الأعمال في قطر تكافح للتعافي من اكتئاب ما بعد المونديال

السلطات تعول على تنظيم الفعاليات الرياضية والثقافية في 2023 لجذب الزوار وتحريك الاقتصاد.
الاثنين 2023/05/01
وفجأة اختفى المشترون وقل الطلب

يتفق معظم المحللين على أن قطر تواجه، بعد مرور أشهر على انتهاء فعاليات المونديال، لحظة حاسمة لمعرفة حقيقة الدفاع عن رؤيتها في جعل البلد الصغير أكثر جاذبية للأعمال والسياح، خاصة إثر بروز المؤشرات التي تظهر ركود الأسواق مع تناقص فرص العمل بشكل لم يبد مفاجئا.

الدوحة – تسعى قطر للتعافي من اكتئاب ما بعد المونديال من خلال استضافة المزيد من الأحداث العالمية بعد أشهر من تدفّق مئات الآلاف من مشجعي كرة القدم إلى فنادقها وملاعبها لحضور أكبر حدث رياضي يشهده الشرق الأوسط.

ومنذ انتهاء البطولة في ديسمبر الماضي حين تُوّجت الأرجنتين باللقب، يستذكر التجّار تلك الفترة التي سمحت بجذب نحو 1.4 مليون زائر، بحسب أرقام السلطات.

وتنافس قطر بشكل خجول جيرانها لجذب السياح والاستثمار الأجنبي. وبينما تعد دبي بالفعل مركزا تجاريا إقليميا مهما، فإن السعودية تعمل على تطوير اقتصادها من خلال ثورة شاملة في كل المجالات.

وقال أختار باتيل الذي يدير متجر مجوهرات في سوق واقف في الدوحة لوكالة الصحافة الفرنسية إن الأعمال “هادئة” حاليا، مضيفًا “بالفعل نفتقد المشجّعين الآن”.

أكبر الباكر: حجوزات الفنادق غالبا ما تنخفض بعد أي مونديال
أكبر الباكر: حجوزات الفنادق غالبا ما تنخفض بعد أي مونديال

ورغم أن عطلة عيد الفطر حرّكت عجلة الأعمال في السوق قليلا، لكن سانديف كومار الذي يدير ورشة طباعة، اضطرّ إلى صرف اثنين من موظّفيه الأربعة وإعادتهما إلى الهند لأنّه لم يعد قادرا على دفع الرواتب. وقال “نفتقد الأجواء، لكننا نفتقد العمل أكثر”.

وخلال أربعة أشهر غادر آلاف من العمّال الأجانب البلد، فيما سرّحت فنادق فاخرة شُيّدت خصيصًا من أجل الحدث الكروي العالمي المئات من الموظفين.

وعلى كورنيش الدوحة حيث أُقيمت مناطق المشجّعين الرئيسية خلال المونديال، شوهد أشخاص عاطلون عن العمل يتسوّلون، في مشهد غير مألوف في البلد، ما دفع السلطات إلى مكافحة هذه الظاهرة.

وفي قطر التي غالبا ما تكون بحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية، تدافع أكثر من ألف شخص مؤخرا أمام أبواب مركز تجاري على أطراف الدوحة كان قد أعلن عن مئة فرصة عمل.

وكجزء من رؤية قطر 2030، قامت السلطات بتنفيذ خارطة طريق لمشاريع مدتها عشر سنوات تنتهي بحلول 2024، ونتيجة لذلك، قُدرت النفقات الرأسمالية للحكومة بمتوسط 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2015 و2022.

ومن بين المشاريع، تم بناء الطرقات ومحطات المترو وأنظمة الصرف الصحي والمستشفيات والمدارس. وقالت الحكومة مرارا إن الاستثمار في هذه المجالات كان سيحدث بغض النظر عن بطولة كأس العالم.

وحسب تقديرات وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، كلفت المرافق الرياضية لفعاليات بطولة كأس العالم نحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في النفقات المباشرة.

وتبقى قطر التي تملك احتياطات غاز هائلة، إحدى القوى الاقتصادية الثرية في الشرق الأوسط. وبعد أن سجّلت فائضا تجاريا بلغ قرابة مئة مليار دولار العام الماضي، يُتوقع أن يشهد اقتصادها نموا بنسبة 3.4 في المئة هذا العام، بحسب البنك الدولي.

4.6

في المئة نسبة تراجع قيمة الواردات السلعية خلال مارس بقيمة حوالي ثمانية مليارات دولار بمقارنة سنوية

ومع ذلك ثمة رياح معاكسة تحتاج الدوحة إلى مواجهتها، فقد أصدر جهاز الإحصاء الأحد تقريره الأولي عن التجارة الخارجية لشهر مارس الماضي، والذي أظهر تراجع فائض الميزان التجاري بنحو 19.6 في المئة على أساس سنوي.

وبلغت قيمة إجمالي الصادرات، التي تشمل السلع ذات المنشأ المحلي وإعادة التصدير، 30.9 مليار ريال (25.8 مليار دولار) بانخفاض نسبته 15.5 في المئة على أساس سنوي وبتراجع 0.6 في المئة على أساس شهري.

وهبطت قيمة الواردات السلعية خلال مارس إلى نحو ثمانية مليارات دولار بانخفاض 4.6 في المئة بمقارنة سنوية، ولكن بارتفاع بنحو 18.1 في المئة مقارنة فبراير الماضي.

وفي ضوء ذلك فقد حقق الميزان التجاري فائضا مقداره 17.8 مليار دولار، مسجلا بذلك انخفاضا بواقع 4.3 مليار دولار على أساس سنوي، وتراجعا مقداره 1.34 مليار دولار تقريبا بواقع 7.2 في المئة مقابل فبراير الماضي.

وارتفع عدد سكان الدولة الصغيرة بحوالي مئة ألف منذ نهائي بطولة كأس العالم، ليتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، وفق الأرقام الرسمية.

وحاول رئيس هيئة قطر للسياحة، والرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية أكبر الباكر تبرير الخمول في الاقتصاد القطري، قائلا إن نسبة حجوزات الفنادق غالبا ما تكون “منخفضة” في الأشهر التي تلي فترة المونديال.

وأوضح أن بلاده استثمرت في السياحة وتركّز أكثر فأكثر على استضافة المزيد من الأحداث الكبيرة، متوقعا أن تستقبل أكثر من خمسة ملايين زائر هذا العام، أي أكثر من ضعف عدد السيّاح المسجّل عام 2019.

وتهدف الحكومة إلى جذب حوالي ستة ملايين سائح سنويا بحلول نهاية العقد الحالي كجزء من خطتها الاقتصادية طويلة المدى.

وينهمك عمّال على متن حفارات في أشغال تمهيدا لاستضافة المعرض الدولي للبستنة 2023 أواخر هذا العام، والذي تأمل قطر أن يجذب مليون زائر أجنبي.

بسام حاج أحمد: إصلاح قوانين العمل والتأشيرات سيجعل قطر جاذبة
بسام حاج أحمد: إصلاح قوانين العمل والتأشيرات سيجعل قطر جاذبة

وكذلك، تُشيد السلطات حلبة جديدة لسباقات السيارات لمنافسة جاراتها الإمارات والبحرين والسعودية، حيث ستُقام جائزة قطر الكبرى للفورمولا واحد في الثامن من أكتوبر المقبل.

وفي خضم ذلك منح الاتحاد الدولي لكرة السلة (فيبا) الجمعة الماضي قطر حق استضافة بطولة كأس العالم للرجال عام 2027.

وقال وزير الثقافة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني إنه عندما أطلقت قطر مبادرة “الأعوام الثقافية” للتبادل الثقافي الدولي مع دول أخرى قبل عقد، كان من الصعب إيجاد بلدان مرشحة.

وأكد خلال فعالية مع إندونيسيا، شريك هذا العام في النسخة الثانية عشرة من المبادرة، أن الدول باتت الآن تتزاحم لتكون جزءًا من “الأعوام الثقافية”.

ويتوقع أصحاب الشركات أن يعلن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي تسلّم مهامه في مارس عن إجراءات قريبا لدعم تنويع مصادر الدخل وجذب الأجانب ذوي المهارات العالية، في مواجهة منافسة متزايدة من جانب الجيران الخليجيين.

وقال رئيس فرع قطر لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز الاستشارية بسام حاج أحمد لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “متأكد تماما” من أن الحكومة ستقوم بتغييرات.

وأكد أن الشركات القطرية تُظهر رغبة في التحوّل نحو الرقمية ومجالات حديثة أخرى وتريد “المزيد من الموارد والمهارات”. وينبغي على الأجانب حاليا مغادرة البلاد فور انتهاء صلاحية عقود عملهم ويحقّ فقط لقسم صغير منهم شراء عقارات في قطر.

ورأى حاج أحمد أن إصلاح قوانين “العمل والتأشيرات” سيجعل قطر أكثر استقطابا. ولفت إلى أن “قطر تملك الكثير من الفرص الفريدة من نوعها مقارنة بالدول الأخرى. لكن ينبغي علينا تطوير نهج أكثر تنظيمًا لاستقطاب المهارات”.

11