بين المُسكي والحسين

ترى ما الذي كان يحدث بين المسكي والحسين؟ أي نوع من النساء الجميلات كان جلال قد عثر فيهن على الإلهام هناك؟
في فوضى زيارة القاهرة ينسى المرء أن يقوم بأمور كثيرة. أشياء كان قد عزم على القيام بها. من بينها المشي وراء شفيق جلال “ما بين حيين/ المسكي والحسين” ولو كان بيدي لعرفت شيئا عن أمونة التي قال فيها “أمونة بعثتلها جواب/ أمونة ولا سألت في/ أمونة ايه الأسباب/ أمونة ما ترد علي/ على كيفك/ إن شاء الله مرديتي عليا/ يا أمونة” فقد تكون أمونة واحدة من سكان الطريق الذي يفصل بين المسكي والحسين.
رأيت حي الحسين غير أني لم أذهب إلى المسكي. ترى مَن رأى وادي ثقيف الذي غنت من أجله نجاح سلام “يا ريم وادي ثقيف/ لطيف جسمك لطيف/ ما شفت أنا لك وصيف”؟ لم يكن ذلك الوادي سوى المرعى الخيالي لجمال لا مثيل له. غزل يتجاوز المكان غير أنه يحمله معه مثل قارورة عطر.
كانت صديقة الملاية قد غنت في بدايات القرن العشرين “للناصرية للناصرية/ بو جناغ أروح وياك/ للناصرية/ باثنين أيديه/ تعطش وأشربك ماي” والناصرية مدينة تقع جنوب العراق كانت أشبه بمدرسة تخرج منها كبار مطربي العراق. داخل حسن وحضيري أبوعزيز وناصر حكيم وحسين نعمة. أما صديقة الملاية (1901 ــ 1969) فقد بدأت الغناء في عشرينات القرن العشرين. ومن أغنياتها “على جسر المسيب” التي استعار منها ناظم الغزالي مقطعا ليضيفه من غير مناسبة إلى أغنيته “ميحانة ميحانة/ غابت شمسنا الحلو ما جانا”. وهو في ذلك إنما يقلد “يا خارجة من باب الحمام/ وكل خد عليه خوخه”، وإذا ما كان الأمر يتعلق بالسياحة بين المدن فقد سعى فريد الأطرش لأن يفاجئ مستمعيه بمدينتي المرسى وحلق الوادي التونسيتين اللتين وضعهما على خارطة مزاجه السياحي وهو يتنقل ببساط الريح.
غنت فيروز لبيروت لتضيف إليها سببا من أسباب خلودها. وفيروز غنت لعمان ولدمشق ولبغداد “بغداد والشعراء والصورُ/ ذهب الزمان وضوعه العطرُ” كانت أغنية ناشفة ليست كالأغاني التي تطلع من القلب. لا يشرق صوت فيروز باللوعة والاشتياق والهيام إلا حين يقول “بيروت”.
ويضرب على أوتار ذاكرتي صوت شفيق جلال. ترى ما الذي كان يحدث بين المسكي والحسين؟ أي نوع من النساء الجميلات كان جلال قد عثر فيهن على الإلهام هناك؟ ومع ذلك يظل إلهام المكان هو الأقوى كما في “شط إسكندرية”. كان سؤال يوسف شاهين “إسكندرية ليه؟” وكان جواب فيروز “ليالي مشيتك يا شط الغرام/ وإن أنا نسيتك ينساني المنام”.