خلافات العسكريين تمكن فلول البشير من عرقلة التسوية السياسية بالسودان

الخرطوم- تصدرت الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني مشهد تأجيل التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي في السودان للمرة الثانية، ما يحيل الأنظار إلى الجهة التي تغذي الخلافات من وراء الستار في ظل اتهامات موجهة من أطراف سودانية إلى منتسبي الحركة الإسلامية النافذين في هياكل السلطة الحالية والموجودين في مناصب عسكرية قيادية بإفشال الاتفاق.
وأعلنت قوى الحرية والتغيير، مساء الأربعاء، إرجاء توقيع الاتفاق السياسي النهائي بين الأطراف السودانية الذي كان مقررا له الخميس بسبب الحاجة إلى المزيد من المباحثات بين الأطراف العسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري.
وقالت إن الجوانب الفنية الخاصة بإجراءات الإصلاحات الأمنية والعسكرية تسببت في إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائي في موعديه، في الأول ثم السادس من أبريل.
قوات الدعم السريع حجر عثرة أمام سعي الإسلاميين لاستثمار الأزمة السياسية.
وانطلقت عصر الخميس تظاهرات في السودان تطالب بالتسريع في توقيع الاتفاق النهائي، مستجيبة لدعوة من تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يمثل القوى المدنية.
ووقعت قوات الدعم السريع اتفاقاً مع الجيش في مارس الماضي تضمّن التوافق حول تفاصيل عملية الدمج التي نص عليها الاتفاق الإطاري في نصوصه، لكن عناصر الحركة الإسلامية وفلول النظام السابق في الجيش تنصّلوا منه وحاولوا ضرب الاتفاق بتقليل الفترة الزمنية للدمج التي تعيق عملية الانتقال العسكري السلس، وتترك فجوات عديدة تشكل منفذاً لـ”انقلاب عسكري جديد” على السلطة المدنية.
وألمح قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في وقت سابق إلى وجود عناصر، لم يسمها، تحاول توتير العلاقة مع الجيش، ما أوحى بوجود عناصر تابعة للحركة الإسلامية ولديها حضور على مستوى قيادات الجيش العليا تعمل على تعكير الأجواء وخلق المبررات التي تقود إلى إفشال الاتفاق السياسي أو إفراغه من مضمونه والذهاب إلى انتقال سياسي هش يمكن الانقلاب عليه بسهولة.
وأثبتت تجارب سابقة بشأن الانتقال الديمقراطي في السودان أن العراقيل تتزايد في المراحل الأخيرة التي تقترب فيها كافة الأطراف من الوصول إلى توافق.
ولم تتدخل عناصر الحركة الإسلامية مباشرة لإفشال الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي، لكن عندما شعرت بأن قوات الدعم السريع تتجاوب سريعا مع عملية الدمج وضعت المزيد من العراقيل في الطريق.
وتوفر مبررات وهمية، يتم تصديرها لتأجيل التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، الفرصة لإطالة أمد التفاوض وربما خلط الأوراق وخلق شعور عام بأن لا أمل في الوصول إلى اتفاق شامل يعبر بالبلاد إلى الحكم المدني.
ويبدو أن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان يتماهى مع هذا المخطط، فلم يتدخل في أيّ من المرات لصالح وضع حد للعراقيل، ويكتفي في كل مرة يتم فيها تأخير التوقيع على الاتفاق النهائي بالتأكيد على أنه يلتزم به ولم يقدم دليلاً عمليا على ذلك، ومن دون أن يتعامل بشكل حاسم مع تنحية عناصر الحركة الإسلامية التي قادت عملية الانقلاب على السلطة المدنية في أكتوبر 2021.
في المقابل، أدرك قائد قوات الدعم السريع ألاعيب الإسلاميين مبكراً ووقف أمام مساعي الانقضاض على الاتفاق الإطاري، وقام بالضغط باتجاه ذهاب الجيش للتوقيع عليه، وأحرج قيادته من قبل بتأكيده على ضرورة الوصول إلى الحكم المدني وإنهاء الفوضى الأمنية في البلاد.
وقال المحلل السياسي محمد عبدالله ودابوك إن التعقيدات الحالية ترجع إلى وجود دوائر داخل قوات الجيش تنزعج من التقارب بين قائد قوات الدعم السريع والقوى المدنية، وإن ذلك يأتي في إطار التجاذبات بين المكوّنات المختلفة، ودعمت هذه الدوائر ظهور مصطلحات مثل “دمج قوات الدعم السريع في قوات الجيش” في حين جرى التعامل سابقا على أنها جزء من القوات النظامية وتعمل وفق قوانين وتشريعات رسمية.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الخلافات تفاقمت بين أقطاب المكون المدني بعد أن تمزقت قوى الحرية والتغيير إلى ثلاث كتل (المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية والتغيير الجذري)، وفشلت في أن تتحاور فيما بينها ثم انتقلت الخلافات إلى المكون العسكري مدفوعة برغبة أطراف لديها مصلحة في إفشال العملية السياسية.
وتأتي دعوة قوى الحرية والتغيير إلى التظاهر الخميس بمناسبة ذكرى يوم السادس من أبريل، والذي ينسب إلى الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق جعفر نميري عام 1985، وذكرى الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش عام 2019 الذي أطاح بنظام عمر البشير.
ونزل العشرات من المتظاهرين الخميس إلى الشوارع حاملين الأعلام السودانية وهتفوا “المدنية خيار شعب” و”العسكر إلى الثكنات”. وتصدت لهم الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وعبّر الخطاب السياسي الذي طرحته ما يسمى بـ”حركة المستقبل للإصلاح”، التي يقودها عناصر من تنظيم الإخوان وأقطاب حزب المؤتمر الوطني المنحل، عن الرؤية السياسية للمستقبل، وحمل انتقادات لما أسمته الحركة بـ”تدخلات أطراف خارجية في الأزمة الداخلية”.
وتشير هذه الخطوة إلى إمكانية تدشين تحالف سياسي مدعوم من العسكريين الرافضين للاتفاق الإطاري لمحاربة مشروع التحول الديمقراطي برمته الذي تتبناه قوى مدنية.
وأكد الخبير الإستراتيجي اللواء محمد خليل الصائم أن عناصر الحركة الإسلامية تعمل جاهدة على عرقلة كل تطور إيجابي في السودان يقود للوصول إلى الاستقرار، وتعمل بين الحين والآخر على إحداث فتنة بين الجيش وقوات الدعم السريع أو عبر الوقيعة بين قوى الثورة نفسها، وبعثرة أوراق التفاهمات السياسية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن تساهل الجيش الذي تولى مقاليد الأمور في المرحلة الانتقالية في مواجهة فلول النظام السابق سمح لعناصر الإخوان والحركة الإسلامية عموما بالتأثير بشكل كبير في المشهد الحالي، وأن إتاحة الفرصة أمام هؤلاء لعقد ندوات ومؤتمرات وموائد إفطار أرسلت إشارات بوجود شخصيات في السلطة والجيش لا تمانع في تخريب المشهد السياسي الراهن.
ويخدم بقاء الأوضاع على ما هي عليه داخل المؤسسة العسكرية مصلحة الإسلاميين الذين يدعمون بقاء هيمنة الجيش على الحكم إلى حين الوصول إلى مرحلة الانتخابات وتهيئة الأجواء لتقديم مرشح محسوب على الحركة الإسلامية ودعم نجاحه لاستعادة السلطة من جديد.
ويعد الفريق أول حميدتي حجر عثرة أمام تحقيق مصالح فلول البشير والحركة الإسلامية بعد أن اشترط ضمن عملية دمج قواته ضرورة تطهير الجيش من الضباط الإسلاميين الذين كدّسهم الرئيس المعزول عمر البشير طوال فترة حكمه، وهو ما يبدو سببًا رئيسيًا لعرقلة نجاح الاتفاق السياسي النهائي الذي قد يُنهي آمال الإخوان في العودة إلى السلطة مجدداً.