قيود القانون الجديد للإعلام الجزائري تقوده إلى المحكمة الدستورية

يتوجه نواب معارضون في البرلمان الجزائري إلى الطعن في دستورية قانون الإعلام الجديد، بعد التراجع عن تعديل مادة السماح لمزدوجي الجنسية بالاستثمار في الإعلام، وهي ليست المادة الوحيدة التي تثير الانتقادات، فهناك قيود عديدة يعترض عليها الصحافيون.
الجزائر - يواجه قانون الإعلام الجديد في الجزائر مطبات عديدة رغم المصادقة عليه الثلاثاء الماضي، حيث أعلن نواب المعارضة في البرلمان عن تقدمهم للطعن في دستورية مادة منع مزدوجي الجنسية من الاستثمار في الإعلام.
والمفارقة أن البرلمان تراجع عن تعديل كان سيسمح للجزائريين مزدوجي الجنسية بالحق في إنشاء مؤسسات إعلامية في الجزائر، إذ ضغطت الحكومة على اللجنة البرلمانية المكلفة بدراسة القانون لإلغائه وإعادة المادة الرابعة كما وردت في المسودة الحكومية، والتي تمنع مزدوجي الجنسية من إنشاء مؤسسات إعلامية بمختلف أنواعها في البلاد.
وقبل يوم على عرض القانون للتصويت عادت اللجنة عن رأيها وأعادت الصياغة الأولى الواردة من الحكومة، مبررة ذلك بأن استبعاد الأجانب ومزدوجي الجنسية “يهدف إلى سد الباب أمام الجهات المعادية للجزائر التي تنتظر فرصة الاستثمار في الإعلام للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مما سيشكل خطرا على السيادة الوطنية".
ويعتزم عبدالوهاب يعقوبي، وهو نائب عن حركة مجتمع السلم التي تتبنى توجها معارضا في البرلمان، بدء مساع للطعن في دستورية القانون، الذي تم تبنيه الثلاثاء بأغلبية النواب في المجلس الشعبي الوطني في انتظار عرضه على مجلس الأمة. وبعد تجاوز عقبة البرلمان بغرفتيه، سيكون القانون ساري المفعول بعد دراسته في المحكمة الدستورية.
ويبرر النائب المنتخب عن الجالية بفرنسا، رغبته في الطعن في دستورية قانون الإعلام، لكون مادته الرابعة تقصي جزءا من الجزائريين أصحاب الجنسية المزدوجة من الاستثمار في قطاع الإعلام ببلادهم، وهو ما يخل بمبدأ دستوري يتعلق بتساوي المواطنين أمام الدستور والقانون، خاصة أن 80 في المئة من الجالية الجزائرية في الخارج هم من مزدوجي الجنسية.
وتنص المادة الرابعة، بعد اعتماد قانون الإعلام على مستوى المجلس الشعبي الوطني، على أن أنشطة الإعلام تمارس من قبل وسائل الإعلام التابعة للهيئات العمومية ومؤسسات القطاع العمومي، والأحزاب السياسية والجمعيات والتنظيمات النقابية في حدود ما تسمح به القوانين المنظمة لها، والأشخاص الطبيعيين من جنسية جزائرية فقط والأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون الجزائري.
وتشدد المادة في موضوع التمويل بالتأكيد على أنه "يجب أن يمتلك رأسمالها أشخاص طبيعيون يتمتعون بالجنسية الجزائرية فقط أو أشخاص معنويون خاضعون للقانون الجزائري ويتمتع مساهموها أو شركاؤها بالجنسية الجزائرية فقط".
واعتراض النائب يعقوبي على هذه المادة لا يعتبر الانتقاد الوحيد للقانون الذي يواجه تحفظات كثيرة في مضمون النص والسياق العام الذي مُرر فيه بسبب عدم إنضاج القانون بالنقاش بالقدر الكافي، خاصة من قبل الصحافيين باعتبارهم المعنيين الأوائل به.
ومنذ الكشف عن مضامينه في أواخر العام الماضي، أثار مشروع القانون المذكور نقاشا وجدلا واسعين بسبب عدد النصوص التي دافع عنها البعض، معتبرين أنها تهدف إلى "تنظيم" القطاع، في حين انتقدها آخرون واعتبروا أنها تستهدف "التضييق" على حرية الإعلام.
ويرى صحافيون أن منع الرأسمال الأجنبي من الاستثمار في القطاع، بما في ذلك مزدوجو الجنسية، يشير إلى غياب إرادة حقيقية للحكومة في فتح قطاع الإعلام بالجزائر أمام الاستثمار الخاص، وعدم السماح لوسائل الإعلام بتحرير المهنة من أي عوائق.
كما أن حرية التعبير وحماية مصادر الخبر اللتين نص عليهما القانون هما بندان يفتقدان إلى الضمانات السياسية للحريات الإعلامية. ويعتبر معظم الوسط الصحافي أن القانون الجديد لا يلبي حاجة الإعلام الحالي في الجزائر، فتوجهه يكرس غياب حرية الإعلام الحقيقية، ويمنح السلطات أداة إضافية للتضييق على الإعلام.
وقال الكاتب الصحافي عثمان لحياني "ليس هذا القانون الأول الذي يطرح من قبل الحكومة للبرلمان دون أن يأخذ حقه من النقاش والاستشارة.. لم تكن هناك استشارة موسعة في الوسط الإعلامي، لم يحدث نقاش حول مسودة قانون الإعلام". وأضاف لحياني “القانون في النهاية سيمر ولكن في اعتقادي هذا قانون يفتقد لاستشراف المستقبل ولن يصمد مع تسارع الأحداث".
وتضمّن القانون الجديد خطوطا عريضة إضافة إلى التشدد في منع ومعاقبة كل تمويل أجنبي لوسائل الإعلام الجزائرية، منها أنه استحدث هيئات جديدة، مثل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي يعود إليها السهر على ضمان الممارسة الحرة لنشاط الجرائد، في حين بقي دور وزارة الاتصال محوريا بوصفها الجهة المانحة لمختلف رخص النشاط الصحافي والمتحكمة فيه.
وسيُحاكم بموجب المادة 95 مكرّر من قانون العقوبات، التي تنصّ على عقوبة بالسجن من 5 إلى 7 سنوات، “كلّ من يتلقى أموالا أو هبة أو مزية بأيّ وسيلة كانت من دولة أو مؤسسة أو أيّ هيئة عمومية أو خاصة أو من أيّ شخص طبيعي أو معنوي، داخل الوطن أو خارجه، قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة أو باستقرار مؤسساتها".
وقد تمت محاكمة صحافيين بتهمة التمويل الأجنبي حتى قبل صدور القانون، كما حدث مع الصحافي إحسان القاضي، الذي يعمل مديرا لإذاعة راديو أم الجزائرية وموقع مغرب إيمرجنت الإخباري، بتهمة “تمويل أجنبي لشركته".
وقالت محكمة العاصمة إنّه يشتبه بأنّه “تلقى مبالغ مالية وامتيازات من أشخاص ومنظمات في البلاد وخارجها من أجل الانخراط في أنشطة من شأنها تقويض أمن الدولة واستقرارها".
وردت هيئة الدفاع أن هذه التهمة غير دقيقة وتخص مبلغ 25 ألف جنيه إسترليني، تلقاه إحسان القاضي من ابنته المقيمة في لندن لمساعدته على دفع رواتب الصحافيين وموظفي المؤسسة الإعلامية.
ولم يعد أمام الأصوات المعارضة سوى منصات التواصل أو الإعلام البديل الذي يواجه هو الآخر رقابة مشددة ومطاردة قانونية بذرائع مختلفة من قبل السلطات، حيث أودع الكثير من المعارضين السجن بسبب التعبير عن مواقفهم.
ورد وزير الإعلام الجزائري محمد بوسليماني أن القانون الجديد "حرص على ضمان الممارسة الإعلامية الحرة والمسؤولة، في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية وتعزيز الاحترافية في مجال الإعلام". وتابع، في كلمة بعد التصويت، أن القانون الجديد "تدارك الاختلالات والنقائص الواردة في القوانين السابقة"، مشيرا إلى أن هدف الجميع هو الوصول إلى بناء منظومة إعلامية "قوية، مسؤولة وذات مصداقية".
وتعد هذه القراءة الأولى للمشروع، إذ يتطلب القانون ليصبح نافذا، المناقشة والتصويت عليه أيضا في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، قبل أن يوافق عليه الرئيس عبدالمجيد تبون، ثم ينشر في الجريدة الرسمية.
وبموجب المادة 193 من الدستور يحق لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة، و40 نائبا أو 25 عضوا من مجلس الأمة، إخطار المحكمة الدستورية بعدم دستورية القوانين. وقد اعتمد العام الماضي قانون يشرح آليات الدفع بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية التي أنشئت بموجب دستور 2020.