الشرق الأوسط يسعى للسيطرة على صناعة الهيدروجين الأخضر

مشاريع السعودية والإمارات وعُمان تقود فورة التحول النظيف بالمنطقة.
الثلاثاء 2023/03/21
إغراق الأسواق مسألة وقت

يراقب المحللون توسيع دول الخليج العربي لمظلة طموحاتها المستقبلية في الطاقة البديلة عبر إرساء قاعدة استثمارية في المشاريع المتعلقة بالهيدروجين، أملا منها في السيطرة على هذه الصناعة والتي تضعها نصب عينيها ضمن سياسة إحلال البصمة الكربونية.

لندن – تستثمر العديد من بلدان الشرق الأوسط في البدائل المتجددة بشكل كبير بينما تستمر حكومات المنطقة في متابعة أجندات تطوير إنتاج النفط والغاز استجابة منها للطلب العالمي القوي على الوقود الأحفوري.

ويأتي ذلك على الرغم من أن النفط والغاز يواصلان توفير الإيرادات لدعم اقتصاد العديد من الدول، وفي مقدمتها السعودية والإمارات بما يساهم في ضمان ثروتهما المستقبلية.

وتقول فيليسيتي برادستوك الكاتب في منصة “أويل برايس” الأميركية إن قادة دول المنطقة يدركون أن النفط والغاز لن يكونا المحركين الاقتصاديين الرئيسيين في المستقبل، ويحاول الكثير منهم الآن تنويع اقتصاداتهم وتوسيع قطاعاتهم غير النفطية.

فيليسيتي برادستوك: دول المنطقة تتطلع إلى التغلب على سوقي أوروبا وآسيا
فيليسيتي برادستوك: دول المنطقة تتطلع إلى التغلب على سوقي أوروبا وآسيا

ويُنظر إلى الشرق الأوسط ذي الخبرة الواسعة في مجال الطاقة على أنه المكان المثالي لتطوير عمليات الطاقة الخضراء، من الهيدروجين الأخضر إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مما يضمن مستقبل أمن الطاقة في المنطقة وموقعها في القطاع.

وتبعت العديد من دول الشرق الأوسط عدة بلدان في جميع أنحاء العالم، وأعلنت عن خطط طموحة لإزالة الكربون بما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ.

ومن المتوقع أن تحقق سوق الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط معدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.43 في المئة بين 2019 و2028 حسب تقييم يعود إلى العام الذي سبق تفشي الوباء.

ومن المرجح أن تكون النسبة أعلى بكثير بعد تسريع العديد من مشاريع الطاقة الخضراء استجابة لتوصيات مؤتمرات المناخ.

وبينما السوق في مهدها، يتوقع خبراء القطاع أنه إذا لعب الهيدروجين النظيف دورا رئيسيا في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وحصل على دعم كاف، فقد تصل قيمة المبيعات العالمية إلى 700 مليار دولار سنويا بحلول 2050.

ويجمع محللون على أن الحرب في أوكرانيا وما أفرزته من أزمة طاقة عالمية وفرت فرصة ثمينة لدول الخليج العربي للعمل من أجل التحول النظيف بغية انتزاع حصة عالمية من سوق الهيدروجين في غضون سنوات.

وأصبح للعديد من بلدان الشرق الأوسط خطط كبيرة للبدائل الخضراء رغم اتجاه زيادة إنتاج النفط والغاز بما يتماشى مع الطلب العالمي.

وتضاعفت قدرة الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط لتصل إلى 40 غيغاواط بين 2010 و2020 ومن المقرر أن تتضاعف مرة أخرى بحلول سنة 2024.

وستطلق المنطقة العديد من مزارع الطاقة الشمسية في السنوات القادمة مع ارتفاع معدل الإشعاع الشمسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن يمثل هذا المصدر نحو 15 في المئة من مزيج الطاقة في دول الخليج بحلول نهاية العقد.

وترى برادستوك أن “الشرق الأوسط يتطلع إلى التغلب على منافسيه الرئيسيين وهما السوقان الأوروبية والآسيوية بالسيطرة على سوق الهيدروجين الأخضر”.

13.43

في المئة معدل نمو سوق الطاقة المتجددة في المنطقة منذ العام 2019 وحتى العام 2028

وأعلنت الإمارات في 2021 عن مشاريع جديدة، وتستثمر شركة مصدر الإماراتية للطاقة النظيفة مع شركة إنجي الفرنسية 5 مليارات دولار في صناعة الهيدروجين الأخضر في البلد الخليجي، بهدف بلوغ قدرة كهربائية تبلغ اثنين غيغاواط بحلول 2030.

وأطلقت دبي أول مصنع للهيدروجين الأخضر في المنطقة “على نطاق صناعي” وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الإماراتية أنها تخطط لتحقيق حصة 25 في المئة من سوق الهيدروجين العالمي منخفض الكربون بحلول نهاية هذا العقد.

وأعلنت السعودية تزامنا مع ذلك عن اتفاقية بقيمة 7 مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة الحرة بصلالة في سلطنة عمان مع شركة أكوا باور وشركة النفط العمانية وشركة إير برودكتس.

كما أعلنت مسقط أنها تطمح في إنشاء اقتصاد يركز على الهيدروجين بحلول 2040، مع بلوغ 30 غيغاواط من الهيدروجين بنوعيه الأخضر والأزرق.

ويلاحظ أن سوق الهيدروجين الأخضر توسعت في المنطقة منذ عام 2021، فقد تمكنت السعودية بفضل الاستثمارات الكبيرة في البحث والتطوير من خفض تكاليف إنتاجه وجعله أكثر جاذبية.

ويهدف أكبر اقتصاد عربي وأكبر منتج للنفط في العالم الآن إلى تحقيق دولار واحد للكيلوغرام لتوفّر بذلك السعودية أرخص هيدروجين أخضر في العالم.

وتبحث العديد من الشركات الخاصة عن فرص للربح من ذلك، حيث حددت شركة سيمنز 46 مشروع هيدروجين أخضر قابلة للتطبيق في المنطقة بقيمة تبلغ مجتمعة 92 مليار دولار.

وتعليقا على هذه الطفرة قالت برادستوك “لقد أبرزت الإمارات وسلطنة عمان والسعودية إمكانات استثمارية هائلة”.

وتعتقد المحللة كغيرها من خبراء القطاع أن الاستثمار في تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه سيساعد الدول الخليجية الثلاث على إزالة هذه المادة من عملياتها في مجالي النفط والغاز.

خخ

ولا تقتصر خطط الطاقة النظيفة على استخدام الهيدروجين الأخضر، حيث تهدف الإمارات إلى زيادة مساهمة الطاقة المتجددة في إجمالي مزيجها من الطاقة إلى 75 في المئة بحلول 2050.

ومن المتوقع أن ينطلق مشروع الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في أبوظبي قبل انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 28) المقرر في الإمارات في وقت لاحق هذا العام. وستبلغ سعة مزرعة الطاقة الشمسية اثنين غيغاواط وستوفر كهرباء تغطّي 160 ألف أسرة.

وتمتلك شركتا أبوظبي الوطنية للطاقة ومصدر الإماراتيتان المملوكتان للدولة 60 في المئة من المشروع، فيما يرجع الباقي إلى تحالف يضم شركة إي.دي.أف رينيوابلز الفرنسية وشريكتها الصينية جينكو باور تكنولوجي.

ويأمل هذا التحالف من الشركات توفير 4 آلاف فرصة عمل من خلال المشروع، وسيدعم ذلك من خلال مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى الأخرى بما في ذلك مزرعة نور للطاقة 1 بتكلفة 3.9 مليار دولار وبقدرة إنتاجية تصل إلى 950 ميغاواط، ومشروع حتا لطاقة الرياح الذي سيكون الأول من نوعه في دبي.

50

في المئة من طاقتها تهدف المملكة إلى توليدها من المصادر الخضراء بحلول 2030

وفي خضم ذلك تهدف السعودية إلى توليد 50 في المئة من طاقتها من المصادر الخضراء بحلول 2030 من خلال تسريع مشاريع الطاقة الشمسية في جميع أنحاء البلاد.

وكأدلة على مدى رغبة المسؤولين السعوديين في الاستفادة أكثر من موارد الطاقة البديلة تبرز محطة سدير للطاقة الشمسية في العاصمة الرياض التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى 1500 ميغاواط.

ومن مشاريع السعودية الأكثر طموحا بناء العملاق المستقبلي نيوم. وتهدف الحكومة إلى إنفاق 80 مليار دولار على تطوير المشروع العملاق في شمال غرب البلاد لإنشاء مدينة تصل إلى مساحة بلجيكا. ويكمن الهدف في إنشاء مساحة مستقبلية خالية من السيارات أو الطرقات أو انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري.

وستعمل المدينة، التي انطلق بناؤها بالفعل رغم شكوك الخبراء حول ما إذا كان المشروع قابلا للتحقيق، على نسبة 100 في المئة من الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على 95 في المئة من الأرض للطبيعة.

كما وافقت هيئة الخدمات العامة العمانية في وقت سابق هذا الشهر للشركة العمانية لشراء الطاقة والمياه على إسناد مشروعي تشييد محطتي منح 1 و2 في محافظة الظاهرة بقدرة إنتاج إجمالية تبلغ ألف ميغاواط لمستثمرين دوليين.

ومن خلال كل التحركات الحثيثة فإنه من المقرر أن يصبح الشرق الأوسط مركزا قويا للطاقة بفضل التفاني المستمر في صناعة النفط والغاز والاستثمارات الكبرى في مستقبل مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة.

وفي ظل هذا التحول المتسارع ترجح برادستوك أن تكون السعودية والإمارات في طليعة ثورة الطاقة الخضراء في المنطقة، مع خططهما الكبيرة للهيدروجين الأخضر، إضافة إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من التقنيات الخضراء المبتكرة.

11