شح المياه يهدد التونسيين بالعطش في ظل أزمة جفاف

السلطات التونسية تلجأ إلى قطع المياه ببعض المدن والمناطق ليلا لخفض الاستهلاك، وسط أنباء عن تقسيطه خلال فصل الصيف.
الثلاثاء 2023/03/28
الشح المائي يفاقم معاناة تونس

تونس – أفاد سكان بعض مناطق العاصمة التونسية وبعض المدن الأخرى بأن سلطات البلاد بدأت منذ أسبوع قطع مياه الشرب ليلا في إطار ما يبدو أنها خطة لخفض الاستهلاك وسط أزمة جفاف شديدة تحاصر البلد بسبب ندرة الأمطار خلفت سدودا شبه فارغة.

وشمل قطع المياه بعض مناطق العاصمة تونس ومناطق في محافظات الحمامات وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس.

وتعاني تونس من موجة جفاف خطيرة مستمرة منذ أربع سنوات مما يهدد البلاد بالعطش، وهو ما دفع مسؤولين في وزارة الزراعة إلى القول إن الوزارة قد تشرع بقطع المياه ليلا في الصيف لترشيد الاستهلاك في ظل شح مخزونات المياه.

لكن يبدو أن استمرار قلة الأمطار دفع المسؤولين إلى اتخاذ هذا القرار مبكرا في بعض المناطق.

وكانت شركة توزيع واستغلال المياه باشرت قبل أسبوعين بعث إرساليات قصيرة إلى المواطنين تدعوهم فيها إلى ترشيد استهلاك المياه. وجاء في الإرسالية القصيرة ما يلي: "‏‏‏الجفاف تهديد لبلادنا.. الاقتصاد في الماء ضمان لاستمرار حياة أولادنا".

وقال ياسين مامي النائب بالبرلمان الجديد في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك إن مسؤولا في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه المملوكة للدولة أخبره أن سبب الانقطاع المتكرر للمياه في مناطق مدينة الحمامات ليس بسبب أعمال صيانة، وإنما يعود إلى سياسة تقسيط المياه لأن البلاد مهددة بشح المياه.

وشدّد مامي على أنّه يتعيّن على شركة استغلال وتوزيع المياه أن توضّح للمواطنين المناطق المعنـيّة والمدة المحددة لقطع وتقسيط مياه الشُرب بالنسبة للفترة القادمة.

وتخاطر السلطات بإثارة توتر اجتماعي بسبب قطع المياه المتكرر دون إعلام في البلد الذي يعاني سكانه بالفعل إحباطا متزايدا بسبب سوء الخدمات العامة وارتفاع التضخم بشكل كبير واقتصاد شبه منهار. لكن مختصين يقولون إن السلطات لا بديل لها سوى تقسيط المياه سعيا لخفض الاستهلاك وسط موجة جفاف غير مسبوقة وسدود شبه فارغة.

وقال حمادي الحبيب مدير عام مكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة إن إيرادات السدود التونسية سجلت انخفاضا مليار متر مكعب بسبب ندرة الأمطار من سبتمبر 2022 إلى منتصف مارس 2023.

وأظهرت الأرقام الرسمية أن مخزون سد سيدي سالم في شمال البلاد، وهو مزود رئيسي لمياه الشرب لعدة مناطق في البلاد، انخفض إلى 16 في المئة فقط من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب.

وذكر المسؤول بوزارة الفلاحة أن "مخزون السدود، المقدّر عددها بـ37 سدًّا في تونس، تراجع بحوالي 390 مليون متر مكعب، مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022"، مقرًا بوجود إشكاليات في منظومة سد سيدي سالم ومياه أقصى الشمال جرّاء تراجع التساقطات، مشيرًا إلى أن هذه المنظومة تشمل 18 سدًا وتوفر مياه الري لفائدة 7 ولايات، ويتعلّق الأمر بكل من باجة وبنزرت وتونس الكبرى ونابل، فيما توفر مياه الشرب لفائدة ولايات تونس الكبرى ونابل وسوسة وصفاقس.

ودعا الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إلى "إعلان حالة الطوارئ المائية ووضع خطة عاجلة لإنقاذ الزراعات الاستراتيجية".

وذكر الاتحاد، في بيان، أن عدة خبراء في مجال المياه أكدوا، خطورة الوضع المائي خاصة هذه السنة ونبهوا من مخاطر الشح المائي وتراجع مستوى تعبئة السدود الذي بلغ أرقامًا غير مسبوقة.

ويلقي الشح المائي بظلاله على اقتصاد تونس، وسط تحذيرات من تأثيرات سلبية على نسب النمو العامة خلال العام الحالي، بينما تكافح البلاد للخروج من ضائقة مالية خانقة وتحسين مؤشرات القطاعات المنتجة للثروة.

ويهدد الإجهاد المائي أغلب القطاعات الاقتصادية في البلاد، التي يستأثر فيها القطاع الزراعي بنحو 80 بالمئة من الموارد المائية، يليها الاستهلاك المنزلي بنسبة 14 بالمئة، ثم القطاع الصناعي بنحو 5 بالمئة وأنشطة الفنادق والمنشآت السياحية بنسبة 1 بالمئة.

وأقرّ البنك المركزي التونسي الأسبوع الماضي لمجلس إدارته بتأثير الإجهاد المائي على النمو الاقتصادي للعام الحالي، متوقّعاً أن يظل النمو في مستويات ضعيفة.

وقال البنك المركزي إنّ "آفاق النشاط بالنسبة لعام 2023 لا تزال رهن انتعاشة الطلب الخارجي وكذلك مجموعة من العوامل الداخلية المتعلقة على وجه الخصوص بوضعية المالية العمومية وتسارع التضخم واستمرار الإجهاد المائي".

وتتطلّع تونس هذا العام إلى تحقيق نسبة نمو اقتصادي لا تتعدّى 1.8 بالمئة، وفق ما ورد في تقرير الميزان الاقتصادي الصادر عن وزارة الاقتصاد والتخطيط.

وأشار التقرير إلى أن تحقيق هذه النسبة مشروط برفع العراقيل الاقتصادية، غير أنه لم يذكر أي تأثيرات مرتقبة للإجهاد المائي على مساهمة الأنشطة الاقتصادية في النمو العام.