"لا جناح لي" قصائد سورية تشرع أبواب التأويل لعالم جديد

لندن - يعد ديوان "لا جناح لي" للشاعر السوري جميل داري عصارة تجربة شعرية حاول خلالها أن يزرع نقطة ضوء في نفق طويل مع الشعور بأن هذه الرغبة في الزراعة كانت طوباوية أكثر منها واقعية، فلا معنى للكلمة في زمن القمع، ولا معنى للقصيدة التي تستدر التصفيق.
يضم الديوان نصوصا قصيرة مكثفة تلمح وتصرح في وقت واحد، وهي على أرض الواقع مجرد نصوص أرضية تعبر عن رغبتها في الطيران، وليس لها ذلك، فهي كشاعرها مقيدة بالواقع بألف قيد وقيد، ومن هنا الشعور بالعجز في جعل القصيدة واحة للمتعبين، وسلاحا مدافعا عن المظلومين، هذا العجز يولد قهرا كبيرا، وقد قيل “القدرة تذهب الحفيظة”، ومن أين للشعر هذه القدرة على إطفاء نار الغضب في روح الشاعر وأعصابه.
أن تكون بلا جناح، وتحاول الطيران هذا ما يسعى إليه الشعر هنا، لكن الإشكالية تكمن في الاعتياد على عدم القدرة على الطيران وإدمان الحالة إلى درجة موت الإحساس بذلك، وحين يموت الإحساس بالعجز يموت الشاعر.
وفي مقدمة الديوان، الصادر حديثا عن منشورات رامينا في لندن، التي كتبها الأكاديمي أحمد فراج العجمي، يقول "يمضي جميل داري في ديوانه 'لا جناح لي' نحو بعد ثالث من أبعاد التفضية المكانية؛ حيث يمعن في غواية الارتحال المستمر مشغوفا بسلطة المكان الجمالي، باحثا عن كوة يفلت منها طيور الأمل، متماهيا مع ظلال الأحداث الملمة بالماضي القريب والواقع المحبط، فلا يجد أمامه غير الرحلة النفسية، وهنا تتجلى منظومة النفي، نفي نفسي عن الواقع القبيح إلى عالمه الجمالي أولا، نفي عن الوطن إلى الغربة عنه ثانيا، وها هو الآن في هذا الديوان يشكل لنا عالمه المكاني الجديد في منفى جديد، يشرع لنا أبواب تأويله".
ويتابع أن توجه الشاعر يمكن أن نسميه كمال الاندماج بالعالم الشعري الخاص، إذ يخلص داري لنسق منظومته الشعرية شكلا ومضمونا، وتعكس مرآة الرمز والتكثيف عوالم متداخلة وأبعادا خبيئة وانزياحا مولدا لدلالات متوارية، وقراءات مستمرة قادرة على إحياء النص عدة مرات؛ ليقف النص ماثلا أمام ذهن المتلقي غنيا برؤاه وأفكاره بعد أن ظن القارئ أنه فرغ منه، فيعيد التسلل إليه من جديد، وهنا تكمن لعبة داري الشعرية.
وفي كتابه هذا يبدأ جميل داري الشاعر الستيني رحلة جديدة يجتمع فيها النضج الفني والهمة العالية والتفرغ للكتابة والإخلاص لها، محاولا إعادة بناء تصوراته تجاه العالم والإنسان والقيم والشعر؛ لننتظر له ديوانا بعد ديوان، واقفين على ملامح تجربة شعرية وضيئة جديرة بالقراءة. يشار إلى أن لوحة الغلاف هي للفنان الكردي العراقي جبار صابر وتصميم الغلاف للشاعر والفنان ياسين حسين.
ويذكر أن الشاعر جميل داري من مواليد 1953 في عامودا بسوريا. يحمل إجازة في اللغة العربية من جامعة حلب عام 1979. له في الشعر دواوين عديدة وهي: “السفر إلى عينيك بعد المنفى” (1984)، “ظلال الكلام” (1995)، “إن القرى لم تنتظر شهداءها” (1993)، “حرائق” (2014) وديوان “اشتعالات” (2015).