فرار قيادات بنظام البشير من السجن ينفخ في نار الفوضى بالسودان

قوات الدعم السريع تتهم الجيش بإطلاق سراح مسؤولين بالنظام البائد، فيما يدعو أبرز معاوني الرئيس السوداني المعزول الإسلاميين إلى دعم الجيش في الحرب.
الأربعاء 2023/04/26
أحمد هارون يطل لتأجيج الحرب المشتعلة

الخرطوم – تسود فوضى عارمة في السودان في ظل وقف إطلاق نار هش، تجسّدت خلال الساعات الماضية في إعلان أحمد هارون، أحد مساعدي الرئيس السابق المعزول عمر البشير، فراره من السجن برفقة مسؤولين سابقين آخرين، وبينما اتهمت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان بإشعال الحرب كغطاء لإخراج قيادات النظام البائد من سجن كوبر، شمالي الخرطوم، لاستكمال مشروعه الانقلابي والعودة مجددا إلى السلطة، أكد الجيش أن البشير نفسه محتجز في مستشفى نُقل اليه قبل بدء القتال.

وفي الأيام الأخيرة تداولت بعض وسائل الإعلام السودانية أنباء عن اقتحام عناصر مدججة بالسلاح لأحد السجون وإخراج موالين للرئيس المعزول عمر البشير بينهم عناصر أمنه الخاص السابقين إلى جانب آخرين كانت ستنفذ فيهم أحكام بالإعدام.

وقالت قوات الدعم السريع في بيان نشرته عبر صفحاتها على فيسبوك وتويتر اليوم الأربعاء "طالعتم جميعًا منذ اليوم الأول لاندلاع المعارك بين قوات الدعم السريع وقيادات القوات المسلحة الانقلابيين، والتي اختارت فيها قوات الدعم السريع الوقوف إلى جانب جماهير شعبنا ضد قوى الردة المتمثلة من قيادات الانقلابين الذين وضعوا الخطط ورسموا السيناريوهات لإشعال الحرب كغطاء لخلق مبررات أمنية لإخراج قيادات النظام البائد من السجن لاستكمال مشروعهم الإرهابي المتطرف من خلال العودة مجددًا للسلطة".

وتابعت "لقد حذرنا منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب وأكدنا بالدليل القاطع أن قيادة قوات الانقلاب عادت إلى أحضان تنظيمها المتطرف، واختطفت قرار القوات المسلحة وجيرته لخدمة أجندتها الظلامية".

وأضافت "اليوم تكشفت الحقائق بشكل مفضوح بعد البيان الذي أصدره المطلوب للمحكمة الجنائية أحمد هارون نيابة عن قيادة النظام البائد الذين غادروا سجن كوبر على أيدي القوات الانقلابية وكتائب المجاهدين".

وأشارت إلى أن "هذا المخطط المكشوف بين قيادات القوات المسلحة الانقلابية وشركائهم من النظام البائد الذي يستهدف تقويض ثورة الشعب، التي ضحى من أجلها خيرة شباب أمتنا، لن يكتب له العيش في هذه الأرض الطيبة لأننا نتصدى له اليوم بكل بسالة نقدم الشهيد تلو الشهيد. نعاهد شعبنا بأننا لن نتوانى ولن نتراجع عن وعدنا الذي قطعناه بحماية ثورته المجيدة وصولًا إلى حكم ديمقراطي حقيقي".

وتابعت "نحن مدركون أن قيادات القوات المسلحة الانقلابيين ومن خلفهم فلول وقيادات النظام البائد يعدون العدة الآن لاتخاذ الخطوة القادمة لكننا لهم بالمرصاد، كما أن شعبنا أذكى من أن تمر عليه مثل هذه الممارسات التضليلية المكشوفة التي تهدف الى استعادة نظامهم المخلوع".

واختتم البيان "جماهير شعبنا الكريم لقد بدأت الآن ثورة جديدة يقودها أشاوس قوات الدعم استكمالًا لثورة ديسمبر المجيدة لاقتلاع نظام الفتنة من جذوره وتخليص الشعب السوداني من قبضة نظام البطش والتطرف والإرهاب إلى الأبد".

وسبق أن حذر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" من دعم فلول النظام السابق للجيش السوداني من أجل العودة إلى السلطة ومنع انتخاب حكومة مدنية ديمقراطية.

وأعلن الجيش السوداني في بيان الأربعاء أن الرئيس السابق عمر البشير محتجز في مستشفى تابع للقوات المسلحة نُقل اليه من السجن قبل اندلاع المعارك في 15 أبريل في الخرطوم.

وقال البيان إن البشير كان بين مجموعة "من العسكريين احتجزوا بمستشفى علياء التابع للقوات المسلحة نسبة لظروفهم الصحية قبل اندلاع التمرد، ولا يزالون بالمستشفى تحت حراسة ومسؤولية الشرطة القضائية".

وفي تسجيل نشر مساء الثلاثاء، قال هارون إن سجن كوبر خلا من كل نزلائه من سجناء وحرّاس الأحد 23 أبريل، باستثناء قلّة لا تتجاوز العشرة كان هو بينها. وأضاف "بناء على طلب القوة المتبقية من قوة السجون، تحركنا لموقع آخر خارج السجن، تحت حراسة محدودة لا تتعدّى الثلاثة من تلك القوة". وتابع هارون إنه ورفاقه تلقوا وعودا بالإفراج عنهم في اليوم نفسه. لكن ذلك لم يحصل. وبسبب الخطر وتواصل الاشتباكات، "اتخذنا قرارنا الخاص بنا بأن نتحمّل مسؤوليتنا بحماية أنفسنا بأنفسنا".

ودعا هارون الشعب وأعضاء حزبه المنحل، إلى "المشاركة في دعم الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع".

وكان هارون مسجونا في سجن كوبر في الخرطوم. وهو مطلوب بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" و"إبادة" في إقليم دارفور في غرب السودان. وأطاح الجيش بعمر البشير تحت وطأة احتجاجات شعبية ضخمة ضده في العام 2019، وأوقف مع مساعديه وأبرز أركان نظامه.

وكان البشير يتواجد أيضا في السجن نفسه. في 2021، وقّعت السلطات السودانية التي كان يشارك فيها آنذاك مدنيون، اتفاقا مع المحكمة الجنائية الدولية لتسليم البشير ومساعديه، لكن عملية التسليم لم تحصل بعد.

ووجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات إلى البشير ومساعديه على خلفية حرب دارفور التي تخللتها انتهاكات واسعة وتسبّبت بمقتل قرابة 300 الف شخص ونزوح 2.5 مليون. وشاركت فيها قوات الدعم السريع (الجنجويد) آنذاك بقيادة دقلو المعروف بحميدتي، إلى جانب قوات البشير، وضد الأقليات الإتنية غير العربية.

الجيش ينقل البشير وعسكريين سابقين إلى مستشفى قبل اندلاع الاشتباكات
الجيش يؤكد نقل البشير وعسكريين سابقين إلى مستشفى قبل اندلاع الاشتباكات

من جانبها، اعتبرت قوى الحرية والتغيير، أن "خروج مجرمي النظام السابق (المؤتمر الوطني) من سجن كوبر يؤكد ان النظام البائد هم من يقفَون خلف الحرب الدائرة في البلاد منذ 15 أبريل الجاري".

وأفادت في بيان صباح الأربعاء، بأن بيان القيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل، "أكد الحقائق في أن اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش والدعم السريع جرى من خلال عناصرهم الموجودة داخل القوات المسلحة".

وقالت القوى إن "هذه الحرب التي أشعلها ويتكسب منها النظام البائد، ستقود البلاد إلى الانهيار ولن تحقق أياً من القضايا الرئيسية التي سعت الأطراف المدنية والعسكرية لحلها عن طريق العملية السياسية".

ووجه البيان نداء لجماهير الشعب بأن "ترص الصفوف للتصدي لمخططات الفلول الشريرة التي تكشفت الآن أكثر من أي وقت مضى".

ونفّذ البرهان ودقلو في أكتوبر 2021 انقلابا أطاحا خلاله بالمدنيين من الحكم، وما لبث أن برز الصراع على السلطة بينهما، وصولا الى المعارك الدامية التي اندلعت قبل 12 يوما.

في هذا الوقت، دخل وقف إطلاق النار المبرم في السودان برعاية أميركية يومه الثاني لكنه بقي هشا وسط تقارير لشهود عن ضربات جوية وإطلاق نار. كما تواصلت عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من البلاد.

كشفت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم الأربعاء، أنها تجري اتصالات مع شركاء إقليميين ودوليين لتشكيل لجنة مفاوضات بالسودان، في إطار الجهود الرامية لتنفيذ "وقف دائم للأعمال العدائية" في البلاد.

وقال متحدث الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، للصحافيين، إن "بلاده تنسق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وأصحاب المصلحة المدنيين السودانيين، للمساعدة في إنشاء لجنة للإشراف على المفاوضات بين أطراف النزاع في السودان".

وأضاف باتيل أن "الهدف من وراء إنشاء لجنة المفاوضات هو إبرام وتنفيذ وقف دائم للأعمال العدائية، وتسهيل الترتيبات الإنسانية في السودان".

وأكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتيس من بورتسودان في شرق البلاد حيث نقلت الأمم المتحدة بعض موظفيها، أن المعارك في محيط "مواقع استراتيجية" في الخرطوم بما في ذلك المطار الدولي، "تواصلت إلى حدّ كبير أو اشتدّت في بعض الحالات".

وخلّفت المعارك أكثر من 459 قتيلا وما يزيد على 4 آلاف جريح، وفقا للأمم المتحدة. وقال بيرتيس "لا يوجد مؤشر واضح حتى الآن على أن أيا من (طرفي النزاع) مستعد للتفاوض حقا".

واستهدف الجيش السوداني الثلاثاء بطائراته مواقع لقوات الدعم السريع في ضواحي الخرطوم، فردّت الأخيرة باستخدام أسلحة ثقيلة، وفق ما روى شهود. واستهدفت غارات جوية مساء الثلاثاء مركبات لقوات الدعم السريع في شمال الخرطوم، حسب شهود آخرين.

وقالت قوات الدعم السريع إنها سيطرت على مصفاة ومحطة كهرباء على بعد 70 كيلومترا شمال الخرطوم، حسب مقطع فيديو نشر الثلاثاء.

وتحدث الجيش السوداني من جهته عبر فيسبوك عن تحرك كبير لقوات الدعم السريع نحو المصفاة من أجل السيطرة عليها مستفيدة من الهدنة.

وتبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بخرق وقف النار.

كما يسري منذ أيام وقف محلي لإطلاق النار في منطقة شمال دارفور الشاسعة (غرب)، وفقًا للأمم المتحدة. وقد تعذر على الفور التأكد من تراجع حدة القتال العنيف.

وقال بيرتيس الثلاثاء "المعارك استؤنفت قرب الحدود التشاديّة، وهناك تقارير متزايدة ومقلقة عن تسلّح قبائل وانضمامها إلى القتال"، مضيفًا أنّ "اشتباكات بين مجموعات مختلفة" اندلعت أيضا في منطقة النيل الأزرق على الحدود الجنوبيّة الشرقيّة مع إثيوبيا.

كما أفاد شهود باندلاع اشتباكات استُخدمت فيها خصوصا طائرات مقاتلة في ود بنده في غرب كردفان (جنوب)، وهي منطقة على الحدود مع دارفور.

وأبدت منظمة الصحة العالمية قلقها من خطر بيولوجي "هائل" بعد استيلاء "أحد الطرفين المتقاتلين" على "المختبر المركزي للصحة العامة" في العاصمة الذي يحوي عينات مسببة لأمراض الحصبة والكوليرا وشلل الأطفال.

ومع انخفاض نسبي في حدة القتال في معظم أنحاء مدينة الخرطوم البالغ عدد سكانها خمسة ملايين، تواصل الحكومات الأجنبية تنظيم عمليات إجلاء رعاياها عبر قوافل برية وطائرات وسفن لإخراج الآلاف من مواطنيها.

وأعلنت وزارة الخارجيّة السعوديّة أنّ سفينة تقلّ 1687 مدنيّاً من أكثر من 50 دولة فرّوا من العنف في السودان وصلت إلى السعوديّة الأربعاء، في أكبر عمليّة إنقاذ من نوعها تُنفّذها المملكة حتّى الآن.

وقالت وزارة الخارجية السعودية إنها قامت بإجلاء ما مجموعه 2148 شخصا حتى الآن، من بينهم أكثر من 2000 من الرعايا الأجانب.