مبادرة إيطالية: تمويل على دفعات لتونس مقابل المضي في الإصلاحات

تونس- تدفع إيطاليا إلى تسهيل الاتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي بما يفضي إلى الإفراج عن الأموال التي حصلت تونس على وعود بتسلمها خلال العام الجاري، وذلك مقابل البدء بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها الصندوق.
وفيما يريد الصندوق التوصل إلى اتفاق واضح مع تونس بشأن تنفيذ الإصلاحات كشرط للإفراج عن تلك الأموال، تقترح إيطاليا تسليم تونس دفعة أولى من الأموال المرصودة لمساعدتها على تلافي أزمتها المالية الحادة مقابل شروعها في تنفيذ الإجراءات المطلوبة، أي التمويل قبْلًا وليس توقيع الاتفاق.
ونقلت وكالة “نوفا” الإيطالية عن وزير الخارجية والتعاون الدولي أنطونيو تاياني قوله إن مقترح بلاده لدعم تونس يقوم على أساس التمويل مقابل إجراء إصلاحات.
◙ مشاورات واتصالات مكثفة بين دوائر رسمية وحكومية في الجزائر وإيطاليا جارية من أجل بلورة مبادرة ثنائية لإنقاذ تونس
وقال تاياني في تصريحات صحفية إن “اقتراح إيطاليا لدعم تونس ينص على المساعدة، لكنه يدفع البلاد إلى إجراء إصلاحات”، موضحًا أن روما اقترحت على الفور منح 300 مليون يورو مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية.
ولا تستطيع تونس أن تقف عند قسط واحد من التمويل ما يجعلها تبادر إلى تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها الصندوق، وهذا ما تبني عليه إيطاليا مبادرتها التي تبدو أكثر واقعية وتدفع تونس إلى التفاعل معها بالإيجاب بدلا من التصريحات التي تطالبها بالتوقيع أوّلا، خاصة ما جاء على لسان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
ويضيف تاياني، الذي كثف تحركاته في الأيام الأخيرة، أن تونس إذا أرادت الشريحة الثانية فسيتعين عليها “إعطاء نتائج ملموسة فيما يتعلق بالإصلاحات”، كاشفا عن أن بلاده ستقدم 100 مليون يورو للشركات الصغيرة والمتوسطة في تونس.
ويرى مراقبون تونسيون أن إيطاليا تعرف أن الأولوية حاليا هي ضخ الأموال لفائدة تونس ومساعدتها على الإيفاء بتعهداتها الداخلية، بما في ذلك ما تعلق بصرف الأجور وشراء بعض المواد الأساسية من السوق العالمية، ومساعدة المؤسسات والقطاعات التي تضررت من جائحة كورونا وأزمة الغذاء العالمية.
لكن تمسك صندوق النقد بشرط التوقيع على الاتفاق سيستغرق المزيد من الوقت خاصة أن للحكومة التونسية مآخذ على الاتفاق وهناك قوى اجتماعية واقتصادية تحتاج الحكومة إلى التحاور معها من أجل التوصل إلى تفاهمات يطالب بها الصندوق للتوقيع من جانبه.
ومن شأن هذا الإصرار أن يفوت الفرصة أمام مساعي إيطاليا الهادفة إلى توحيد جهود دعم تونس ومساعدتها على النهوض بدورها في صد موجات اللاجئين التي تتدفق نحو أوروبا، كما أنه يضع أمن أوروبا كلها في خطر.
وحذر تاياني من أن الإبطاء في التمويل سيعني “تفجير الأزمة المالية التي من شأنها أن تؤدي إلى احتداد الوضع”.
وتجري إيطاليا، الدولة المعنية مباشرة بتطورات الوضع في تونس، اتصالات مختلفة مع دول المتوسط ومع الولايات المتحدة لتأمين دعم عاجل لتونس، محذرة من أن التراخي الدولي في التدخل إلى جانب تونس من شأنه أن يعرض أمن المنطقة للخطر.
وأجرى وزير الخارجية الإيطالي اتصالا بنظيره الأميركي أنتوني بلينكن وناقشا “آخر تطورات الأزمة في تونس على المستويين السياسي والاقتصادي”.
وشدد تاياني على “الحاجة الملحة إلى تقديم دعم اقتصادي ومالي دولي سريع وكافٍ وفعال لتونس” التي وصفها بأنها “فاعل مركزي لأمن واستقرار البحر الأبيض المتوسط”.
كما تسعى إيطاليا لإقناع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالاشتراك في مساعيها لجلب الدعم إلى تونس ومساعدتها على الخروج من الأزمة المالية التي تعاني منها.
وكشفت وكالة “نوفا” عن أن “مشاورات واتصالات مكثفة بين دوائر رسمية وحكومية في الجزائر وإيطاليا جارية من أجل بلورة مبادرة ثنائية لإنقاذ تونس من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها، وأن الوضع السائد في تونس بات مصدر قلق واهتمام للقيادتين السياسيتين في البلدين”.
◙ إيطاليا تعرف أن الأولوية حاليا هي ضخ الأموال لفائدة تونس ومساعدتها على الإيفاء بتعهداتها الداخلية
وكانت تونس وجهت الأسبوع الماضي خطاب مكاشفة ومصارحة لشركائها الأوروبيين حتى لا يتخذوا موقفا متسرعا أو مبنيا على مزايدات أو تقارير سياسية منحازة، وحثتهم على “تفهّم خصوصية ودقّة المرحلة التي تمرّ بها بلادنا واعتماد خطاب مسؤول وبنّاء يعكس حقيقة الواقع ويثمّن ما تمّ تحقيقه في إطار السعي إلى إرساء ديمقراطية حقيقية”.
ويرى محللون وخبراء أن تأخير الدعم الموجه إلى تونس لن يكون في صالح المنطقة، فإنقاذ تونس ماليا خطوة مهمة وضمانة لمنع تدفق موجات جديدة من المهاجرين، خاصة أن تونس ستجد نفسها مجبرة على الاختيار بين توظيف إمكانياتها الذاتية المحدودة في معالجة ملفات داخلية هامة أو تبديدها في جهود التصدي لموجات اللاجئين نيابة عن أوروبا، وهي ستختار في النهاية الخيار الأول، وتجد أوروبا نفسها في مواجهة موجات كبيرة من اللاجئين لا أحد يتحرك لصدها.
ووفق بيانات وزارة الداخلية الإيطالية، وصل منذ بداية العام حتى الأسبوع الأخير من شهر مارس حوالي 27 ألف مهاجر إلى شواطئ البلاد مقارنة بـ6543 مهاجرا خلال الفترة نفسها من العام الماضي.