إيطاليا تسعى لإقناع الجزائر بتحرك مشترك لدعم تونس في تجاوز أزمتها المالية

الجزائر- تسعى إيطاليا لإقناع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالاشتراك في مساعيها الإقليمية والدولية لجلب الدعم لتونس ومساعدتها على الخروج من الأزمة المركبة المالية والسياسية التي تعاني منها، فيما تشترط الجزائر قيادة الحراك الدبلوماسي الذي يعنى بهذا الملف لاستثماره كدليل على تأثيرها الإقليمي والرد على التحاليل التي تتحدث عن عزلتها.
يأتي هذا في وقت لا تخفي فيه الأطراف المشاركة في هذا الحراك قناعتها بأن دعم تونس ليس مسارا مجانيا ولكنه ضمانة لحماية أمن المتوسط من تدفق اللاجئين الأفارقة الذين تزايدت أعدادهم في الأسابيع الأخيرة.
وتقود إيطاليا، الدولة المعنية مباشرة بتطورات الوضع في تونس، مختلف هذه المساعي محذرة من أن التراخي الدولي في التدخل إلى جانب تونس من شأنه أن يعرّض أمن المنطقة للخطر، حاثة على تسهيل حصول تونس على قرض صندوق النقد الدولي.
وأجرت القيادات السياسية في الجزائر وإيطاليا مشاورات مكثفة بشأن مساعدة تونس على الخروج من وضعها الاقتصادي والاجتماعي الحرج، وسط حديث عن مبادرة ثنائية تستهدف إنقاذ شريك مشترك في المنطقة.
وكشفت وكالة “نوفا” الإيطالية عن أن “مشاورات واتصالات مكثفة بين دوائر رسمية وحكومية في الجزائر وإيطاليا، جارية من أجل بلورة مبادرة ثنائية لإنقاذ تونس من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها، وأن الوضع السائد في تونس، بات مصدر قلق واهتمام للقيادتين السياسيتين في البلدين”.
ولم يوضح التقرير أيّ تفاصيل أخرى حول المبادرة، غير أن متابعين لشؤون المنطقة يرجحون أن تكون مساعدات مالية وتسهيلات تجارية واقتصادية تتيح لتونس استعادة أنفاسها.
وتحدثت صحف جزائرية عن رغبة لدى القيادة الجزائرية في أن تقود التحركات الإقليمية حول تونس وأن تبدو في الواجهة مقابل المساهمة في أيّ شكل من أشكال الدعم.
وتعود رغبة الجزائر في قيادة جهود دعم تونس بدلا من إيطاليا، التي تحركت لمنع تدهور أمني على حدودها الجنوبية، إلى إصرارها على أن تكون طرفا في أيّ قضية تتعلق بشمال أفريقيا والساحل.
ويثير هذا الموقف تساؤلات في تونس التي كانت تنتظر أن تبادر الجزائر إلى دعمها بشكل عاجل في ظل وضعها المالي المريح بدلا من هذه الحركة الالتفافية التي تجعل الجارة الشرقية تخسر الوقت وتتحمّل المزيد من الضغوط والأعباء.
وأجرى وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني اتصالا مع نظيره الجزائري أحمد عطاف داعيا إيّاه إلى “العمل بتنسيق وثيق لدعم تونس”، وعلى أهمية التعاون الإيطالي – الجزائري من أجل “استقرار وأمن منطقة البحر الأبيض المتوسط”.
وكان رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن قد أجرى منذ أيام قليلة اتصالا مع نظيرته التونسية نجلاء بودن، بحثا فيه حسب بيان الوزارة الأولى “أوضاع التعاون بين البلدين والعلاقات الثنائية”.
الاتحاد الأوروبي يريد ضمانا ضدّ الهجرة والإرهاب وتأمين مصادر الغاز والنفط، والولايات المتحدة تريد تنازلات على سجلّ منظومة الديمقراطية في تونس
ودافع الرئيس الجزائري بقوة، في تصريح أدلى به في وقت سابق لقناة الجزيرة القطرية، عن علاقات بلاده مع تونس، وعبر عن احترام الجزائر لشأن جارتها الداخلي، وأنها تتعامل مع المؤسسات الشرعية القائمة، متحدثا عن “مؤامرة خطرة” تتعرض لها.
لكن التونسيين، وخاصة من أنصار الرئيس سعيد، يتساءلون عن تأخر الدعم الذي وعد به تبون في أكثر من مرة لاسيما بعد أن وضعت تونس نفسها في موقف حرج أمام المغرب باستقبال زعيم جبهة بوليساريو إبراهيم غالي في القمة اليابانية – الأفريقية “تيكاد 8” التي احتضنتها تونس شهر أغسطس الماضي.
وبالتوازي مع التحرك نحو الجزائر لحثها على دعم تونس، اتجهت إيطاليا إلى الولايات المتحدة لدعوتها إلى تسهيل حصول تونس على قرض صندوق النقد الدولي وتجاوز مآخذها على الوضع السياسي في البلاد.
وشدد وزير الخارجية الإيطالي في اتصال مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن على “الحاجة الملحة إلى تقديم دعم اقتصادي ومالي دولي سريع وكافٍ وفعال لتونس” التي وصفها بأنها “فاعل مركزي لأمن واستقرار البحر الأبيض المتوسط”.
وأضاف تاياني “يجب أن نقوم بعمل مشترك حتى تتمكن المؤسسات المالية الدولية الرئيسية من التدخل لدعم تونس والتي يتوجّب عليها بدورها الانخراط في مسار إصلاحات مستدامة وفعالة على النحو المبين منذ أيام لمديرة صندوق النقد الدولي”.
ويرى محللون وخبراء أن تأخير الدعم الموجه لتونس لن يكون في صالح المنطقة، فإنقاذ تونس ماليا خطوة مهمة وضمانة لمنع تدفق موجات جديدة للمهاجرين خاصة أن تونس ستجد نفسها مجبرة على الاختيار بين توظيف إمكانياتها الذاتية المحدودة في معالجة ملفات داخلية هامة أو إنفاقها في جهود التصدي لموجات اللاجئين نيابة عن أوروبا، وهي ستختار في النهاية الخيار الأول، وتجد أوروبا نفسها في مواجهة مع موجات كبيرة من اللاجئين لا أحد يتحرك لصدها.
وفي تعليقه على الحراك القائم حاليا لدعم تونس، اعتبر عبدالرحمن الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ”العرب” أن “تعامل الأوروبيين مع الأزمة هو بالأساس من أجل تأمين الحدود، ويريدون أن تكون تونس حارسا للمتوسط، بينما يريد الجانب الإيطالي التخلّص من تدفق المهاجرين”.
ووجهت تونس الاثنين خطاب مكاشفة ومصارحة لشركائها الأوروبيين حتى لا يتخذوا موقفا متسرعا أو مبنيا على مزايدات أو تقارير سياسية منحازة بشأن واقع حقوق الإنسان، وحثتهم على “تفهّم خصوصية ودقّة المرحلة التي تمرّ بها بلادنا واعتماد خطاب مسؤول وبنّاء يعكس حقيقة الواقع ويثمّن ما تمّ تحقيقه في إطار السعي إلى إرساء ديمقراطية حقيقية”، كما جاء في بيان وزارة الخارجية التونسية عقب استقبال وزير الخارجية نبيل عمّار المفوّض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتيلوني.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “أوروبا تريد حماية مصالحها في المقام الأول، وهناك مصالح مشتركة، وهي تأمين أوروبا من موجات الهجرة المتواصلة وتمكين تونس من الحفاظ على استقرار سياسي واجتماعي باحتواء أزمة المهاجرين وتحقيق استقرار في المنطقة في علاقة بالنفط والغاز”.
ويتخوف الأوروبيون من أن تفتح تونس باب الخيارات أمامها باللجوء إلى الصين وروسيا خاصة بعد الاتصال الذي جرى الخميس بين وزير الخارجية التونسي ونظيره الروسي سيرجي لافروف، وهو اتصال قد يجدد مخاوف الغربيين من تعاظم الدور الروسي في أفريقيا، وأن موسكو قد تستثمر دور الجزائر في استقطاب تونس إلى صفها.
وذكر ثابت لـ”العرب” أن “الهدف من هذه الاتصالات ليس فقط معالجة قضية الهجرة، بل أيضا صدّ الاختراق الروسي للمنطقة وهذا فيه بعد إستراتيجي”، لافتا إلى أن “عملية ضغط صندوق النقد الدولي من أجل قيام تونس بإصلاحات هيكلية لها حدّ من الضروري التوقّف عنده وهو إمكانية التجاء تونس إلى المعسكر الآسيوي”. وتابع ثابت “الاتحاد الأوروبي يريد ضمانا ضدّ الهجرة والإرهاب وتأمين مصادر الغاز والنفط، والولايات المتحدة تريد تنازلات على سجلّ منظومة الديمقراطية في تونس”.