تركيز سعودي على سوق النقل الجوي لمنافسة عمالقة الخليج

تسعى السعودية إلى المنافسة بقوة في سوق النقل الجوي خلال السنوات المقبلة لتحقيق هدفها بأن تكون أحد أبرز مراكز منطقة الشرق الأوسط جاذبية، وفق برنامج يتسم بالتوسع على مراحل بشكل مدروس ودون النظر إلى ما قد يشكك في إستراتيجيتها.
الرياض – اعتمدت الحكومة إستراتيجية لقطاع الطيران تقوم على التوسع بشكل كبير للحصول على حصة من السوق، التي تهيمن عليها شركات ضخمة في دول خليجية أخرى.
وأعلنت في هذا الإطار عن إطلاق شركة طيران وطنية جديدة، وعن طلبية كبيرة لشراء طائرات من عملاق صناعة الطيران الأميركي بوينغ.
ويندرج المشروع في إطار محاولات البلاد، التي كانت مغلقة لعقود، للتحوّل إلى مركز جذب لقطاعي الأعمال والسياحة، لكن خبراء يرون أن نجاحها في مجال الطيران بالتحديد قد يحتاج إلى بعض الوقت لجني المكاسب المرجوة، رغم الدعم الرسمي الكبير.
وفي وقت سابق من هذا الشهر أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رسميًّا شركة طيران الرياض التي تهدف إلى تحويل عاصمة السعودية إلى “بوابة إلى العالم”، على حدّ تعبير وسائل الإعلام الحكومية.
وبعد يومين فقط أعلن المسؤولون أنّ شركتي طيران الرياض والخطوط السعودية، أول شركة طيران حكومية ومقرها في جدة، ستشتريان 78 طائرة بوينغ من طراز 787 دريملاينر المخصصة للمسافات الطويلة.
وتشكّل الصفقة التي قدّر البيت الأبيض قيمتها بحوالي 37 مليار دولار، ويمكن أن تصل لاحقا إلى 121 طائرة، خامس أكبر صفقة من حيث القيمة التجارية في تاريخ بوينغ.
وأكّد الرئيس التنفيذي لشركة طيران الرياض توني دوغلاس لوكالة الصحافة الفرنسية أن الشركة ستخدم الأسواق الدولية والإقليمية والمحلية، ما يضعها في منافسة مباشرة مع شركتي طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية.
وقال خبير الطيران المستقل أليكس ماتشيراس إنّ “التوسّع السعودي يثير أسئلة صعبة حول كيفية استحواذ الرياض للطيران على حصة في السوق، خصوصا في وقت تتزايد فيه خيارات الرحلات الطويلة دون توقف، والتي تتجنب الشرق الأوسط تماما”.
وأضاف أن “تكرار نماذج الأعمال الناجحة لشركات الطيران الخليجية المجاورة والبناء عليها سيكونان أمرا صعبا في سوق مزدحمة تتاح فيها للركاب خيارات كثيرة”.
وتأسّست شركة الخطوط السعودية في عام 1945، وتسلّمت أول طائرة لها كهدية من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.
وفي ذلك الوقت كان الأجانب يدخلون البلاد خصوصا عبر جدة على ساحل البحر الأحمر، المعروفة بـ”بوابة مكة”، وهي نقطة وصول رئيسية لملايين المسلمين الذين يؤدون مناسك الحج والعمرة كل عام.
ولأن تمركز النشاط الاقتصادي ورحلات الطيران كان مقتصرا على الجهة الغربية للبلاد، لم تنتقل السفارات الأجنبية إلى العاصمة، إلا في ثمانينات القرن الماضي.
وتقع الرياض هذه الأيام في قلب أجندة إصلاح شاملة للأمير محمد بن سلمان ضمن رؤية 2030، مشروعه الإصلاحي الاقتصادي والاجتماعي القائم على وقف ارتهان أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم بالوقود الأحفوري والانفتاح على تغييرات اجتماعية.
ويقول مسؤولون إن الهدف هو منافسة دبي، مركز الأعمال الخليجي المهم، ويتوقعون أن يرتفع عدد سكان العاصمة البالغ حاليا ثمانية ملايين نسمة إلى 15 أو 20 مليون نسمة بحلول نهاية العقد الحالي.
وفي نوفمبر الماضي أعلنت الحكومة عن خطط لمطار جديد في الرياض، والذي من المقرر أن يستوعب 120 مليون مسافر سنويا بحلول عام 2030، في مقابل نحو 35 مليونا اليوم.
وصرّح وزير المالية محمد الجدعان لوكالة الصحافة الفرنسية بأن النمو المتوقع يجعل النموذج الحالي للسعودية التي لها مركزان أساسيان، جدة والرياض، غير كاف.
وقال الجدعان “جدة وحدها بحاجة إلى شركة طيران لتركّز على الحج والعمرة، وبالتالي هناك حاجة إلى شركة طيران تركز على الرياض”.
وتابع “هناك حاجة إلى التأكد من أن هناك مطارا مناسبا يرحّب بالمسافرين وشركة طيران قادرة على ربط العديد من الوجهات التي يحتاجها المستثمرون”.
وساهم موقع المطارات في الشرق الأوسط الملائم لرحلات إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا، في تعزيز صعودها كمراكز رئيسية.
ويتوقع مجلس المطارات الدولي أن تستقبل مطارات المنطقة 1.1 مليار مسافر بحلول عام 2040، في مقابل نحو 405 ملايين في عام 2019.
ويقول الباحث في معهد دول الخليج العربي بواشنطن روبرت موجيلنيكي إن “التساؤل عن معدّل الطلب في هذه المعادلة لم تتم الإجابة عنه بعد، وعلى السعوديين أن يكونوا واثقين تماما من النتيجة حتى يمضوا قدما في طلب شراء طائرات ضخمة”.
وإلى جانب طيران الرياض ستطلق السعودية كذلك طيران نيوم التي سيكون مقرّها المدينة المستقبلية التي تحمل الاسم ذاته، على أن تبدأ عملياتها في 2024.
وتعتمد إستراتيجية التوسع في السعودية جزئيا على الاستفادة من عدد سكانها البالغ 35 مليون نسمة تقريبا، وهو ما يراه المسؤولون خاصية هامة تميزهم عن منافسيهم في الإمارات وقطر اللتين فيهما عدد من السكان أقل بكثير.
وقال ماتشيراس إن طلبية بوينغ تشير إلى أن رؤية شركة طيران الرياض “تبدو موجهة نحو المسافات طويلة، ما يتفق مع أهدافها بأن تكون شركة طيران لمركز عبور”.
ويراقب المنافسون الإقليميون هذه التطورات عن كثب، خاصة وأن طيران الإمارات والخطوط القطرية ظلتا لسنوات تستحوذان على السوق بمفردهما تقريبا، وبدرجة أقل الاتحاد للطيران المملوكة لحكومة أبوظبي.
وقال مصدر في الخطوط القطرية، فضل عدم الكشف عن هويته، إن “طيران الرياض بالتأكيد ستستحوذ على حصة من السوق في المنطقة والأسواق الآسيوية على وجه الخصوص”. وتابع “نحن على استعداد لمواجهة قطب قيد الإعداد وبالغ الثراء”.
وربما يكون أفضل ما يخدم طيران الرياض هو مالكها صندوق الثروة السيادي الذي قال ماتشيراس إنه “سيتحمّل ما سيكون حتمًا في مرحلة أولى رأس مال ضخما جدا” قبل انطلاق الرحلات الافتتاحية في أوائل عام 2025.
وأشار إلى أنه “من الواضح أن شركة طيران الرياض، على الرغم من أنها تنضم متأخرة إلى القطاع، ترى أن هناك مكانا لشركة أخرى على الطاولة، وتريد أن تؤكد لبقية العالم أن السعودية منفتحة على الأعمال”.
