التوتر في القدس ينذر بتصعيد شامل واحتمال مواجهة متعددة الجبهات

القدس - تنذر أحداث التوتر المستمرة منذ أيام في المسجد الأقصى شرق مدينة القدس بتصعيد أكبر وأكثر شمولية بما قد يشمل مواجهة متعددة الجبهات.
وبشكل لافت وغير مسبوق، تعرضت إسرائيل لإطلاق قذائف صاروخية من جنوب لبنان ثم من سوريا وكذلك من قطاع غزة في وقت تواصلت فيه عمليات إطلاق نار في الضفة الغربية خلفت قتلى وإصابات.
جاء ذلك بعد أن شهد المسجد الأقصى منذ بداية شهر رمضان صدامات ليلية على إثر اقتحامه من الشرطة الإسرائيلية لإخراج المصلين المعتكفين بداخله بدعوى أنهم يتسلحون بالحجارة والألعاب النارية.
ويحذّر مراقبون من أن تصعيد إسرائيل إجراءاتها وممارساتها في المسجد الأقصى، أحد المواقع الأكثر حساسية لدى المسلمين، يدفع الأوضاع الأمنية نحو الأسوأ ويهدد بردود فعل وهجمات من جبهات متعددة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس أحمد رفيق عوض إن إسرائيل “تفاجأت بوجود وحدة ساحات وتنسيق في العمل ضدها، ولجأت إلى ردود فعل محدودة تجنبا لفتح مواجهة مع عدة جبهات بشكل متزامن”.
ويرى عوض أن إسرائيل “تعيش أزمة داخلية جعلتها مرتبكة ومضطربة والقرار السياسي فيها غير موحد وغير منسجم وهو ما يفسر ردها المدروس الذي تضمن نوعا من احتواء الردود”.
ويعتقد أن الساحة مهيأة الأيام القادمة لتوتر أكبر رغم أن كافة الأطراف لا ترغب بالدخول في مواجهة واسعة النطاق، مشيرا إلى أن جبهتي الضفة الغربية وسوريا الأكثر توقعا بالمزيد من التصعيد الميداني.
وكان المسجد الأقصى شهد خلال شهر رمضان عام 2021 صدامات بين الشرطة الإسرائيلية ومصلين فلسطينيين تصاعدت حدتها لتتحول إلى جولة قتال في قطاع غزة استمرت 11 يوما بين إسرائيل وحركة حماس.
ويعتبر المسجد عنوانا دائما للتوتر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن ذلك “هبّة النفق” التي اندلعت في العام 1996 احتجاجا على حفر إسرائيل للنفق الغربي أسفل الأقصى وافتتاحه واستمرت ستة أشهر في عموم الأراضي الفلسطينية.
وفي العام 2000، فجرت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت باسم “انتفاضة الأقصى” واستمرت عدة أعوام.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي من غزة طلال عوكل إن تكرار “اعتداءات” إسرائيل في المسجد الأقصى والمصلين فيه “لا يمكن أن تبقى تداعياتها من دون ردود الفعل الفلسطينية”.
ويشدد عوكل على أن القدس والمسجد الأقصى لهما مكانة عربية وإسلامية “بالتالي هناك أكثر من مؤشر يرجح بأن الفترة القادمة ربما تشهد تصاعد المواجهات مع إسرائيل من أكثر من مكان”.
ويشير إلى أن الوضع في الأراضي الفلسطينية تغير في ظل وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو الأكثر “يمينية ودموية وتشددا”، وأن هذه الحكومة ترى في نفسها المكلفة بحسم الصراع في الضفة الغربية والقدس.
ويرى أن الرد الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وجنوب لبنان وسوريا بشكل محدود “قدم مؤشرات للفصائل الفلسطينية بتراجع قوة الردع لدى إسرائيل”.
وفاز نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتشدد بـ64 مقعدا في الانتخابات التي أجريت في الأول من نوفمبر الماضي، وأدت حكومته الجديدة اليمين الدستورية في 29 ديسمبر الماضي لتكون أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل.
ومنذ تولى الحكومة مهامها تصاعدت حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية وشرق القدس، حيث قتل منذ بداية العام الجاري 96 فلسطينيا، مقابل مقتل 18 شخصا في إسرائيل في هجمات فلسطينية.
وتتوقع شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أن “حربا حقيقية وواسعة النطاق، ستندلع على عدة جبهات ، رغم الاعتقاد السائد أن إيران وحزب الله وحماس، ليسوا مهتمين بصراع مباشر وشامل”. وأشارت صحيفة هآرتس العبرية، الثلاثاء، أن “المستوى السياسي والقيادة العسكرية في إسرائيل، مطلعة على تقديرات (أمان)”.
واعتبرت “أمان”، وفقا لهآرتس، أنه “يلاحظ بوضوح أن هذه الجهات الثلاث مستعدة للمخاطرة والرهان بعمليات هجومية”، مشيرة أنها “تعتقد أن إسرائيل ضعفت في أعقاب الأزمة الداخلية التي تشتد، والتي قلصت حيز مناورتها الإستراتيجية”. وتشير “أمان” بذلك إلى الأزمة التي تسببت بها خطة الحكومة الإسرائيلية، لإضعاف جهاز القضاء والاحتجاجات الواسعة ضدها.
وبحسب الصحيفة، فإن “أمان تتحدث، منذ أشهر، عن تصعيد متعدد الجبهات”، وقالت إنه “تحقق قسم منه الأسبوع الماضي، عندما تصاعد التوتر العسكري بين إسرائيل وبين قطاع غزة ولبنان وإطلاق قذائف صاروخية من الأراضي السورية، على إثر الاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى”.
وأضافت “أمان” أن “المسجد الأقصى سيبقى في مركز الاهتمام مع حلول نهاية شهر رمضان بسبب تزامنه مع عيد الفصح اليهودي، الذي ينظم المستوطنون واليمين المتطرف الإسرائيلي خلاله مسيرات استيطانية لتوسيع الاستيطان وطقوس دينية استفزازية في المسجد الأقصى ومحيطه”.