هنيئا لك العيد الذي أنت عيده

لقد كانت للمتنبي قدرة في زمنه على أن ينزع عن العيد قداسته الدينية، وأن يعكس عليه حالته النفسية والشعرية ويجعلها أساس علاقته به.
الجمعة 2023/04/21
وضعية المتنبي كانت أفضل من وضعيتنا

لعل أكثر بيت شعر ترددا على ألسنة العرب مع إطلالة كل عيد جديد ومنذ أزيد من ألف عام، هو بيت قاله أبوالطيب المتنبي عندما قرر مغادرة مصر خائبا مكسور الوجدان بعد أن فشل في نيل ود كافور الأخشيدي، وقد صادف ذلك يوم عيد، “عيد بأي حال عدت يا عيد \ بما مضى أم لأمر فيه تجديد \  أما الأحبة فالبيداء دونهم \ فليت دونك بيدا دونها بيد”.

ويشار بهذا البيت في وقتنا الحالي إلى بقاء أحوالنا على حالها، حيث يمضي عيد ويأتي آخر ولا شيء يتغيّر سواء لنا كأفراد أو لجماعات إلا من رحم ربك، فيما العالم من حولنا يتحرك بقوة ويتطور ويتقدم بسرعة، ويبحث في كل يوم جديد على مزيد من التجديد، وكأن المتنبي كتبه لنا ولزماننا وليس لنفسه ولزمنه.

فالثابت أن وضعية المتنبي كانت أفضل من وضعيتنا، إذ هو على الأقل لم يقف عند تلك القصيدة أو عند ذلك البيت وإنما تعداهما ليترك في رصيده 326 قصيدة وصف فيها مساره ومسيرته والتحولات التي صادفته، والخيبات التي اعترضته، ومنازل الفخر والثناء التي جازها، كما كانت له القدرة على أن يكتب في العيد ما يبهج ويسعد السامعين وليس فقط ما يثير الحزن والشجن والأنين.

ولعلّ خير مثال على ذلك قصيدة “لكل امرئ مِن دهره ما تعودا” التي كتبها في مدح سيف الدولة الحمداني أمير حلب وألقاها بين يديه في يوم عيد أضحى، وجاء فيها “هنيئا لك العيد الذي أنت عيده \ وعيد لمن سمى وضحّى وعيّدا \ فذا اليوم في الأيّام مثلك في الورى \ كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا \ ولا زالت الأعياد لُبْسَكَ بعده \ تسلّم مخروقا وتعطي مُجدّدا”.

لقد كانت للمتنبي قدرة في زمنه على أن ينزع عن العيد قداسته الدينية، وأن يعكس عليه حالته النفسية والشعرية ويجعلها أساس علاقته به، ففرحة العيد لا تكون إلا بفرحته الشخصية كما هو الحال في العلاقة بسيف الدولة عندما مدحه في قصيدته “لكل إمرئ”، وإذا كان بائسا فالعيد بائس وحزين كما الحال في العلاقة بكافور عندما قال فيه بيت “عيد بأي حال عدت يا عيد” الذي كتب فيه شعراء هذا الزمن الكثير من المعارضات، فيما لم أعثر على معارضة واحدة للقصيدة التي تضمنت بيت “هنيئا لك العيد الذي أنت عيده”.

18