اعتقال الغنوشي مؤشر على اقتراب المواجهة بين النهضة والدولة

هل يفضي إغلاق مقرات حركة النهضة إلى حل الحركة.
الأربعاء 2023/04/19
بداية النهاية

تونس – لم تستبعد أوساط سياسية تونسية أن يقود إيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى تصعيد كبير بين الحركة والدولة التونسية في ظل تمسك الرئيس قيس سعيد بمنع أيّ استهداف أو تهديد لقوة مؤسسات الدولة، واستمرار قياديين في النهضة بإطلاق تصريحات تستهدف مؤسسات سيادية مثل الجيش أو تلوّح بالحرب الأهلية للحفاظ على وجود الحركة كقوة تأثير في الواقع من دون احترام لدور الدولة ورموزها.

يأتي هذا في وقت أمرت فيه السلطات التونسية بإغلاق مقرات حركة النهضة ومنع أيّ أنشطة لها في خطوة قد تمهد لحل الحركة وسحب الاعتراف القانوني بها.

وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن تصريحات الغنوشي الأخيرة التي بدا فيها خطابه مرتفعا وملمّحا إلى خيار “الحرب الأهلية” يظهر أن حركة النهضة تريد الحفاظ على واقع يسمح لها باستهداف مؤسسات الدولة بحملاتها وتصريحات قيادييها والإيحاء بعدم الاستقرار الداخلي من خلال توظيف الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وهو وضع لا يقبله الرئيس سعيد.

مراد علالة: الغنوشي ورّط نفسه ودق المسمار الأخير في نعش الحركة
مراد علالة: الغنوشي ورّط نفسه ودق المسمار الأخير في نعش الحركة

وأرسل الغنوشي الأحد إشارات أثارت تساؤلات في الساحة التونسية، خاصة بحديثه عن أن استثناء الإسلام السياسي “إجرام” و”مشروع حرب أهلية”، في استدعاء واضح لمخاوف التونسيين من التوترات الأمنية التي شهدتها البلاد بين 2012 و2013 من اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية استهدفت الجيش والأمن والسياحة وطالت المدنيين.

وتحرّك إشارات الغنوشي إلى “الحرب الأهلية” في ذاكرة التونسيين ما قامت به عناصر محسوبة على الحركة من عمليات عنف في 1987 وبعدها في 1991 ضد مختلفين معها في الرأي من أئمة مساجد أو منتمين إلى الحزب الحاكم.

وقال الغنوشي في اعتصام بمقر جبهة الخلاص الوطني إن “الذين استقبلوا الانقلاب باحتفال لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين بل هم استئصاليون ودعاة لحرب أهلية”، وأن “الانقلابات لا يحتفى بها، الانقلابات تُرمى بالحجارة”.

وقبل أيام من الرسائل الملغزة للغنوشي، كان صهره وزير الخارجية السابق رفيق عبدالسلام قد هاجم مؤسسة الجيش.

وقال “الحقيقة التي يجب أن تقال ودون مواربة هي أن مقولة حياد الجيش التونسي وابتعاده عن السياسة كذبة كبيرة لا يمكن أن تصدق، ويجب أن يتم التوقف عن ترويجها”.

واعتبر محللون سياسيون تونسيون أن هذه التصريحات تلتقي عند نقطة واحدة، وهي انزعاج النهضة من مؤسسات الدولة التي استعادت هيبتها وقوتها وعزمها على القطيعة مع الوضع السابق الذي سهل اختراق المؤسسات وإضعافها.

وقال محمد جمور نائب رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد إنه “من السابق لأوانه أن نتحدث عن مواجهة بين السلطة والنهضة، ولو أن الحركة تتعلق بها تهم كثيرة كالتسفير والجهاز السريّ وتبييض الأموال، وهي ملفات أخطر من تصريح الغنوشي الأخير، ومن التسرع أن نقول إنها مواجهة”.

محمد جمور: توقيف الغنوشي حدث يجسد وجود صراع بين النهضة والسلطة
محمد جمور: توقيف الغنوشي حدث يجسد وجود صراع بين النهضة والسلطة

ولفت جمور في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الاحتفاظ بالغنوشي يأتي في إطار قانون مقاومة الإرهاب، في انتظار استكمال بقية مراحل التحقيق”، معتبرا أنه “حدث سياسي يجسد وجود صراع بين الحركة والسلطة”.

وفي أول تعليق رسمي على توقيف الغنوشي، دعا الرئيس سعيد الثلاثاء القضاء إلى أن يلعب دوره في هذه المرحلة “لتكون البلاد على موعد مع تحقيق تطلعات الشعب”.

وأضاف “نحن نطبق القانون ولا نريد أن يظلم أحد ولكن لن نترك الدولة التونسية فريسة لمن يعبث بها كما يشاء”.

وتابع “على الذّين يتلوّنون بكل لون ويعملون بكل السبل على تعطيل مسار تحقيق مطالب الشعب التونسي أن يختاروا على أي مقعد يجلسون”.

واعتبر أن “من اختار الباطل فلا مكان له داخل الدولة وعلينا جميعا أن نتصدى لهم حتى لا يبقوا حجر عثرة أمام تطهير البلاد”.

وبعد ساعات من إلقاء القبض على الغنوشي، داهمت الشرطة في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء مقر الحزب وأخلته من جميع الحاضرين لبدء عملية تفتيش ستستغرق أياما. إلى ذلك تم توقيف قياديين بالحركة هما بلقاسم حسن ومحمد القوماني.

وقال القيادي بالحزب رياض الشعيبي “دخلت قوة أمنية إلى مقر الحزب الرئيسي وطالبت المتواجدين فيه بالمغادرة وأغلقته”. وتابع “كما قامت قوات أمنية أخرى بغلق جميع مكاتب الحزب في البلاد ومنعت الاجتماع فيها”.

ولاحقا أصدر وزير الداخلية كمال الفقهي تعليمات للجهات الأمنية بمنع أيّ أنشطة في مقرات حركة النهضة وجبهة الخلاص التي تمثل النهضة الجسم الأكبر داخلها.

وقال المحلل السياسي مراد علالة إن “المواجهة بين السلطة والنهضة لم تبدأ بل تقدمت، وربما خرجنا من المواجهة النائمة إلى المواجهة المفتوحة، وهذا منعرج جديد في العلاقة بين الطرفين”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “يبدو أن الغنوشي ورّط نفسه والحركة من خلال تصريحاته، وزاد في تعقيد وضعية النهضة بوضع المسمار الأخير في نعش الحركة التي غادرها الكثير من أبنائها”.

وتابع مراد علالة “هناك برود وعدم تناسب بين شخصية الغنوشي كزعيم للحركة وقيادات الحزب”، مضيفا أن “النهضة تجني الآن ما زرعته في السنوات الماضية” (قانون الإرهاب 2015 والتوافق في السلطة مع حركة نداء تونس ومرسوم الأحزاب، والإجراءات الاحترازية التي قد تؤدي إلى حلّ الحزب).

ومثُل الغنوشي مرارا أمام النيابة في إطار التحقيق معه في قضايا تتعلق بالفساد والإرهاب.

ومنذ بداية فبراير، أوقف ما لا يقلّ عن عشرين شخصية معظمهم من المعارضين المنتمين إلى حزب النهضة وحلفائه، بالإضافة إلى رجل الأعمال النافذ كمال اللطيف ومدير محطة إذاعية خاصة.

اقرأ أيضا:

1