الرئيس الجزائري يستعين بأحد وجوه الحرس القديم لإنقاذ الدبلوماسية

الجزائر- فاجأ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الرأي العام والمتابعين باستدعاء الدبلوماسي المتقاعد والسياسي المعارض أحمد عطاف، لشغل منصب وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، خلفا لرمطان لعمامرة، الذي اختفى منذ أسابيع عن الأنظار، تاركا وراءه تأويلات متضاربة حول الأسباب والخلفيات التي عطلت التواصل بين رئاسة الجمهورية والرجل الأول في وزارة الخارجية.
وقال متابعون للشأن الجزائري إن تبون أراد من خلال الاستعانة برجل من الحرس القديم العودة إلى الدبلوماسية الجزائرية القديمة، أي قبل التراجع الواضح الذي شهدته الجزائر في علاقاتها الخارجية، وخاصة خسائرها في ملف الصحراء وبوليساريو في مقابل مكاسب كثيرة للمغرب، الذي نجح في تحقيق اختراقات نوعية في الغرب وفي أفريقيا، بمن في ذلك الذين كانوا محسوبين كأصدقاء للجزائر.
ويرى المتابعون أن الرئيس الجزائري لديه حنين إلى الماضي وتركيز على قضايا الذاكرة أكثر من الاهتمام بالواقع، وهو يريد أن يعود بالجزائر إلى وضع الستينات والسبعينات من دون مراعاة التطورات النوعية التي شهدها العالم ومنطقة شمال أفريقيا، وهي تطورات تفرض على الجزائر أن تتغير بدل أن تعود إلى الماضي.
ويعتبر وزير الخارجية الجديد – القديم، أحمد عطاف، من رجالات الحرس القديم، الذين تقاعدوا عن مهامهم بعد الدخول في خلافات مع الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وانخرطوا في عمل سياسي معارض للسلطة، حيث كان أحد قياديي حزب طلائع الحريات الذي أسسه السياسي المخضرم السابق علي بن فليس عام 2015.
وشغل أحمد عطاف العديد من المناصب الدبلوماسية منذ بداية مشواره المهني، وعرف بمواقفه الراديكالية تجاه التيارات السياسية والأيديولوجية التي كانت تطالب بالحوار والحلول السياسية للأزمة الدموية في تسعينات القرن الماضي، لاسيما الموقعين على ما يعرف بـ”ميثاق سانت إيجيديو” المبرم في روما الإيطالية عام 1995، من طرف حركات سياسية وشخصيات مستقلة جزائرية لوقف حمام الدم، ويعرف حينها بتصريحه -وهو وزير خارجية بين 1996 و1999- الذي جاء فيه “وثيقة سانت إيجيديو، مرفوضة جملة وتفصيلا”.
ويبدو أن الهاجس الدبلوماسي كان حاضرا بقوة في توازنات التعديل الحكومي المذكور، حيث استقدم الرئيس تبون القانوني والدبلوماسي نذير العرباوي الذي شغل منصب ممثل الجزائر لدى الجامعة العربية، ثم الأمم المتحدة، لشغل منصب مدير ديوان الرئاسة، خلفا للمدير السابق عبدالعزيز خلف الذي عين في منصب مستشار في الرئاسة برتبة وزير.
وهو ما يوحي بأن الرئيس تبون كانت تحجب عنه معطيات معينة في الشأن الدبلوماسي، كما هو الشأن في عدد من القطاعات الأخرى، ولذلك وضع واحدا من الدبلوماسيين المخضرمين في أقرب منصب له، ليكون عينه على مختلف الملفات والمسائل التي تهم البلاد.
ولم يكن أحمد عطاف مطروحا بأي شكل من الأشكال للعودة إلى رئاسة الدبلوماسية الجزائرية، حيث تم تداول العديد من الأسماء، على غرار الدبلوماسي وأمين عام الوزارة عمار بلاني، الذي استخلف لعمامرة، خلال الأسابيع الأخيرة بشكل غير رسمي، فضلا عن الوزير السابق والدبلوماسي الحالي صبري بوقادوم.
واللافت في التعديل الحكومي، المعلن عنه مساء الخميس من طرف الناطق الرسمي باسم الرئاسة سمير عقون، هو حذف شعار التعاون الدولي من وزارة الخارجية، الأمر الذي يعزز فرضية تقول بأن مصدر الخلاف بين الرئيس ووزير الخارجية المقال هو الغلاف المالي الذي أعلن عنه رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، بمناسبة انعقاد قمة قادة ورؤساء الدول الأفريقية، كاستثمارات لبلاده في القارة السمراء والمقدر بمليار دولار.
وذكرت الفرضية أن الإعلان عن الخطوة من طرف الجزائر شجع مسؤولين أفارقة على تكثيف اتصالاتهم مع لعمامرة بغية الاستفادة من استثمارات الغلاف المالي، غير أن وضع الغلاف تحت وصاية الوكالة الوطنية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، التابعة لرئاسة الجمهورية، أوقع لعمامرة في حرج تجاه نظرائه الأفارقة، لأنه لا يستطيع التصرف في ملك موجه إلى مهام خارجية بعدما تفردت به الوكالة التي استحدثت عام 2020.
واستغنى الرئيس الجزائري عن عدد قليل من الوزراء، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزراء التجارة والداخلية والصناعة والشباب والرياضة، وهم على التوالي كمال رزيق وكمال بلجود وأحمد زغدار وعبدالرحمن سبقاق، وهم وزراء كانوا محل غضب شعبي شديد، خاصة فيما يتعلق بندرة المواد الاستهلاكية وارتفاع الأسعار، واللغط الذي أثير حول ملف السيارات والمنشآت الرياضية المنجزة مؤخرا.
ووضع على رأس وزارة التجارة شخصية حزبية وكادرا تنفيذيا، ويتعلق الأمر بالأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة، ومدير عام شركة “سفاكس” للمعارض التجارية طيب زيتوني، من أجل إعادة ضبط أوتار الجبهة الاجتماعية والتموينية، خاصة في ظل عودة الندرة والطوابير حول العديد من المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع.
وكان تبون قد عبر في آخر تصريح له لوسائل إعلام بلاده عن “استيائه من غياب الدقة والمعطيات الحقيقية في عمل العديد من القطاعات”، واستغرب حملة حظر الاستيراد من الخارج بشكل خلق ندرة وسبّب ارتفاعا فاحشا في الأسعار، وحالة من القلق والغضب لدى الشارع الجزائري.
لكن التعديل كان على ما يبدو أقل حدة وعمقا من الرسائل التي أطلقتها برقية وكالة الأنباء الرسمية منذ أسابيع، حول ما أسمته بـ”العلاجات” الضرورية للوضع القائم في الجهاز الحكومي، لاسيما فيما يتعلق بوفرة المواد الأساسية والأسعار والاستيراد العقلاني، وتنفيذ تشريعات العمران، والدقة في الأرقام والمعطيات.
كما أن هناك أسماء كانت مرشحة بقوة للمغادرة، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الاتصال محمد بوسليماني، الذي كان ضحية اختراق وتلاعب من مراهق قدم له نفسه على أنه مدير أمن الجيش، وقام بزجره وتوبيخه، ثم تم بث ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبر تجاوزا مسيئا لسمعة السلطة يتوجب التعامل معه بصرامة، بمن في ذلك الوزير الذي ظهر ضعيفا أمام المحتال المراهق المطلوب للقضاء المحلي والمقيم في دولة أوروبية.
• اقرأ أيضا:
الأموال المنهوبة من الجزائر رهينة مسار معقد رغم الوعود الأوروبية بالدعم