تعيين جديد على رأس وكالة الأنباء الرسمية يثير سجالات واسعة في تونس

الإعلام الرسمي التونسي فوّت على نفسه التحول إلى إعلام عمومي حقيقي.
الخميس 2023/03/30
الجدل حول التعيينات لا ينتهي

يتكرر في الإعلام التونسي الجدل كل مرة مع تعيين رئيس مدير عام جديد لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية، وكان سببه هذه المرة اعتبار المدير الجديد من المنظومة الإعلامية السابقة المحسوبة على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

تونس - أثار تعيين الصحافي في التلفزيون الرسمي التونسي ناجح الميساوي رئيسا مديرا عاما لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية في تونس سجالات إعلامية واسعة، بين من أثنى على التعيين باعتبار “الكفاءة المهنية العالية” للميساوي وبين من اعتبره “محسوسبا على المنظومة الإعلامية السابقة”.

والميساوي (51 عاما) صحافي بمؤسسة التلفزة التونسية وحاصل على رتبة كبير المخبرين بتلك المؤسسة منذ يناير الماضي، وهو متحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الحقوق بتونس وعلى الأستاذية في الصحافة وعلوم الأخبار.

وعبّرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في بيان عن رفضها تعيين من اعتبرتهم “رموز منظومة الدعاية النوفمبرية وفقا لإعلام الرأي الواحد الموجّه”، بهدف “السيطرة على مؤسّسات الإعلام العمومي ووضع مشهد إعلامي يقوم على البروباغندا على حساب الموضوعية والمهنية”.

وقالت النقابة في بيانها “أجرت السلطة مؤخرا تعيينات لوجوه معروفة بانتمائها إلى منظومة البروباغندا النوفمبرية (نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي) على رأس مؤسسات الإعلام العمومي (وكالة تونس أفريقيا للأنباء والإذاعة التونسية والتلفزة التونسية)، مقابل إقصاء ممنهج ومتعمد للكفاءات الصحافية المستقلة والمهنية وتجميدها”.

واستنكرت الخطاب المتناقض للسلطة التي تتحدّث من جهة عن الثورية والمحاسبة ونظافة اليد وفي نفس الوقت تستعين بمن مارس التعتيم وساهم في حرمان الشعب التونسي من حقه في الإعلام قبل الثورة، وتكافئه بالمناصب الهامة في المؤسسات الإعلامية.

وأشارت نقابة الصحافيين إلى أنّ التغيير الحقيقي في المؤسّسات الإعلامية لا يجب أن يقتصر على التعيينات، بل يجب أن يتجاوز ذلك نحو إصلاح تنظيمي شامل لتخليصها من الإرث القديم الذي يعيق تطويرها وأداءها لمهامها، ووفق حوكمة تستجيب لمعايير الديمقراطية.

ودعت نقابة الصحافيين في بيانها رئاسة الجمهورية إلى إطلاق نقاش عام حقيقي حول مستقبل قطاع الإعلام لوضع سياسات عمومية شاملة تعالج بشكل جدّي كلّ مشكلات الإعلام الحالية، حتى تتمكن المهنة بشكل خاص والقطاع بشكل عام من المساهمة في تطوير المجتمع.

وسخر أستاذ الإعلام والعلاقات العامّة صلاح الدين الدريدي من بيان النقابة في تدوينة على حسابه على فيسبوك، قائلا:

وأضاف:

وطالب إعلاميون بطرد ناجح الميساوي على غرار طرد الرئيس المدير السابق المحسوب على حركة النهضة كمال بن يونس. وقال صحافي:

وفي أبريل 2021، أعلن الرئيس المدير العام لوكالة الأنباء الرسمية في تونس استقالته عقب أيام من الاحتجاجات على تعيين رفضه الصحافيون، وقالوا إنه يهدف إلى سيطرة الحكومة التي تقودها حركة النهضة حينها وأحزاب مؤيدة لها على الوكالة ويهدد استقلاليتها.

وقال بن يونس في رسالة وجهها إلى رئاسة الحكومة إنه استقال حرصا على “تجنب الانخراط في التجاذبات السياسية والتسيير الروتيني لمؤسسة إعلامية عمومية تحتاج خطة إصلاح شاملة”.

وسعت حركة النهضة إلى تعزيز نفوذها في وسائل الإعلام العمومية، بعد انحسار دور القنوات المحسوبة عليها وإغلاق بعضها. ومنذ 2012 حاولت النهضة استغلال وجوه خدمت نظام بن علي، لوضع اليد على الإعلام العمومي وتطويعه لمصلحة الحكومة.

تعيينه أثار سجالات إعلامية واسعة
تعيينه أثار سجالات إعلامية واسعة

وبعد أن كانت ذراعا للدعاية لنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، أصبحت وكالة تونس أفريقيا للأنباء بعد ثورة 2011 من الوكالات الرسمية العربية القليلة التي تتمتع بحرية واسعة ومصداقية، لتغطيتها المتوازنة ونشرها لأخبار منتقدة للحكومة وللاحتجاجات المناهضة للنظام.

وتدعو هياكل مشرفة على قطاع الإعلام في تونس، مثل نقابة الصحافيين التونسيين والهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري “الهايكا”، إلى ضرورة تنظيم مؤتمر وطني حول الإعلام في البلاد، من أجل إرساء مفهوم للإعلام العمومي ووضع مخططات إصلاحية للقطاع، فضلا عن سنّ إطار قانوني ومؤسساتي جديد لبناء إعلام هادف يحترم أخلاقيات المهنة.

ويتكوّن القطاع السمعي والبصري في تونس من 63 مؤسسة إعلامية سمعية وبصرية موزعة كالتالي: 8 قنوات تلفزية خاصة، قناتان تلفزيتان عموميتان، 18 إذاعة خاصة، 11 إذاعة عمومية، 22 إذاعة جمعياتية، و4 مؤسسات غير قانونية تعمل دون تأشيرة (3 قنوات تلفزية، وقناة إذاعية)، إضافة إلى إذاعتين مصادرتين، فضلا عن 85 جريدة ورقية و81 جريدة إلكترونية، وتضم نقابة الصحافيين نحو 1500 صحافي.

وقال صلاح الدين الدريدي، أستاذ الإعلام والعلاقات العامّة، “لقد فرطنا في فرصة تاريخية لإرساء نظام إعلامي وطني متطور يبوّئ تونس مكانة مميزة ضمن الإعلام العربي، ويعود هذا إلى جملة من الأخطاء الجوهرية ارتكبها من تولوا الإشراف على القطاع بعد 2011، مثل حذف المؤسسات الرسمية التي كانت تشرف على القطاع وتعويضها ببرنامج تطوير الإعلام الذي تشرف عليه مفوضية الاتحاد الأوروبي، وبهذا بدا استبعاد الدولة من دورها في المشاركة في حوكمة القطاع”.

ويعاني الإعلام العمومي السمعي منه والبصري في تونس مشكلات كثيرة، وظل يتأرجح مترددا بين دوره الدعائي الترويجي الذي اعتاده قبل ثورة السابع عشر من ديسمبر 2010، وحرية التعبير التي أضحت واقعا، ودوره الذي ينتظره التونسيون للإسهام في إنجاح الانتقال الديمقراطي الهشّ الذي تعيشه تونس.

ويرى الباحث التونسي في الإعلام محمد شلبي أن “عدة عراقيل تحول دون تحويل الإعلام في تونس إلى عمومي، منها خاصة القصور في القوانين”.

5