سياسة تدوير المناصب تسقط رواية السلطة الجزائرية عن مراجعات

الجزائر - غادر وزير التجارة الجزائري كمال رزيق الفريق الحكومي بموجب التعديل الأخير بعد جدل صاخب حول مسؤوليته عن تردي الأوضاع التموينية والاجتماعية، لكنه عاد إلى الرئاسة ليشغل منصب مستشار في قصر المرادية، الأمر الذي يطرح التساؤل حول جدوى التعديل الحكومي إن كان من أجل المراجعة أم من أجل ترتيب الأوراق الداخلية.
وأعلنت الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية عن تعيين وزير التجارة وترقية الصادرات المقال كمال رزيق كمستشار في رئاسة الجمهورية، أياما قليلة بعد التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس عبدالمجيد تبون على الطاقم الوزاري الذي يقوده الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن.
وزير التجارة الذي غادر الحكومة بموجب التعديل الأخير عاد إلى السلطة ليشغل منصب مستشار في قصر المرادية
وجاء القرار مفاجئا ومثيرا للجدل في الشارع السياسي الجزائري بسبب الدواعي الغامضة له، وأعاد طرح جدوى التعديل الحكومي في ظل سياسة التدوير المنتهجة من طرف السلطة، لاسيما وأن السلطة نفسها لم تتوان عن توجيه انتقادات لاذعة لأداء بعض الوزراء وجمود التنمية المحلية في بعض القطاعات، الأمر الذي أعطى الانطباع حينها بأن الرئيس تبون بصدد إجراء مراجعة عميقة لجهازه التنفيذي.
وظل الوزير رزيق القادم من مدرجات جامعة البليدة إلى وزارة التجارة وترقية الصادرات في أول حكومة للرئيس تبون، وظل ثابتا في موقعه رغم الانتقادات التي وجّهت له من طرف فعاليات سياسية وأهلية، بسبب اعتماد سياسة تقشف غير مسبوقة، أدت إلى ندرة كبيرة في الكثير من المواد الضرورية، كمئات الأدوية والمواد الأولية وحتى الاستهلاكية.
وفتحت برقية لوكالة الأنباء الرسمية المجال أمام حملة مبكرة ضد الوزير المذكور في دوائر إعلامية وسياسية ساد الاعتقاد حينها أن الرجل المغضوب عليه سياسيا وشعبيا سيغادر السلطة دون رجعة، إلا أن عودته السريعة إلى قصر المرادية أوحت بأن الرجل يملك نفوذا قويا وبإمكانه تجاوز الحملات المذكورة.
واذا كان الأمر بالنسبة إلى التغيير الذي جرى في هرم الدبلوماسية قد حمل دلالات أخرى غير تلك التي تحدثت عما أسمته برقية وكالات الأنباء بـ”العلاجات” الضرورية، قياسا بأبعادها الإستراتيجية، فإن عودة وزير التجارة إلى هرم السلطة دون تحديد مهمة معينة، يرجّح فرضية أن التغيير لم يكن من قبيل المراجعة الضرورية، بل من أجل ترتيب الأوراق داخل بيت السلطة.
اقرأ أيضا:
كما أدرجت تنحية وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة في سياق الصراعات الداخلية، وفرضية إعداد أطراف معينة للرجل من أجل أن يكون خليفة تبون في قصر المرادية، وقطع الطريق عليه للمرور إلى ولاية رئاسية ثانية تكون نهاية العام المقبل، وأن ما قام به الرئيس تبون هو خطوة استباقية لاستبعاد منافسين له من داخل دوائر القرار، فإن عودة رزيق تحمل دلالات مماثلة تتمحور حول ترتيب الأوراق الداخلية.
ويرى مصدر مقرب من السلطة بأن القرار السريع هو حماية مبكرة للرجل من طرف غضب جهات نافذة داخل السلطة، ودليل على الانسجام القائم داخل محيط الرئاسة، فالوزير المذكور لم يكن ليجرؤ على اتخاذ القرارات الاقتصادية والتجارية طيلة السنوات الماضية لولا الدعم الذي كان يحظى به، وأن برنامج الحكومة هو برنامج رئيس الدولة ولا يمكن أن تتصرف خارج إرادته.
وكان أعضاء في البرلمان قد شنوا حملات شرسة ضد الرجل خلال الأسابيع الأخيرة، وصلت إلى حد إصدار بيان يندد بتصرفات الرجل وتصريحاته داخل الهيئة، لكن تحويله من الحكومة إلى رئاسة الجمهورية سيعيد صياغة نظرة هؤلاء اإيه، لاسيما النواب الذين وصفوا بـ”الانتهازية ” بسبب سكوتهم عن سياسته في وقت سابق، والهجوم عليه إلا بعد الرسائل التي فهمت من الرجل الأول في الدولة حول ما سمّي بـ”الغضب” من الحكومة.
لكن النقابة الوطنية لمستخدمي قطاع التجارة كان لها رأي مناقض تماما، ونظمت حفل تكريم للوزير المذكور لتقديم ما وصفه بيانها بـ”الجهود الجبارة التي بذلها في سبيل النهوض بالقطاع وتلبية مطالب موظفي القطاع، ولذلك فهي تقدم له الشكر والعرفان”.
بعض الجمعيات لم تتوان في الدفاع عن رزيق نظير ما وصفته بـ"الحرب الشعواء" التي خاضها ضد لوبيات التجارة والاحتكار والمضاربة
ولم تتوان بعض الجمعيات في الدفاع عن الرجل نظير ما وصفته بـ”الحرب الشعواء” التي خاضها ضد لوبيات التجارة والاحتكار والمضاربة، وفرضه للشفافية في تسويق مختلف المنتوجات.
وسبق للرئيس تبون أن أشار إلى الرأي العام الجزائري في تصريح له لوسائل إعلام محلية بأن ما تعرفه البلاد من ندرة وغلاء فاحش ونظام عمراني قسري لم يكن بإيعاز منه، وإنما تصرف معزول من طرف وزراء أساؤوا لصورة الدولة، في تلميح إلى وزير التجارة الذي أقام برنامج دائرته على حظر الاستيراد مهما كانت تداعياته على الجبهة الاجتماعية، وإلى وزير الداخلية والجماعات المحلية كمال بلجود الذي تنسب إليه العملية الواسعة التي مست ما يعرف بالبناءات والمنشآت غير القانونية حتى خلال فصل الشتاء، وما خلفه القرار من غضب واستياء كبيرين لدى هؤلاء.
لكن قرار الإعادة، الذي لا يستبعد أن يشمل أيضا وزير الداخلية في المدى القريب، يكرس القرابة السياسية بين رموز السلطة الجديدة، ويبعد خيار مراعاتها للمزاج الشعبي تجاه الأزمة الاجتماعية والتموينية، فحسابات المرحلة المقبلة تستدعي المزيد من التماسك للوقوف في وجه الهزات المحتملة، والخيارات المفضلة لدى الجهات المناوئة.