الحوار الوطني يوسع الهوة بين صفوف المعارضة المصرية

الخلافات التي ظهرت في صفوف المعارضة المصرية بشأن المشاركة في الحوار، والتي بلغت حد إعلان بعض الأحزاب تشكيل تيار جديد، تضعف موقفها وتحرمها من الاستفادة من بوادر الانفتاح لتحقيق مكاسب سياسية.
القاهرة - تباينت مواقف أحزاب وقوى سياسية مشاركة في الحركة المدنية الديمقراطية، التي تمثل تيار المعارضة الرئيسي في مصر حاليا، من المشاركة في الحوار الوطني المنتظر انطلاقه اليوم الأربعاء، ما جعل من الصعب اتخاذ موقف موحد من مقاطعته أو الانخراط فيه، مع انعكاس الانقسامات على الأحزاب ذاتها التي تتبنى مواقف متناقضة بشأن الدخول في حوار مباشر مع الحكومة.
وقال مصدر مطلع بالحركة المدنية لـ”العرب” إن الحركة فشلت في حسم موقفها من المشاركة في الحوار خلال اجتماعات عقدتها يومي السبت والأحد الماضيين، وإن اجتماع الاثنين حسم الموقف النهائي من المشاركة، في وقت عولت فيه الحركة على اتخاذ قرار رئاسي للإفراج عن 27 اسماً حددتها الحركة من المحبوسين على ذمة قضايا رأي قبل انطلاق الحوار بشكل رسمي.
وقررت الحركة المدنية في اجتماع الاثنين دعم فكرة المشاركة في الحوار الوطني بعد التصويت عليها، مع الاستمرار في المطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي ممن تقدمت بقائمة بأسمائهم، وسط توقعات بإطلاق سراح عدد منهم الأيام المقبلة، وتلقي تأكيدات من جهات قريبة من الحكومة بذلك. وتخلل اجتماع الاثنين نقاش انتهى بتصويت سري لـ12 رئيس حزب و10 من الشخصيات العامة على قرار الموافقة أو الرفض، واختار 13 منهم المشاركة ودعم الحوار، ورفض 9 منهم بسبب عدم تحقق مطلب إخلاء سبيل سجناء الرأي.
وقادت الخلافات إلى عزم عدد من الأحزاب المنضوية تحت لواء الحركة المدنية التجهيز للإعلان عن تكتل يحمل صبغة ليبرالية باسم “التيار الوطني الحر”، تشارك فيه أحزاب: المحافظين والإصلاح والتنمية والدستور، وعدد من السياسيين وأحزاب أخرى من خارج الحركة المدنية، ما يُعيد شبح الانقسامات التي تسيطر على المعارضة في مصر منذ فترة إلى الأضواء، ويضع بذرة تفتيتها.
وتواجه المعارضة اتهامات بعدم القدرة على اتخاذ مواقف توافقية في الأزمات الداخلية، وتظهر دائما كطرف ضعيف أمام الحكومة التي لا تجد صعوبة في حسم الكثير من الملفات لصالحها دون أن تتعرض لضغوط حقيقية. وتُظهر المواقف الحاسمة هشاشة كبيرة في بنية التكتلات التي تقوم على أهداف عامة ولا تتمكن من التوافق حول التفاصيل، وتعمل على تحميل الحكومة مسؤولية فشلها.
وليس من السهل الحفاظ على تماسك الحركة المدنية التي تشكل الطرف الآخر المقابل للحكومة في الحوار الوطني، وينذر تفتتها، وإن حافظت على صورتها المتماسكة شكلا، بدخولها دوامة جديدة من الأزمات الداخلية. ومع أن المعارضة أضحت أمام مساحة أكبر في حرية الحركة كما أن تشكيل أكثر من تكتل معارض يشي بأن المجال أكثر انفتاحاً، غير أن تآكلها لن يمكنها من توظيف بوادر الانفتاح لتحقيق مكاسب سياسية تستفيد منها لرسم مستقبلها.
وأكد القيادي بحزب تيار الكرامة (معارض وأحد الأحزاب الفاعلة في الحركة المدنية) عبدالعزيز الحسيني أن الحركة تجاذبتها ثلاثة توجهات بشأن المشاركة في الحوار، فهناك أحزاب كانت لديها رغبة في المشاركة تحت أيّ ظرف، وإن لم تستجب الحكومة بشكل كامل للضمانات التي قدمتها، وأخرى تميل للمشاركة شرط الحصول على إشارات إيجابية واضحة للإفراج عن عدد كبير من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، والفريق الثالث ربط المشاركة بإثبات الحكومة حسن نواياها قبل بدء الحوار.
وأضاف الحسيني في تصريح لـ”العرب” أن أحزاب الحركة المدنية تشكل تكتلاً من أطياف سياسية مختلفة، وثمة توافق حول ما صدر سابقًا عنها حول ضمانات المشاركة في الحوار، وفي القلب منها الإفراج عن سجناء الرأي وفتح المجال العام، والخلاف حول طبيعة المشاركة، وتتفق الأحزاب على أن اختلاف التوجهات الاقتصادية بين قوى الحركة المدنية عملية طبيعية وتتكرر في المواقف السياسية.
وأشار إلى أن تأسيس تكتل ليبرالي جديد أمر منطقي، لأن أحزاب اليسار بها تكتلات خاصة، وتؤمن بوجود اتجاهات سياسية لا تتماشى مع التوجه الليبرالي دون أن يؤثر ذلك على بقاء الحركة كوعاء عام للمعارضة، مشددا على أهمية الوصول إلى توافق.
وأخذت الخلافات في التصاعد داخل الحركة المدنية منذ جرى الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة مع إعلان رئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي عودته إلى البلاد وتلميحه للمشاركة فيها، وهو أمر قوبل برفض داخل الحركة، وعبرت أحزاب ليبرالية عن أنه لم يعد عضواً فيها، وذهبت باتجاه البحث عن مرشحين آخرين من خارج الحركة يمكن التفاهم معهم للترشح للانتخابات.
ومن غير المتوقع أن تظل الحركة على تماسكها، لأن الملفات السياسية الساخنة قادت إلى خلافات داخلها في ظل عدم خبرتها في إدارة مواقف تتطلب مرونة لا تتوافر في معظمها، وأن غياب الممارسة السياسية الحقيقية أصابها بخواء ينعكس على مواقفها.
◙ تأسيس تكتل ليبرالي جديد أمر منطقي لأن أحزاب اليسار بها تكتلات خاصة وتؤمن بوجود اتجاهات سياسية لا تتماشى مع التوجه الليبرالي
وأوضح البرلماني السابق باسل عادل لـ”العرب” أن القوى السياسية كانت أمامها فرصة طوال عام كامل لتبلور مطالب الشعب وتضعها على رأس أولوياتها للمشاركة في الحوار بما يدعم وجودها على الأرض، لكنها حصرت نفسها في قضية الإفراج عن السجناء، وإن كانت قضية إنسانية مهمة، وتغافلت عن الهدف الرئيسي من وراء تأسيسها المتمثل في المقاومة السلمية والمشاركة الفاعلة في المجال العام.
وذكر عادل، الذي استقال أخيراً من حزب المحافظين (معارض) بسبب خلافات حول الموقف من المشاركة في الحوار الوطني، أن بطء الحوار لم يكن مبررا وفي غير صالح الدولة، والتوقف عند مسألة المشاركة في الحوار من عدمه وربطها بالإفراج عن 27 اسماً قدمتها الحركة المدنية ليس في صالح المواطنين.
ولفت إلى أن الحوار يجب أن ينطلق بشكل فوري، بصرف النظر عن المكتسبات والخسائر والمطالب المطروحة، فمصر في حاجة إلى انطلاقه وتكاتف التيارات السياسية بلا ترصد ومكايدة، حيث تقتضي المسؤولية الوطنية التفكير في حلول سياسية واقتصادية واجتماعية وتقديم يد العون للسلطة، وأن حجة الانسحاب من الحوار لعدم الإفراج عن المحبوسين غير منطقية، وقد تنقضي وتزول أثناء سير الحوار.
وأفرجت السلطات المصرية عن أكثر من 1400 محبوس على ذمة قضايا رأي منذ إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي عن انطلاق الحوار منذ حوالي عام، بينما تصر الحركة المدنية على إطلاق سراح قائمتها كاملة، وتضم الناشط أحمد دومة الذي تريده أن يشارك في الحوار الوطني.
وتأثرت الحركة المدنية سلبا بتأخر تحديد موقفها من المشاركة في الحوار الوطني من عدمه، ولم تظهر خلافاتها الداخلية بوضوح أمام الرأي العام، ويأتي العتب الرئيسي عليها من أنه كان يمكنها تقديم مصالح الدولة العليا على مطالبها، حتى بدا أن الحكومة قدمت تنازلات في حين رفضت المعارضة التنازل، خاصة في قضية مسجوني الرأي.