كان هواك خلاك ملاك

يمكن القول إن الحب يشكل موضوعا لتسعين في المئة من الأغاني، فهو مشكلة وهو أيضا الحل. غير أن هناك من يراهن على أن زمن العاطفة الملتهبة قد انتهى تبعا لآليات العصر الذي صار عقلانيا بسبب غلبة العلوم على المشاعر الإنسانية.
التفسير العلمي لما يجري حولنا من ظواهر اتسع على حساب الاستسلام للمشاعر التلقائية المرتجلة.
لم تعد جملة من نوع “إن كنت أقدر أحب تاني/أحبك أنت” تقنع أحدا كما أن “كل كلمة حب فيها حاجة منك” التي وردت على لسان نجاة الصغيرة لا تتحكم بالتجارب الواقعية التي يخوضها الأفراد وهم يبحثون عن نصفهم الثاني الذي قد لا يكون بالضرورة شريك العمر.
لقد تبدّلت المفاهيم، انتهت بداهة “طبعا أحباب” التي رفعتها وردة الجزائرية شعارا ليحل محلها مزاج متقلب لا يلتفت إلى الماضي بحسرة. كان العراقي رضا علي يقول “جروح المحبة تحلالي” في إطار أغنية يبدأها بـ”حق العرفتونا وعرفناكم/أيام حلوة أقضينا وياكم”، فماضي التجربة العاطفية كان يؤسس لحياة مستقبلية، وهو ما دفع المغني ذاته إلى أن يقول “تدري أشقد أحبك أحبك/ بعدد دقات قلبك أحبك”.
كانت هناك دائما لمسة حنان تضع بصماتها التي هي جزء من ميثاق اجتماعي وإلا ما كان ناظم الغزالي يقول “أحبك وأحب كلمن يحبك”.
هناك شراكة اجتماعية في الحب ليس من اليسير التخلي عنها، ولكن الحب تغير في ظل عزوف الكثيرين عن الزواج. صارت “المساكنة” بديلا عن الزواج في الغرب، أما في شرقنا العربي، فإن الطلاق يزدهر.
يوما ما قالت المغنية اللبنانية صباح لرشدي أباظة “عاشقة وغلبانة والنبي” وكانت تفضل الموت على أن تتخلى عن حبيبها “يا حبيبي يا أموت آنا”.
يُخيل إليّ أن الدموع صارت أقل في عصرنا وصار الشباب لا يوافقون عبدالحليم حافظ وهو يقول “أقول أحبك وأعيش أحبك”.
في زمن حافظ كانت الدنيا تبدو أجمل وهي تحتضن حالة حب. كان هناك اتصال لا ينفك “ذنبك إيه ذنبك بحبك” كان الحب يقبل المحاكمات، ولكن الهواء خلط الأوراق وفقد الحب الكثير من عناصره.
مُحيت سطور كثيرة ومنها جملة قاتلة قالتها أم كلثوم “وأقلك إيه/شويه أني أقلك يا حبيبي/يا ريت فيه كلمة أكثر من حبيبي” مَن نصدّق ونحن نبحث عن حب في عالم، صارت العاطفة أقل مرجعياته تأثيرا.
ولكن يظل صوت أم كلثوم يطاردنا وهي تقول “أنت لو حبيت يومين/كان هواك خلاك ملاك”.