أزمة الرئاسة في لبنان: الخلاف على الضمانات وليس الأسماء

الخطوات السعودية والإيرانية تستهدف تأمين الاتفاق بإنهاء الأزمات التي كانت ساحات مواجهة بين البلدين.
الأربعاء 2023/05/03
بانتظار "شخصية مرموقة" بمعايير إيرانية

بيروت - بينما تغرق الأطراف السياسية في لبنان بتحديد مواصفات الرئيس اللبناني المقبل، لم يحدد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان سوى “صفة” واحدة هي أن يكون “شخصية مرموقة”. وهو ما لا يشفع بشيء لأحد، ولا يساعد في فهم إلى أين يمكن أن تتجه الأمور.

إلا أن تلك “الصفة المنفردة” لم تكن إلا انطباعا أوليا لمخطط تفاوضي يجري التداول بشأنه لا يتعلق بأسماء المرشحين للرئاسة، وإنما بالضمانات التي يتعين توفرها لانتشال البلاد من عثرتها الاقتصادية وإنقاذها من انهيار محتوم مع نفاد الاحتياطات النقدية لدى المصرف المركزي والتي لم يبق منها إلا أقل من 10 مليارات دولار بالكاد تكفي حتى نهاية العام الجاري.

ويدور التباحث في الضمانات على مستوى آخر، وذلك تحديدا بين إيران والسعودية برعاية فرنسية، وضمانات التزامات وتعهدات ترعاها باريس بين الأطراف اللبنانية. ويرى مراقبون أن الاجتماع المنتظر بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني، سواء أتم في طهران أو في الرياض، فإن موضوع الضمانات سيكون حجر الزاوية في المباحثات في شقها المتعلق بلبنان.

◙ الخطوات السعودية والإيرانية المتلاحقة على ساحة المنطقة لتحصين الاتفاق السعودي - الإيراني تستهدف تأمين شبكة أمان لهذا الاتفاق

وتقر طهران، ضمنيا، بأنها لا تستطيع مساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية، ليس لأنها تعاني هي نفسها من أوضاع اقتصادية صعبة، بل أيضا لأن العقوبات الأميركية ضدها تحد من قدرتها على مد يد العون للبنان، حتى ولو اقتصر الأمر على مشكلة واحدة مثل الكهرباء.

وكان عبداللهيان قال خلال لقائه برئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي "إننا نستطيع من خلال اتّفاق ثنائي العمل على حلّ مشكلة الطاقة الكهربائيّة، ولكنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في الضغوط الأميركية التي تمارس في هذا المجال، والتي تتمحور حول تعزيز عنصر الخوف من العقوبات على إيران".

وهذا الواقع يعني أن السعودية، ومن خلفها فرنسا وصندوق النقد الدولي، هي التي يمكنها أن تحول دون انهيار البلاد. ولئن كانت الرياض قد أعرضت عن التدخل لدعم مرشح أو آخر لمنصب الرئيس أو رئيس الوزراء، فلأنها تريد أن يقوم حل أزمة الفراغ الرئاسي، ليس على أساس تسوية بين أسماء فتأتي برئيس يرضى به الفرقاء اللبنانيون ثم ينقلب على الحكومة، وإنما على أساس تعهدات تُلزم بقاء الحكومة على امتداد العهد كله، وتنفذ برنامج الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي.

ويمكن أن تشمل الضمانات عدم المساس بسلاح حزب الله، ولكن مع امتناع هذا السلاح أن يكون سلاح تدخلات خارجية تهدد سياسة النأي بلبنان عن أزمات المنطقة.

ويقول مراقبون إن السعودية لا تريد أن ترى تكرارا للخطيئة التي ارتكبها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري عندما رضخ للمخاوف من تمدد أزمة الفراغ الرئاسي، فصوّت لصالح تولي ميشال عون منصب الرئيس، ولكن لم يمض عام واحد من أعوام العهد الستة حتى انقلب على حكومة الحريري، فتحول العهد كله إلى عهد خاضع لسيطرة التحالف بين حزب الله بقيادة حسن نصرالله و”التيار الوطني الحر” بقيادة عون وجبران باسيل.

وكانت فرنسا عرضت على السعودية صيغة تقول بقبول مرشح حزب الله للرئاسة سليمان فرنجية، مقابل تكليف مرشح المعارضة تمام سلام برئاسة الحكومة. إلا أن الرياض قالت إنها ستحيل الأمر إلى "لجنة مصغرة" لدراسته، في إشارة إلى أن المقترح ليس كافيا لأنه لا يوفر أساسا دائما للاستقرار.

ويرى مراقبون أن طرح اسمي فرنجية وسلام لم يكن مما يساعدهما في خضم أزمة تزداد تدهورا وتزداد العلاقات بين أطراف النزاع توترا، حتى أصبح هناك رفض مسبق من كل طرف لمرشح الطرف الآخر.

اقرأ أيضا واشنطن تحض اللبنانيين على انتخاب رئيس للبلاد
اقرأ أيضا: واشنطن تحض اللبنانيين على انتخاب رئيس للبلاد

وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أكد غير مرة على أن الفراغ الرئاسي يمكن أن يمتد على أمل التوصل إلى شخصية وطنية متفق عليها خير من أن يتولى موال لحزب الله مثل فرنجية منصب الرئاسة، فيكرر سياسات سلفه، وتنتقل البلاد من أزمة قابلة للحل إلى أزمة بلا حل لست سنوات أخرى.

وعلى هذا الأساس فإن التداول بالأسماء لم يعد مفيدا لأصحاب الأسماء نفسها. كما أنه ليس مفيدا لمسارات الحل المقترحة. وهو ما يجعل "الصفة" الوحيدة التي قدمها عبداللهيان هي صفة جزئية لرئيس يتعين عليه أن يقدم ما هو أكثر من مجرد أنه "شخصية مرموقة".

وتقول مصادر لبنانية "إن الخطوات السعودية والإيرانية المتلاحقة على ساحة المنطقة لتحصين الاتفاق السعودي - الإيراني تستهدف تأمين شبكة أمان لهذا الاتفاق، تتمثل في إنهاء الأزمات التي كانت بشكل أو آخر ساحات مواجهة أو خصومة بين الرياض وطهران".

ولكن “شبكة الأمان” بالنسبة إلى لبنان تعني اتفاقا مسبقا على مسار السنوات الست المقبلة، وعلى برنامج حكومي مفصل، وعلى التزامات من جانب الرئيس المنتظر بدعم رئيس الحكومة، وعلى أن تعمل الحكومة من دون "ثلث معطل" لأي طرف من الأطراف، وأن تنفذ برنامج الإصلاحات كما حدده صندوق النقد الدولي، وهو المدخل الوحيد ليس لتقديم حزمة إنقاذ أولية تبلغ 3 مليارات دولار، وإنما لتوفير حماية لما قد يصل إلى 15 مليار دولار أخرى مطلوبة لكي يتعافى لبنان مجددا.

وكان من الملفت في تصريحات عبداللهيان أنه تجاهل ضمنيا الإشارة إلى فرنجية كمرشح محتمل عندما سئل عن موقف إيران منه، قائلا إن "إيران لم ولن تتدخّل بتاتاً في انتخاب اللبنانيين رئيسهم، فهم لديهم الكفاءة والقدرة على استكمال هذه العمليّة، وإن الرئاسة شأن لبناني داخلي".

2