تزايد الضغط على مصر لمواصلة خفض عملتها

ضعف العملة وتعويمها سيقلل من استنزاف الدولار عن طريق عدم الإقبال على الواردات مع زيادة التحويلات الدولارية من المصريين العاملين في الخارج وتنشيط السياحة.
الخميس 2023/03/30
حتى لو دققت حسابتك فلن تفلح!

يواجه صناع القرار النقدي في مصر ضغوطا كبيرة تستدعي مواصلة خفض الجنيه بالنظر إلى الالتزامات المالية، التي تستحق على الحكومة وتحتاجها السوق المحلية عموما لجذب المزيد من الدولارات، وسط ترجيح زيادة أخرى في الفائدة لتدارك تراكم المشاكل.

القاهرة – تراجع الجنيه المصري في السوق السوداء مجددا خلال الأيام الماضية في إشارة إلى أن خفض قيمته الرسمية إلى النصف خلال العام الماضي لا يزال غير كاف، وقد يتعين على البنك المركزي السماح له بالمزيد من الهبوط.

ورغم تعهده في أكتوبر الماضي بأن يكون العرض والطلب هو الآلية المحددة لسعر الصرف، يدير المركزي العملة في نطاق ضيق ظل دون تغيير فعليا عند نحو 30.8 و30.9 جنيها للدولار منذ ثلاثة أسابيع، بينما انخفضت العملة إلى ما بين 35 و36 في السوق السوداء.

جيرجلي يورموشي: تخفيض قيمة الجنيه على نطاق واسع مسألة وقت
جيرجلي يورموشي: تخفيض قيمة الجنيه على نطاق واسع مسألة وقت

وأثار الضغط المتجدد على الجنيه تكهنات بأن البنك المركزي سيحتاج إلى التحرك مرة أخرى، ربما بحلول الخميس عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية لتحديد أسعار الفائدة لليلة واحدة.

وأظهر مسح أجرته رويترز الاثنين الماضي أن من المتوقع أن يرفع البنك المركزي الفائدة لليلة واحدة 200 نقطة أساس، في الوقت الذي يكافح فيه للسيطرة على التضخم المتصاعد.

وبحسب متوسط التوقعات في المسح الذي شمل 15 محللا، سيرفع البنك الفائدة على الإيداع إلى 18.25 في المئة وعلى الإقراض إلى 19.25 في المئة خلال الاجتماع الدوري للجنة السياسة النقدية بالبنك. وتوقع سبعة من المحللين زيادة قدرها 300 نقطة أساس.

وخلال اجتماعه الماضي مطلع فبراير، أبقى المركزي الفائدة دون تغيير بالرغم من توقعات المحللين بزيادة قدرها 150 نقطة أساس.

وبرر مجلس إدارة البنك ذلك بأن الزيادات الحادة في الفائدة التي فرضها على مدى العام السابق من شأنها أن تساعد في ترويض التضخم الذي بلغ في ديسمبر الماضي 21.3 في المئة، في أعلى مستوى منذ خمس سنوات.

ومنذ أن اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أواخر فبراير 2022 رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بما بلغ إجمالا 800 نقطة أساس.

في مقابل ذلك، خفضت الحكومة بمعية صناع القرار النقدي قيمة عملتها بشكل حاد ثلاث مرات، منذ أن كشفت الأزمة في شرق أوروبا عن نقاط الضعف في ماليتها العامة.

ولكن مع كل تخفيض لقيمة العملة، كان المركزي يسعى بعد ذلك إلى الحفاظ على استقرار الجنيه، غير أن سرعان ما تتجاوز السوق السوداء والعقود الآجلة غير القابلة للتسليم السعر الجديد.

وقال جيرجلي يورموشي من بنك سوسيتيه جنرال لرويترز إن “مع تجاوز سعر الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهرا 40 للدولار، فإن تخفيض قيمة الجنيه على نطاق واسع مسألة وقت”.

فاروق سوسة: الطلب على النقد الأجنبي يسمح بنمو السوق الموازية
فاروق سوسة: الطلب على النقد الأجنبي يسمح بنمو السوق الموازية

وأضاف “لا يوجد وقت مثل الوقت الحالي لمواءمة أسعار الصرف مع الأساسيات”، مشيرا إلى أن إعلان السياسة الجديدة للمركزي الخميس هو “أحد أكثر الأحداث المتوقعة في منطقة” أفريقيا.

كما أن ضعف العملة وارتفاع التضخم، الذي بلغ أعلى مستوى في خمسة أعوام ونصف العام في فبراير عند 31.9 في المئة، زادا من الضغط على المركزي لرفع الفائدة حتى لو زاد ذلك تكاليف خدمة الديون الحكومية المتصاعدة.

ومن بين ديون مصر الخارجية الكبيرة، هناك 3.5 مليار دولار من المدفوعات لبرامج صندوق النقد الدولي السابقة التي تستحق بحلول نهاية هذا العام.

وتظهر السوق السوداء استمرار نقص العملة الصعبة الذي تعاني منه مصر منذ ما يزيد عن عام.

وقال فاروق سوسة، من غولدمان ساكس، إن “الطلب على النقد الأجنبي مستمر في تجاوز المعروض، مما يوفر الظروف لنمو السوق الموازية”.

وأضاف “تقلصت خيارات مصر إلى خيار بسيط: إما تحسين وضع المعروض من النقد الأجنبي عبر مبيعات الأصول والإصلاحات، أو خفض الطلب على العملة الصعبة عبر المزيد من الإجراءات المؤلمة”.

وأوضح سوسة أن مثل هذه الإجراءات ستشمل على الأرجح المزيد من خفض قيمة الجنيه ورفع الفائدة، وستؤدي إلى زيادة التضخم وخفض مستوى معيشة المواطن المصري العادي.

وسعت القاهرة إلى تجنب تلك الإجراءات عندما أعلنت عن خطة طموح لبيع الأصول الحكومية قبل عام.

ومع ذلك، توقف البرنامج مع عدم وجود مبيعات كبيرة منذ أن اتفقت مصر على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد في أكتوبر الماضي. وفي إطار هذا الاتفاق، تعهدت القاهرة أيضا “بتحول دائم إلى سعر صرف مرن” لم يتحقق بعد.

مونيكا مالك: أي خفض جديد لا يكفي لجلب تدفقات استثمارية أكبر
مونيكا مالك: أي خفض جديد لا يكفي لجلب تدفقات استثمارية أكبر

ويقول محللون إن ضعف العملة وتعويمها سيقلل من استنزاف الدولار عن طريق عدم الإقبال على الواردات مع زيادة التحويلات الدولارية من المصريين العاملين في الخارج وتنشيط السياحة.

ويعتقد مصرفيون أن المغتربين يخشون حاليا من اتجاه الجنيه إلى المزيد من الضعف، لذلك فهم إما يحتفظون بما يجنونه أو يستخدمون تجار السوق السوداء لإرسال الأموال إلى مصر.

وفي غضون ذلك، ابتعد المستثمرون عن سندات الخزانة المصرية وسندات الخزانة المصرية بالعملات الأجنبية “يوروبوندز”، مما جعل النقد الأجنبي لدى الحكومة شحيحا مع تراكم واردات بمليارات الدولارات في الموانئ بسبب نقص العملة الأجنبية لتخليصها.

ويقول مصرفيون إن العملات الأجنبية جفت تماما في سوق ما بين البنوك “الإنتربنك”، مع اضطرار معظم المصارف إلى الاعتماد على مشتريات العملاء بالجنيه أو على تحويلات المصريين العاملين في الخارج.

وتتوقع مونيكا مالك، من بنك أبوظبي التجاري، تخفيض قيمة العملة مرة أخرى، لكنها ترى أن ذلك في حد ذاته لن يجلب على الأرجح تدفقات رأس المال التي تشتد الحاجة إليها.

وقالت “يجب أن تكون هناك علامات ذات مغزى على المضي في الإصلاح للمساعدة في بدء إعادة بناء ثقة المستثمرين، ومنها أن يكون الجنيه مرنا حقا والسياسة النقدية وبرنامج الخصخصة أكثر تشددا”.

وتعتقد مالك أن يستقر سعر الدولار حينها بين 36 و38 جنيها بعد أن يتجاوز ذلك المستوى في البداية.

11