أرامكو تراهن على نمو مستمر للطلب الصيني على النفط

قطعت السعودية شوطا كبيرا في سياق ترجمة إستراتيجيتها التوسعية للتكرير حين نقلت طموحها في هذه الصناعة إلى آفاق أوسع مع تمركزها في السوق الصينية أكبر مستهلك للمشتقات النفطية في العالم، ما يكسبها وفق محللين القدرة على الاستحواذ على حصة أكبر وعلى مدى أطول.
الرياض - صوبت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، اهتمامها باتجاه سوق الخام المتنامي في الصين، إذ تعمل شركة النفط العملاقة أرامكو على تعزيز حصتها من الإمدادات لدى أكبر مستورد في العالم.
وأعلنت أرامكو الأسبوع الماضي عن صفقتين كبيرتين لتكرير البترول والبتروكيماويات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم ضمن سياق خططها لتوسيع أعمالها في قطاع المشتقات النفطية والمصافي.
ويتوقع أن تتمتع الشركة، التي حققت أكبر أرباح في تاريخ صناعة الطاقة العام الماضي عبرهما بحصة من سوق التكرير والصناعات التحويلية الصينية.
كما تمنح الاتفاقيتان أرامكو منفذا لتصدير قرابة 690 ألف برميل يوميا من الخام إلى الدولة الآسيوية، ما يعزز حصة البلد الخليجي خلال السنوات والعقود المقبلة.
وقال أمين الناصر رئيس أرامكو ومديرها التنفيذي “نرى فرصة كبيرة مربحة للجانبين لبناء قطاع متكامل رائد عالميا في مجال التكرير والبتروكيماويات في الصين”.
وأضاف “التركيز بشكل خاص سيكون على تحويل السوائل مباشرة إلى مواد كيميائية كجزء من خططنا الأوسع لتوسيع أعمالنا في مجال تحويل السوائل إلى مواد كيميائية”.
وأوضح في منتدى التنمية الصيني عقد قبل أسبوع في بكين أن الشركة تريد أن تكون مصدرا لأمن الطاقة الصيني على المدى الطويل والتنمية عالية الجودة، عبر إمدادات الطاقة والكيماويات.
وتم توقيع اتفاقية إطارية مبدئية لمصفاة بمقاطعة لياونينغ شمال شرق الصين للمرة الأولى خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى بكين في مارس 2017.
وقبل العام الذي تفشى فيه الوباء، وافقت أرامكو على إقامة مشروع مع شريكين صينيين عندما كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في بكين فيما كان يُنظر إليه على أنه صفقة تاريخية مع حليف رئيسي.
ومع ذلك، أوقف السعوديون لفترة وجيزة الاستثمار في مشروع المصفاة في العام 2020 وسط غياب اليقين عندما أدت عمليات إغلاق كوفيد في الصين إلى خفض الطلب على منتجات الطاقة.
وبعد إحياء محادثات الاستثمار في أوائل عام 2022، قالت أرامكو في مارس الماضي إنها ستمضي وتستثمر في مصفاة لتكرير 300 ألف برميل يومياً باستخدام تكسير الإيثيلين بالتعاون مع تشاينا نورث غروب كورب (نورنكو)، الشركة الأم لنورث هواغين كيميكال.
وترى الخبيرة في شؤون الطاقة تسفتانا باراسكوفا التي تكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية أن رهان السعودية مزدوج لتحقيق أقصى استفادة خلال السنوات المقبلة.
وقالت “تراهن الرياض عبر الاتفاقيتين على النمو المستمر في الطلب الصيني على النفط من ناحية. كما تتطلع إلى تعزيز حصتها في السوق الصينية من ناحية أخرى”.
وأشارت باراسكوفا إلى أن ذلك يأتي بعدما أعلنت شريكتها في تحالف أوبك+، روسيا، عن حصة بالخام الرخيص بعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات التي تكبّدتها بسببها.
وكانت السعودية وروسيا لسنوات مستعدتين لخوض مغامرة سوق النفط الصيني، لكن الصراع على الحصة أصبح أكثر حدّة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا.
وتحولت روسيا جراء ذلك إلى آسيا وتراهن الآن على أكبر سوقين فيها وهما الصين والهند باعتبارهما المشتريين الرئيسيين لخامها الذي توفره بخصومات كبيرة تميّزه على الأسعار الدولية.
وتبيع السعودية نفطها الخام بموجب عقود طويلة الأجل، ما يضمن لها حصة من السوق الصينية. لكن روسيا تعرض نفطها بخصومات يمكن أن تجتذب المزيد من المشترين الصينيين الذين لا يلتزمون بسقوف أسعار مجموعة السبع.
وقالت باراسكوفا “قد تجتذب روسيا المشترين الصينيين بشحناتها الفورية الأرخص، لكن السعودية تعتمد صفقات طويلة الأجل لضمان مبيعات النفط لعقود”.
وكانت روسيا أكبر مصدّر للنفط الخام للصين في يناير وفبراير الماضيين، وتجاوزت السعودية التي احتلت المرتبة الأولى خلال العام الماضي.
مشروعان جديدان
- تشييد مصفاة بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف برميل يوميا
- بناء مجمع للبتروكيميائيات بطاقة سنوية تبلغ 1.65 مليون طن من الإيثيلين ومليوني طن من البارازايلين
ومع تسريع الصين لشرائها النفط الخام الروسي الرخيص، قفزت وارداتها بنسبة 23.8 في المئة على أساس سنوي إلى 1.94 مليون برميل يوميا في يناير وفبراير 2023، وفقا لبيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية التي استشهدت بها رويترز.
وبينما تدفع روسيا لبيع خامها المحظور في الغرب بتخفيضات في آسيا، تضمن السعودية الطلب طويل الأجل في الصين بحصص في مشاريع التكرير والبتروكيماويات.
وقالت أرامكو إن مشروعا مشتركا للشركة السعودية يخطط لبناء مجمع بقيمة 10 مليارات دولار في الصين على مدى السنوات الثلاث المقبلة.
وسيشمل المجمع مصفاة بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف برميل يوميا، ومعملا للبتروكيميائيات بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 1.65 مليون طن متري من الإيثيلين ومليوني طن من البارازايلين.
وستصدّر أرامكو ما يصل إلى 210 آلاف برميل يوميا من لقيم النفط الخام إلى المجمع الذي سيُشيّد في مدينة بانجين بمقاطعة لياونينغ.
وقال النائب التنفيذي لرئيس للتكرير والكيميائيات والتسويق في أرامكو محمد القحطاني إن “هذا المشروع المهم سيدعم الطلب الصيني المتزايد على الوقود والمنتجات الكيميائية”.
وأضاف إنه “يمثل علامة فارقة في إستراتيجيتنا للتوسع المستمر في الصين والمنطقة بشكل عام والتي تُعد محركا مهما بشكل متزايد للطلب العالمي على البتروكيميائيات”.
وأصدرت أرامكو بيانا الخميس الماضي أعلنت فيه عن توقيع اتفاقيات نهائية للاستحواذ على حصة بنسبة 10 في المئة في شركة رونغشنغ للبتروكيميائيات المحدودة مقابل 24.6 مليار يوان صيني (3.6 مليار دولار).
◙ 690 ألف برميل يوميا ستضخها السعودية إلى الصين على المدى الطويل بموجب الاتفاقيتين
واعتبرت باراسكوفا أن الصفقة ستُسهم في زيادة توسيع وجود الشركة السعودية بشكل كبير في أعمال التكرير والكيميائيات والتسويق في الصين.
وحددت أرامكو أنها ستعمل من خلال الشراكة على تصدير 480 ألف برميل يوميا من النفط الخام العربي إلى شركة جيجيانغ للنفط والبتروكيميائيات المحدودة التابعة لشركة رونغشنغ، بموجب اتفاقية مبيعات طويلة الأجل.
وقال القحطاني إن هذا الإعلان يؤكد “التزام أرامكو طويل الأجل تجاه الصين وإيمانها بقوة قطاع البتروكيميائيات الصيني”.
وأضاف “هي عملية استحواذ مهمة للشركة في سوق رئيسة تعزز طموحاتنا في النمو والمضي قدما نحو إستراتيجية تحويل السوائل إلى كيميائيات كما أنها تُسهم أيضا في تأمين إمدادات موثوقة من النفط الخام لواحدة من أهم مصافي التكرير في الصين”.