فتوى قانونية تُجهز على منظمات المجتمع المدني في ليبيا

حكومة الوحدة تدعو إلى عدم التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني.
الثلاثاء 2023/04/11
حكومة الدبيبة تخنق المجتمع المدني

طرابلس - تشهد الساحة الليبية جدلا متصاعدا على خلفية فتوى قانونية تستهدف منظمات المجتمع المدني التي أنشئت بعد الإطاحة بحكم الزعيم الراحل معمر القذافي (1969 - 2011)، الذي كان يحظر إنشاء تلك الكيانات.

وكانت إدارة القانون، التابعة  للمجلس الأعلى للقضاء، أصدرت في مارس الماضي فتوى قانونية تنص على “عدم شرعية الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني” جميعا، والتي جرى إنشاؤها بعد 2011. واستندت الفتوى إلى أن جميع تلك المنظمات شكلت دون قانون من السلطة التشريعية (البرلمان) ينظم تأسيسها ويحدد تمويلها.

وبناء على ذلك، أعلنت الإدارة القانونية أن “كافة المنظمات والجمعيات التي جرى تشكيلها استنادا إلى لوائح تنظيمية صادرة عن السلطة التنفيذية، دون الاستناد لأيّ قانون تشريعي، فإنها والعدم سواء، ويتعين على الجهات العليا في الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها”.

وعليه صدر تعميم من ديوان رئاسة الوزراء بحكومة الوحدة، في 13 مارس، موجه إلى كافة الوزرات، يطالبها بضرورة تنفيذ ما خلص إليه الرأي القانوني الصادر عن إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء، وعدم التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني.

الحرب القانونية الموجهة إلى المجتمع المدني جزء من اتجاه قمعي أوسع يحد من ممارسة الحقوق في ليبيا

وردا على ذلك اعتبرت 22 منظمة مجتمع مدني ليبية في بيان مشترك أن “تعميم 13 مارس هو الأحدث في سلسلة الهجمات على المجتمع المدني في ليبيا”.

وطالبت تلك المنظمات في بيانها السلطات بضرورة “إيقاف القوانين الجائرة وحملات القمع التي تستهدف المجتمع المدني”.

واعتبرت المنظمات الإجراء الحكومي الأخير في حقها “يجعل جميع منظمات المجتمع المدني غير قانونية ويعني في النهاية إغلاق مجال العمل المدني بالكامل في ليبيا”.

وقالت البيان إن “منظمات العمل المدني واصلت عملها الدؤوب رغم تهديدات الجماعات المسلحة واستمرار العنف ضد المدافعين عن حقوق الإنسان”.

واعتبرت المنظمات الموقعة على البيان أن “الحرب القانونية الموجهة إلى المجتمع المدني جزء من اتجاه قمعي أوسع يحد من ممارسة الحقوق بما في ذلك حرية الرأي والتعبير والحق في حرية التجمع”.

وتابعت “نفس الاتجاه يظهر في استخدام قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر في 27 سبتمبر 2022 (عن مجلس النواب) والذي جرى استخدامه مؤخرًا كأداة لإسكات الأصوات غير المتطابقة مع توجه السلطات الحاكمة وهي ضمن سلسلة إجراءات جرى انتقادها دولياً”.

وذكرت المنظمات أن “تقييد عمل منظمات المجتمع المدني ينتهك الالتزامات القانونية الدولية لليبيا بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه ليبيا”.

ونبهت المنظمات الليبية إلى أن “تعميم 13 مارس يمنع عمليا المراقبة المستقلة للانتخابات المحتملة في العام 2023 والتي من المقرّر أن يلعب المجتمع المدني دوراً حيوياً في هذه العملية بما في ذلك مراقبة نزاهة عملية التصويت”.

وطالبت المنظمات الأهلية “السلطات الليبية بإصدار مرسوم ينظم عمل منظمات المجتمع المدني للفترة المؤقتة مع مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبالمشاركة مع المجتمع المدني حتى يجري إصدار قانون جديد ينظم عمل المجتمع المدني من السلطة التشريعية الجديدة”.

واعتبر الناشط في المجتمع المدني وليد المصراتي أن “الفتوى القانونية التي تلقفتها الحكومة كارثة بكل المقاييس، وتهدد مصير نحو ستة آلاف منظمة أهلية فاعلة”.

المنظمات الأهلية تطالب السلطات الليبية بإصدار مرسوم ينظم عمل منظمات المجتمع المدني للفترة المؤقتة مع مراعاة المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبالمشاركة مع المجتمع المدني

وأوضح المصراتي العضو بمجلس إدارة منظمة محلية إن “ما صدر عن إدارة القانون بالمجلس الأعلى للقضاء، لا يعد حكما قضائيا، بالتالي هو غير نافذ وغير مُلزم”.

وتابع “أستغرب من صدور مثل تلك الفتوى الجدلية، وأستغرب أكثر من بناء الحكومة عليها، ومصدر استغرابي أن مؤسسات المجتمع المدني الرافد للسلطة والشعب في العالم”.

وأضاف “في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد، تعمل مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في مجال الإغاثة، على دعم الفئات الفقيرة، فيما تعمل أخرى على رعاية الأيتام، وأخرى أيضا في إثراء الثقافة عبر نشاطات أدبية”.

واعتبر أن “كل تلك الجهود التي يبذلها المجتمع المدني تأتي في ظل العجز الحكومي الحالي، أي أنه على الحكومة شكر تلك المنظمات ودعمها، وليس إرباك عملها وإلغائها”، على حد قوله.

وعلى الطرف المعاكس، يساند البعض الفتوى القانونية القاضية بعدم شرعية مؤسسات المجتمع المدني، بينهم المحامي أيوب الحسناوي الذي قال إن “للفتوى القانونية أبعادا أخرى، أولها الأمن القومي الليبي”.

ويرى مراقبون أن العمل المدني تجربة ناشئة في ليبيا، وكان من المفترض دعمها، لكن القوى المتحكمة في المشهد الليبي ترى فيها تهديدا بحكم أنها تعري وتكشف عن تجاوزاتها.

وسبق وأن تعرض العديد من النشطاء إلى عمليات اعتقال وترهيب ووصل الأمر حد الاغتيال والتعذيب على أيدي مجموعات مسلحة، على خلفية كشف تجاوزات في علاقة بالهجرة وغيرها.

4