رهان مصري على العناني للظفر برئاسة منظمة اليونسكو

يعكس تقديم مصر لمرشح لرئاسة منظمة اليونسكو بعد فشل خلال جولتين سابقتين حرصا على الظفر بهذا المنصب، لكن مراقبين يرون أن القاهرة مطالبة بالإضافة إلى تقديم مرشح مؤهل، بنسج تحالفات تمكنها من الوصول إلى المنصب.
القاهرة - بدأت الحكومة المصرية تستعد مبكرا لخوض السباق على رئاسة منظمة اليونسكو، على أمل أن تحقق نصرا ثقافيا هذه المرة وخطف هذا المنصب بعد معركتين فاشلتين سابقتين، ولذلك اختارت قبل أيام وزير السياحة والآثار السابق خالد العناني ليكون فرس الرهان، بحكم ما يمتلكه من خبرات وتجارب عملية في مجال الحفاظ على التراث الحضاري داخل مصر.
وأثار هذا الاختيار انقساما سياسيا، فالاختيار الذي تعتبره القاهرة صحيحا وسوف توفر لصاحبه الدعم المادي والمعنوي، يراه معارضون تمهيدا لتكرار الفشل السابق، لأن رئاسة اليونسكو لا تقاس بحجم امتلاك الدول للآثار ومدى اهتمامها بالثقافة فقط، حيث ترتبط أيضا بمدى الحفاظ عليها والقدرة على الدفاع عن التراث العالمي.
وأثار معارضون فكرة أن الحصول على هذا المنصب يتطلب قدرا جيدا من التنسيقات الإقليمية والدولية، لأن من يشغله يخضع لمواءمات سياسية عميقة، وربما يحتاج إلى عقد صفقات، فإذا لم تكن القاهرة تملك علاقات قوية مع دوائر عديدة حاليا، فعلى الأقل يكون لديها الاستعداد للتفاهم مع الدول التي تهتم بهذا المنصب وإقناع الدول غير المهتمة بالمنافسة عليه كي تتمكن من نيل تأييدها.
وحذرت دوائر ثقافية في القاهرة من أن يكون تقديم مرشح مصري من قبيل “الشو” أو الاستعراض السياسي، في وقت تواجه الدولة تحديات اقتصادية متعاظمة، وتجد ممانعة لافتة من دول صديقة في الحصول منها على مساعدات سخية مباشرة.
واعتمد مجلس الوزراء ترشيح وزير السياحة والآثار السابق لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للفترة من 2025 إلى 2029.
وتشير حيثيات الترشيح إلى أنه جاء نتاجا لما خلُصت إليه أعمال اللجنة الوطنية التي ضمت ممثلين عن جميع الوزارات المعنية لدراسة فرص فوز مصر بهذا المنصب، وتحديد المعايير لاختيار أفضل المرشحين، واستقرت على العناني.
وشغل العناني منصب وزير الآثار في الفترة من 2016 حتى 2019 ثم اندمجت وزارة الآثار مع وزارة السياحة في حقيبة واحدة احتفظ بها حتى أغسطس الماضي حيث جرى تعديل أسندت بموجبه حقيبة السياحة والآثار إلى خبير الاقتصاد أحمد عيسى.
وعمل العناني من قبل مشرفًا على المتحف المصري في ميدان التحرير في وسط القاهرة، ومشروع المتحف المصري للحضارة الجديد في القاهرة أيضا.
ويبدو أن الحكومة المصرية درست جيدا تجربتيها السابقتين مع اليونسكو واستفادت من أسباب التعثر فيهما وتريد تلافيها ليحالفها الحظ ويتمكن مرشحها من التفوق.
وقال الناقد الأدبي مسعود شومان إن اهتمام مصر بترشيح أحد رموزها يرجع إلى أهداف لها علاقة بإحداث تكامل في الأدوار الخارجية عبر قيادة منظمة خاصة بالتعليم والعلوم والثقافة تعبّر عن الجذور المصرية كدولة قديمة تملك قدرا هائلا من الآثار.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مصر تتمتع بتراث ثقافي يدعم مرشحها، ومن المتوقع أن تستفيد هذه المرة من الأخطاء التي وقعت فيها سابقًا على مستوى تقديم الدعم السياسي اللازم للمرشح وإقامة حوارات فاعلة مع الدول التي لها حق الانتخاب.
الاختيار الذي تعتبره القاهرة صحيحا وسوف توفر لصاحبه الدعم المادي والمعنوي، يراه معارضون تمهيدا لتكرار الفشل السابق
وخاض وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني سباق اليونسكو في معركة صعبة عام 2009 أمام وزيرة الخارجية البلغارية السابقة إيرينا بوكوفا حصل فيها حسني على 27 صوتا مقابل 31 للمرشحة البلغارية، وكان قريبا من حسم اللقب بعد خوض جولات عديدة للوصول إلى المرحلة النهائية التي خسرها.
وبدا المرشح المصري ندا قويا للمرشحة البلغارية، معتمدا على نشاط دبلوماسي قامت به القاهرة في أوقات مختلفة لتوفير الدعم المناسب له من جانب قوى كبرى مؤثرة، كما أن حسني نفسه في ذلك الوقت لفت الأنظار إلى مشروعاته الثقافية داخل مصر، وامتلك قدرة عالية في الانفتاح على الآخر، ووفر أجواء مناسبة لحرية الإبداع.
ويعد الحفاظ على التراث الثقافي والأنشطة الداعمة للحضارة عموما وحرية الإبداع من القواعد الرئيسية التي تؤخذ في الاعتبار مع المواءمات السياسية عند اختيار المرشح لرئاسة اليونسكو، وهذا هو المعيار الذي جعل فاروق حسني يسقط بشرف، بينما كان سقوط مشيرة خطاب مدويا.
وكانت المرة الثانية التي أرادت فيها القاهرة اقتناص هذا المنصب عام 2017 عندما رشحت مصر السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان سابقا، رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان حاليا، وخرجت من السباق مبكرا.
بينما واصل وزير الثقافة القطري السابق حمد الكواري السباق حتى محطته الأخيرة، في وقت كان التوتر السياسي حادا بين القاهرة والدوحة، لكن الكواري لم يفلح في تخطي وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة أودري أزولاي التي وجدت دعما غربيا كبيرا وحصلت على 30 صوتا مقابل 28 للكواري.
وتولي الحكومات المصرية أهمية للمناصب الدولية، لأنها من المحددات التي تحسب على الساحة الدولية، وتبدو مقياسا نسبيا لحجم الثقل السياسي للدولة في العالم.
وشغل وزير الدولة للشؤون الخارجية الراحل بطرس غالي منصب أمين عام الأمم المتحدة خلال الفترة من 1992 إلى 1996، وعلى خلاف أمناء سابقين ولاحقين قضوا فترتين زمنيتين في هذا المنصب لم يستمر غالي في منصبه سوى فترة واحدة لخلافات نشبت مع الولايات المتحدة حول قضايا مختلفة، أبرزها فضحه لمذبحة قانا في جنوب لبنان التي حاولت واشنطن التغطية عليها لإعفاء إسرائيل منها.