قضى تلك الفترة مسؤولًا عن القسم الثقافي في المجلّة.
عاد ثانيةً إلى قبرص ليعمل مسؤولًا عن القسم الثقافي في مجلة “صوت البلاد” الفلسطينية كردة فعلٍ على إلغاء ورحيل المقاومة الفلسطينية عن بيروت عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي، وفي عام 1984 نشر أول طبعةٍ لرواية “وليمة أعشاب البحر” في قبرص، ليعود بعدها إلى سوريا الوطن ليتفرغ لعمله الأدبي.
ورغم تأليفه للعديد من المجموعات القصصية والروايات على غرار “نشيد الموت” و”فصل الختام” ونشيد الغجر” وغيرها من أعمال، فإن روايته الأكثر شهرة كانت “وليمة لأعشاب البحر” التي تميزت بشخصيته المتمردة وأسلوبه المتفرد في الكتابة بجرأة وشاعرية.
تدور أحداث الرواية حول مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، غير أنه يلتقي بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة والخراب الذي لحق بالمناضلين هناك.
فالرواية على صعيد الحدث تدور في آفاق معاناة مسرحها العراق والجزائر والثورة العنصر هي المشترك بينهما، والإخفاقات في عالم من الضياع، فالبطلان هما الناجيان أو الهاربان على ما تقول اللوائح الشخصية والمسافة النائية بينهما وما يعيشانه من مكاشفات جريئة حول المجتمع والسلطة والدين وغيرها من مظاهر الحياة المفعمة بعنفوان الثورة على السائد والهزيمة التي تدحر الحالمين إلى الظلام.
واعتبر الناقد فخري صالح رواية “وليمة لأعشاب البحر” (1983) عملا سرديّا طموحا يسعى للتعبير عن علاقة السلطة والفرد، المثقف بصورة خاصة، في مشرق العالم العربي ومغربه، من خلال عيش الشخصية المركزية في مشرق العالم العربي ومغربه، حيث يعصف “اللوياثان” (الطاغية، المستبد، الدكتاتور) بالعالم العربي المعاصر. ويستخدم الكاتب ألوانًا من الأساليب السردية من تيار الوعي، إلى تقنية الفلاش باك، إلى لغة الهذيان، للتعبير عن سقوط الثورات وتبدد الأحلام، وغربة المثقف العربي المعاصر.
ومن المفارقة أن هذه الرواية التي تمكنت من حجز مكانها في رف أهم الأعمال الأدبية العربية، تقع ملاحقتها بعد سبعة عشر عاما من صدورها، فإثر إعادة طبعها في مصر عام 2000 أحدثت جدلاً ومنعها الأزهر بدعوى “الإساءة إلى الإسلام”. ربما هذا ما زاد من شهرتها لكن هذا لا يخفي أهمية هذا العمل المؤسس في تجربة الكاتب.
وكتب حيدر في أدبه مواضيع ذات أبعاد فلسفية مطلقا لخياله العنان ولعباراته جرأة التعبير إلى الحد الذي يزعج فيه بعض المحافظين بأفكاره.