مجلس الأمن يضع مجلسي النواب والدولة في ليبيا بين خيارين: التوافق بشأن الانتخابات أو انتظار العقوبات

هل يحسن عقيلة صالح وخالد المشري استغلال الفرصة الأخيرة.
السبت 2023/03/18
الكرة في ملعب عقيلة صالح

تضمن البيان الأخير لمجلس الأمن الدولي إقرارا بدور مجلسي النواب والأعلى للدولة في ليبيا الإشراف على العملية السياسية التي تهيئ لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، لكن هذا الإقرار مشروط، حيث أن أي فشل لأحدهما أو كليهما قد يقود ليس فقط إلى فقدان هذا الدور وبل أيضا إلى عقوبات.

طرابلس - أقر مجلس الأمن الدولي بأهمية التعديل الدستوري الثالث عشر لإنجاز الانتخابات في ليبيا، بما يعني ضمنيا دعمه لمجلسي النواب والأعلى للدولة في الإشراف على الجانب التشريعي للتهيئة للاستحقاقين الرئاسي والتشريعي. لكن هذا الدعم لا يبدو مفتوحا، حيث لوّح المجلس بفرض عقوبات ضد من يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي.

ويرى متابعون أن أعضاء مجلس الأمن كما هو الشأن بالنسبة إلى المبعوث الأممي لدى ليبيا عبدالله باتيلي، أرادوا منح مجلسي النواب والأعلى للدولة فرصة أخيرة لإثبات حسن النوايا في التوافق بشأن القاعدة التشريعية التي ستجرى بموجبها الانتخابات.

ويلفت المتابعون إلى أن إشارة مجلس الأمن إلى فرض عقوبات موجهة بالأساس إلى الطرفين، وبأن الأعين ستكون منصبة عليهما خلال الفترة المقبلة، وأنه لن يقبل أيّ تسويف من قبلهما أو مماطلة في التوافق حول المواد الخلافية.

وأعرب مجلس الأمن الجمعة عن "ترحيبه بالتقدم التدريجي المحرز بشأن الإطار الدستوري للانتخابات الليبية والتعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري". وأشاد المجلس في بيان صادر عن رئاسته ونشره الموقع الإلكتروني للبعثة الأممية لدى ليبيا بدور مصر في تسيير المحادثات بين مجلسي النواب والأعلى الدولة.

وشدد مجلس الأمن على "الحاجة إلى زخم جديد للبناء على هذا التقدم لتأمين الأساس القانوني والتوافق السياسي الضروريين لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة وآمنة خلال العام 2023 في جميع أنحاء البلاد واستكمال الانتقال السياسي في ليبيا".

 ◙ مراقبون يترجحون أن تسعى مصر للضغط على المشري لتعديل موقفه
 ◙ مراقبون يرجحون أن تسعى مصر لإقناع المشري بتعديل موقفه

وجدد المجلس دعمه القوي للمبعوث الأممي إلى ليبيا، وقال البيان إن "مجلس الأمن يرى أن مبادرة باتيلي الهادفة إلى إنشاء فريق ليبي رفيع المستوى معني بالانتخابات بتيسير من الأمم المتحدة مبادرة مشجعة".

من جهة ثانية هدد المجلس في بيانه بعقوبات ضد من يقوضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح في ليبيا بما في ذلك عرقلة إجراء الانتخابات بموجب عقوبات المجلس.

وقال البيان إن "الأفراد أو الكيانات الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو يعرقلون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح بما في ذلك عن طريق عرقلة الانتخابات، قد يتم تصنيفهم بموجب عقوبات مجلس الأمن".

وفي السابع من فبراير الماضي أعلن مجلس النواب الليبي تعديلا رقم 13 للإعلان الدستوري (دستور مؤقت وضع بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011) ليصبح "قاعدة دستورية" تجرى عبرها انتخابات.

وقام مجلس الدولة لاحقا بإقرار التعديل، عشية تقديم المبعوث الأممي لإحاطته أمام مجلس الأمن والتي أعلن خلالها عن مبادرة لإجراء انتخابات في 2023 تتضمن “إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى واعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزِم لإجرائها". وبدا أن هدف مجلسي النواب والدولة من تعديل الإعلان الدستوري هو خلط أوراق المبعوث الأممي للتمسك بإدارة العملية التشريعية.

ودفع هذا الوضع المبعوث الأممي لاحقا إلى إجراء تحوير على مبادرته التي كانت تقضي في البداية بتشكيل لجنة تسيير من مختلف المكونات والهيئات والقوى الليبية للاتفاق على قاعدة للانتخابات.

واقتصر باتيلي في إعلانه الأسبوع الماضي عن تفاصيل مبادرته على أن الهيئة المفترضة ستكون لجنة رفيعة المستوى وهدفها هو المساهمة في التوصل إلى حلول وسطى بين الفرقاء الليبيين، معترفا بالتعديل الدستوري الذي صادق عليه المجلسان الليبيان.

وبرر باتيلي سبب تراجعه عن تشكيل "لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات"، والتي أطلق عليها اسما جديدا “لجنة رفيعة المستوى"، بأنه لم يكن هناك أيّ تعديل للإعلان الدستوري قبيل نحو يومين على إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي.

ويرى متابعون أن اعتراف مجلس الأمن، وقبله باتيلي برجاحة التعديل الدستوري للتوصل إلى انتخابات، هو إقرار بدور مجلسي النواب والدولة في التهيئة لانتخابات، لكن هذا الإقرار سيضع المجلسين تحت ضغط كبير، حيث أن استمرار الخلافات بينهما بشأن بعض المواد قد يعرضهما ليس فقط لفقدان هذا الدور، بل وأيضا لعقوبات تنهي أيّ طموحات لكليهما في البقاء في المشهد مستقبلا.

ولطالما اتهم رئيسا المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري بالعمل على إدارة القضايا الخلافية بينهما للحيلولة دون توافق بشأن إجراء الانتخابات التي قد تنهي أيّ تأثير سياسي لهما.

◙ على ضوء التهديد بفرض عقوبات، فإنه لم يعد لصالح والمشري أي هامش للمناورة بشأن إجراء الاستحقاق الانتخابي

ويقول المتابعون إنه على ضوء التهديد بفرض عقوبات، فإنه لم يعد لصالح والمشري أيّ هامش للمناورة بشأن إجراء الاستحقاق، وسيكون لزاما عليهما التوصل إلى توافق سريع لا يتعدّى يونيو المقبل.

وتعد مشاركة مزدوجي الجنسية أحد النقاط الخلافية البارزة بين الطرفين، حيث يصر رئيس مجلس النواب على تضمينها في انتصار لحليفه قائد الجيش المشير خليفة حفتر، الذي يحمل الجنسية الأميركية ويرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية. وفي المقابل يصرّ رئيس المجلس الأعلى للدولة على رفض هذا البند، رغبة منه لقطع الطريق على قائد الجيش.

ويرى مراقبون أن رئيس مجلس النواب لا يستطيع التنازل عن موقفه حيث أن ذلك قد يعرضه إلى مواجهة لا يريدها مع حفتر، في المقابل فإن تمسك المشري برفض ترشح مزدوجي الجنسية سيعني استمرار الأزمة.

ويرجح مراقبون أن تسعى مصر إلى إقناع المشري بتعديل موقفه، وقد تراهن القاهرة على دور لأنقرة، لاسيما في ظل الانفراجة التي تشهدها العلاقة بين الدولتين.

ويعتقد المراقبون أنه في المحصلة لا يملك صالح والمشري ترف الاختلاف وسيكون وجوبا عليهما التوصل إلى توافق، وإلا فإن الكرة ستعود مجددا إلى مبادرة باتيلي في نسختها الأصلية، فضلا عن إمكانية مواجهة عقوبات، ستخرجهما بشكل كلي من المعادلة الليبية.

وتعيش ليبيا أزمة سياسية متمثلة في صراع بين حكومة فتحي باشاغا التي كلفها مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

4