تشكيك في صدقية بيع الحكومة المصرية للشركات العامة

سيطرة الجيش على المؤسسات الاقتصادية تقلص فرص جلب الاستثمارات.
الجمعة 2023/04/14
الاستثمار في ظل سطوة الجيش مقامرة

أعلنت الحكومة المصرية مؤخرا في إطار برنامج إصلاحي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي خصخصة عدد من المؤسسات العامة، ما يمكن من جلب الاستثمارات الأجنبية، لكن خطط القاهرة محل تشكيك.

القاهرة - يتشكك رؤساء شركات مصرية في مسعى الحكومة لبيع الشركات العامة في إطار برنامج معلن للخصخصة، ما يعزز فرص المنافسة وتعزيز الاستثمارات الأجنبية.

وقالت الحكومة إنها بدأت بيع حصصها في نحو 32 شركة مملوكة للدولة ووعدت بخصخصتها. وتمتد المؤسسات المعنية من شركات البتروكيماويات إلى البنوك.

وكانت السياسة المعلنة في ديسمبر جزءا من إصلاحات مرتبطة بقرض من صندوق النقد الدولي. لكنها تسمح للدولة بالعمل في قطاعات رئيسية مثل الصحة والأدوية والزراعة والنفط والغاز والتأمين وغيرها. لكن قادة الأعمال والمحللين يبقون متشككين.

تيموثي قلدس: لماذا تستثمر في بلد دون منافسة وغير مهتم بسيادة القانون
تيموثي قلدس: لماذا تستثمر في بلد دون منافسة وغير مهتم بسيادة القانون

ويتوقع قادة الإعمال والمحللون أن تظل الحكومة والجيش ضدّ المنافسة. ولم يتم بيع أي من الشركات التي تملكها الدولة منذ أوائل أبريل، ويتساءل بعض المنتقدين عن الطرف الذي سيقبل الاستثمار مع هروب الشركات متعددة الجنسيات واستبعاد الشركات الصغيرة وبقاء الوكالات العامة سرية وبطيئة.

وتساءل نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن تيموثي قلدس في ما يتعلق بالمخاطرة “لماذا تستثمر في بلد دون منافسة وبدولة غير مهتمة بسيادة القانون؟”.

وقال ثلاثة من مالكي الشركات السابقين والحاليين، الذين تحدثوا للوكالة شريطة عدم الكشف عن هوياتهم خوفا من انتقام الحكومة، إن نفوذ الجيش في بعض القطاعات يعني كون التشارك معه السبيل الوحيد.

وأكدوا أنهم لا يتوقعون أن يتغير ذلك. وأشاروا إلى أن التفاوض حول العقود التي تقدمها المؤسسات الحكومية غير ممكن، وتصل الدفعات المتفق عليها بعد موعدها.

وبعث أحد رواد الأعمال شركة لإدارة النفايات سنة 2019، لكنه وجد أن منافسته هي شركة حكومية كبيرة جعلت السباق غير متكافئ. وعرضت الشركة عليه شراكة تنال فيها ما بين 30 و50 في المئة من الأرباح، مع إثقال كاهل الشركة الخاصة بكل المسؤولية. وقرر لذلك أن يوقف نشاطه وقال “أغلقنا الشركة قبل أن تقتطع الحكومة منا الضرائب”.

ولم يستسلم البعض رغم هيمنة الحكومة. وقال الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت يزيد صايغ “حتى لو كان ذلك يعني في بعض الأحيان خسائر مالية، لا تعلّق الشركات الخاصة عملياتها لأن ذلك يدفع الجيش إلى إلغاء عقودها المستقبلية”.

وتفرض ضغوط أخرى التعاون، وتشمل قمع الحكومة للمعارضين والمنتقدين، وسجن عشرات الآلاف منهم، وفق تقديرات جماعات حقوقية.

وكان من المسجونين اثنان من كبار رجال الأعمال، حيث اتُّهم مالكا شركة جهينة، وهي أكبر شركة ألبان في مصر، سنة 2020 بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في البلاد.

صندوق النقد الدولي مستعد لمراجعة أولية للتأكد من وفاء مصر بأهداف برنامج الإنقاذ، بما في ذلك الخصخصة

وقالت منظمة العفو الدولية إن صفوان ثابت ونجله سجنا لأنهما رفضا تسليم أسهم الشركة إلى الحكومة. وتقرر إطلاق سراحهما لاحقا، لكن الشركة بقيت في أيدي الحكومة.

وتعود السياسة المصرية التي تجمع الحكومة بالأعمال إلى التأميم واسع النطاق خلال عهد الزعيم الاشتراكي جمال عبدالناصر، في الخمسينات والستينات من القرن العشرين.

واتخذ خليفتاه، الرئيسان أنور السادات وحسني مبارك، خطوات نحو سياسات السوق الحرة، وغالبا ما اتهما بإبقاء العقود مقتصرة على المقربين.

ويعد بيع الشركات الحكومية والشفافية الحكومية من أهم شروط حزمة الإنقاذ التي تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار، والتي تحصلت مصر عليها من صندوق النقد الدولي في ديسمبر لمساعدتها على مواجهة صدمات الاقتصاد العالمي كوباء كوفيد وغزو روسيا لأوكرانيا التي دفعت البلد إلى حافة الهاوية المالية.

وأدى اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وفقد الجنيه المصري أكثر من 50 في المئة من قيمته مقابل الدولار وتجاوز التضخم 30 في المئة، مما دفع المزيد من أبناء الشعب إلى الفقر وترك الشركات على حافة الانهيار.

مصطفى مدبولي: الأمل يكمن في الإصلاحات لجذب المستثمرين الإستراتيجيين
مصطفى مدبولي: الأمل يكمن في الإصلاحات لجذب المستثمرين الإستراتيجيين

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ضمن سعيه لتأمين القرض الرابع من صندوق النقد الدولي في ست سنوات، إن الأمل يكمن في الإصلاحات، “لجذب المستثمرين الإستراتيجيين، وتوسيع مشاركة المصريين في الملكية العامة”.

ويقول صندوق النقد الدولي إنه يستعد لمراجعة أولية للتأكد من وفاء مصر بأهداف برنامج الإنقاذ، بما في ذلك الخصخصة.

وقالت الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط جيسيكا عبيد إن الحكومة تحتاج إلى تنفيذ إصلاح مالي لجعل الاستثمار المتجدد أقل خطورة مع تقليل التأخير حتى تجذب التمويل.

وتابعت “يتنافس الجميع في جميع أنحاء العالم على مجموعة صغيرة من أموال المستثمرين، ويتوقف كل ذلك على قدرة الدولة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وزيادة شهية المستثمرين للدخول إلى السوق… ولا يسهل جذب الاستثمار عندما يكون التدخل العسكري والحكومي في العديد من قطاعات الاقتصاد”.

ولم يتضح بعد من الذي سيشتري أسهما في الشركات المملوكة للدولة بما في ذلك بنك القاهرة، أحد أكبر البنوك في مصر، وشركة “وطنية” للبترول.

وحدد مشروع العدالة العالمية أن الهيئات العامة والنظام القانوني يعانيان من البطء والافتقار إلى الشفافية. ووضع تقرير صدر سنة 2022 مصر في المرتبة الأخيرة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ما يتعلق بسيادة القانون.

وشهدت البلاد على مدار العقد الماضي انسحاب العديد من الشركات متعددة الجنسيات، مثل بنك بي.أن.بي باريبا وتويوتا وفودافون. ويرى المحللون أن ذلك كان مدفوعا بالمناخ الاقتصادي والسياسي القمعي. ويُنظر إلى دول الخليج على أنها من العملاء المحتملين.

2