الانفراج السياسي كفيل بوضع لبنان على سكة الإصلاح الاقتصادي

بيروت - يؤشر تزايد الاحتجاجات الشعبية والمطلبية في لبنان على المزيد من تعقيد أوضاع البلد الغارق في أزمة اقتصادية طاحنة، وسط تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من أن الأوضاع تتجه نحو الأسوأ ما لم تحصل انفراجة سياسية سريعة.
وأفادت مصادر اقتصادية مسؤولة لوسائل إعلام محلية بأنّ لبنان على المفترق بين أن يسارع السياسيون فيه إلى توفير العلاجات الفورية لأزمته، دخولاً إليها من باب إعادة تكوين سلطاته الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة إصلاحات، أو بين أن يبقى في قعر أزمة سياسية واقتصادية ومالية تهدّده بأن يزول من الوجود.
وقالت المصادر "صحيح أنّ الوضع الاقتصادي والمالي سيء جدا، لكنه لا يزال ضمن الحدود الممكن علاجها إذا ما تمّ تصويب المسار السياسي بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية". وأضافت "جنون الدولار، سواء لناحية صعوده بآلاف الليرات على نحو غير مسبوق، أو لناحية انخفاضه، ليس له ما يبرّره على الإطلاق، حيث لم يبرز أيّ طارئ دراماتيكي مالي أو اقتصادي يدفع إلى هذا الانهيار الذي لا شك أنّه بفعل فاعل".
وحذّرت المصادر من "أنّ ما حصل قد يتكرّر، طالما أنّ روادع منع تكراره غير موجودة أو مقصّرة في القيام بواجباتها على هذا الصعيد"، وقالت "ما جرى قد يكون بروفة لما قد يحصل لاحقاً، لا معلومات دقيقة لدينا تؤكّد أو تنفي وجود طوابير خامسة أو سادسة تعبث باقتصاد البلد وتهدّد استقراره". وأشارت إلى أن "أمام هذا الواقع الذي نرى أنّه مفتوح على كل الاحتمالات السلبية، نجد أنفسنا مسرعين لأن ندق أجراس الخطر بقوة هذه المرة في وجه السياسيين".
◙ لبنان يواجه أزمة غير مسبوقة تجمع بين الانهيار المالي والاقتصادي وانعدام الثقة السياسية والجمود المؤسسي والأزمة الصحية والتدهور البيئي
وردا على سؤال عمّا إذا كان الحل لا يزال ممكناً، قالت المصادر "لقد سبق وحدّدنا خريطة الحل في خطة تعافٍ وضعتها الهيئات الاقتصادية، وتشكّل الأساس لإعادة إنهاض البلد، وإنعاشه من جديد".
ويواجه لبنان أزمة غير مسبوقة تجمع بين الانهيار المالي والاقتصادي، وانعدام الثقة السياسية، والجمود المؤسسي، والأزمة الصحية، والتدهور البيئي. وينبغي على الحكومة اللبنانية أن تنفذ خطة إصلاح تعالج المجالات الرئيسية ذات الأولوية لاستعادة الثقة وإنقاذ البلاد.
ولا يزال الفرقاء السياسيون منغمسين في المناكفات وتعطيل مسار الاستحقاقات الدستورية متجاهلين تحذيرات المنظمات الدولية من انهيار اقتصادي شامل ما لم يعجّل لبنان بإصلاحات ضرورية يطالب بها المانحون الدوليون.
ويقول محللون إنه لا يمكن تبني إصلاحات هيكلية في لبنان ما لم يكن هناك استقرار سياسي ومؤسسات منتخبة، وهو ما فشل فيه لبنان حتى الآن مع تواجد حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات وشغور في مؤسسة رئاسة الجمهورية.
ويرزح اللبنانيون تحت وطأة أزمة اقتصادية مستفحلة تآكلت معها مقدرتهم الشرائية وسط تدهور قيمة العملة وارتفاع نسبة التضخم وشح في السيولة لدى المؤسسات الخدمية، فيما يحذر مراقبون من فوضى اجتماعية قادمة تزيد من تعقيد الأوضاع المعقدة أصلا.
ويقول مراقبون إن لبنان من أكثر البلدان التي تأثرت بالأزمات المالية العالمية، لاسيما أنه يعاني بالفعل من أزمات داخلية على المستويين السياسي والاقتصادي، مشيرين إلى أن عدم وجود رؤية واضحة لحل هذه المشكلات أدى إلى تفاقمها. وأخفق نواب البرلمان منذ سبتمبر الماضي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا لميشال عون الذي انتهت عهدته في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، رغم عقد 11 جلسة برلمانية لهذا الغرض.
وتعتبر هذه الأزمة في لبنان غير مسبوقة مع عدم وجود رئيس للبلاد وفي ظل حكومة تصريف أعمال محدودة السلطات وبرلمان منقسم على عدة خيارات. ويزيد الانقسام من الجدل الدستوري الدائر حول ممارسة حكومة تصريف الأعمال لمهامها ومهام رئيس الجمهورية في غيابه، وهو ما ترك توترا يزيد من تأزيم الوضع.