الخدمات أولا.. شعار المرشحين لانتخابات الصحافيين في مصر

قلعة الحريات لم تعد قادرة على خوض معارك مع الحكومة.
الخميس 2023/03/16
تحت السيطرة

من يتابع عن قرب الدعاية الانتخابية لانتخابات الصحافيين المصريين يكتشف أن الوعود الخدمية طغت على البرامج التي تستهدف تحسين أوضاع المهنة، على مستوى الحريات وتطوير أداء العمل الصحفي وتحجيم التدخل في السياسات التحريرية.

القاهرة - سعى أغلب المرشحين لانتخابات الصحافيين المصريين التي ستجرى غدا الجمعة إلى جلب المزيد من الخدمات للصحافيين واقتناص المكاسب لهم دون التطرق إلى ما وصلت إليه المهنة من أوضاع قاتمة على مستوى الحريات، وهو مسار يتناغم مع المنتمين إليها، فلم يعد الكثير منهم يعتنون بأي نضال سياسي.

وتعكس الجولات الانتخابية أن الكثير من المنتمين إلى المجموعة الصحفية فقدوا الثقة في الدور السياسي لقلعة الحريات، ولم تعد كما كانت قادرة على خوض معارك مع الحكومة لانتزاع الحقوق والوقوف بشجاعة ضد أي خطوة تؤثر على المهنة والعاملين فيها.

ويصعب فصل تفضيل مرشح على غيره، وفق ما يقدمه أو يعد به من خدمات، عن هشاشة الأوضاع الاقتصادية للصحافيين، فشريحة كبيرة لم يعد يعنيها الدور السياسي للنقابة بقدر ما تهتم بتحسين ظروفها وانتشالها من الأزمات المعيشية الراهنة.

وتوحي نقاشات الصحافيين في الغرف المغلقة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بأن التصويت في انتخابات الجمعة سيكون للمرشح الذي يستطيع تقديم خدمات جيدة، مع بعض الأسماء المعروف عنها كفاحها من أجل الحريات.

وأظهرت الأيام الماضية مدى سعي كل مرشح لكسب ود المجموعة الصحفية بتقديم المزيد من التخفيضات على أسعار السلع والخدمات، واستغلال علاقاته بمؤسسات عامة وخاصة للحصول على عروض مخفضة تفوق ما يجلبها منافسون له.

يحيى قلاش: ميل شريحة كبيرة من الصحافيين إلى البرامج الخدمية يدل على اليأس الذي أصاب أبناء المهنة
يحيى قلاش: ميل شريحة كبيرة من الصحافيين إلى البرامج الخدمية يدل على اليأس الذي أصاب أبناء المهنة

وتتنوع الخدمات بين محاولة جلب تخفيضات على أسعار وحدات سكنية وسيارات وقروض ميسرة واشتراكات بأسعار رمزية في أندية اجتماعية والتعاقد مع أطباء ومستشفيات، فيما غاب عن برامج الكثير من المرشحين ما يتعلق بالحريات عموما.

وتحول الكثير من أبناء المهنة إلى عاطلين بعدما تعرضوا للفصل التعسفي من بعض المؤسسات الصحفية بدعوى ترشيد النفقات، وهناك من أغلقت صحفهم ولهم حق التصويت في الانتخابات، وهؤلاء تعنيهم خدمات تساعدهم على تحسين ظروفهم المعيشية.

وأثناء الجولات الميدانية للمرشحين في المؤسسات الصحفية لعرض برامجهم نادرا ما يسأل أبناء المهنة عن وعود المرشح تجاه قضايا الحريات، ولا يتطرق إلى هذا الملف باستفاضة، لأنه يدرك جيدا أن الأمر برمته يرتبط بإرادة سياسية بعيدة عنه.

والنكتة السوداء في الدعاية الانتخابية أن أحد المرشحين حاول إظهار قوة علاقاته لجلب مزايا إلى الصحافيين بتخفيضات كبيرة، فقام بمخاطبة وزارة السياحة والآثار ليحصل أبناء المهنة على تخفيض بنسبة 50 في المئة لدخول المزارات السياحية ووافقت الوزارة، وكانت المفارقة أن الصحافيين يدخلون معظم المناطق الأثرية مجانا عند إظهار بطاقة عضوية النقابة، وبالتالي قد يتسبب ذلك في إلغاء الدخول المجاني إذا أقرت الوزارة دفع الصحافي نصف ثمن التذكرة.

ودارت معركة شرسة بين الصحافيين والمرشح محمد شبانة، سكرتير عام النقابة في المجلس المنتهية ولايته، بسبب الهيئة التي ظهر عليها مبنى النقابة بعد عمليات الترميم، وحصل شد وجذب بين المؤيدين والمعارضين لشكل المبنى بعد تطويره، حيث اكتسى بالسواد من دون التركيز على المضمون.

ويعكس هذا الموقف مدى عدم انشغال الكثير من الصحافيين برمزية النقابة كقلعة للحريات كما عرفت بذلك، ويركزون على الشكليات وصورة المبنى والخدمات التي يقدمها المرشح، حتى صار المقر أقرب إلى مبنى اجتماعي أكثر منه مظلة يحتمي بها أبناء المهنة وظهيرا قويا يمنع استهدافهم.

وتعكس حالة اليأس لدى أغلبية الصحافيين، الناتجة عن تدهور أوضاع المهنة، طبيعة اختياراتهم في الانتخابات المقبلة لأنهم يدركون عدم أهمية اختيار مناضلين، فإذا فازوا لن يجلبوا مكتسبات، لأن علاقاتهم بالحكومة مضطربة، على عكس العضو الخدمي صاحب العلاقات الواسعة والمتنفذة.

ويعتقد صحافيون تحدثت إليهم “العرب” أن برامج عدد كبير من المرشحين تمهد الطريق لانحياز الجمعية العمومية إلى من يقدمون الخدمات ولهم رصيد سابق في مساعدة الصحافيين وإنجاز مصالحهم، ما يجعل الخيار محصورا في نطاق ضيق ومرهونا بالمكتسبات التي سوف يحصلون عليها.

وتستهوي الحكومة سيطرة الوعود الخدمية لمرشحي انتخابات الصحافيين على الجزء الأكبر من اهتمامات أبناء المهنة، فهي لا ترغب في أن تتحكم التوجهات السياسية في عملية التصويت، بما يثير قلاقل وأزمات مع قلعة الحريات، بل تتمنى أن يكون كل أعضاء المجلس من غير المناضلين.

وقال يحيى قلاش نقيب الصحافيين الأسبق لـ”العرب” إن “ميل شريحة كبيرة من الصحافيين إلى البرامج الخدمية يدل على اليأس الذي أصاب أبناء المهنة حول إمكانية حدوث تغيير إيجابي في المستقبل القريب بسبب عدم وجود بوادر لتوسيع هامش الحرية أو وقف استهداف الصحافيين، مع أن المجلس القوي هو القادر على تقديم خدمات حقيقية، لكن الدعاية القائمة على الوعود الخدمية زائفة ومؤقتة”.

وينتظر الصحافيون في مصر تطبيق الزيادة الجديدة التي وافقت عليها الحكومة مؤخرا، متمثلة في رفع بدل التدريب والتكنولوجيا بقيمة ست مئة جنيه (20 دولارا)، حيث يتم استخدام هذه الزيادة مع كل انتخابات لدعم مرشح الحكومة على مقعد النقيب، بحكم أنه نجح في تحسين دخل أبناء المهنة.

◙ البدل المادي تحول إلى ورقة انتخابية يستخدمها المرشح المدفوع من الحكومة على مقعد النقيب لدعم فرصه في الحصول على أصوات الصحافيين

وتحول البدل المادي إلى ورقة انتخابية يستخدمها المرشح المدفوع من الحكومة على مقعد النقيب لدعم فرصه في الحصول على أصوات الصحافيين، لكن الحكومة قررت صرف الزيادة للجميع، سواء نجح مرشحها أو فشل، لتترك للناخبين حرية الاختيار بين المرشحين، ولا تربط الزيادة بأسماء أشخاص.

وأكد يحيى قلاش لـ"العرب" أن “هناك شعورا بوجود ما يشبه التأميم للصحافة، ما أثر على توجهات الكثير من العاملين فيها وتركيزهم على متابعة الوعود الانتخابية الخدمية أكثر من التركيز على المدافعين عن المهنة، وتراجع مقياس الحريات من عدمه، والذي يرتبط برقابة الجمعية العمومية للأداء النقابي وتصحيح مسار المجلس وانتقاء المرشحين المخضرمين في المهنة".

وعلى الرغم من أن العمل الخدمي يفترض أن يكون مفردة في الأداء النقابي، فإن الأزمة ترتبط بأن كل عضو في مجلس النقابة ينعزل ويرأس لجنة أنشطة وينفذ برنامجه بشكل مستقل حتى تحولت النقابة إلى مبنى اجتماعي، ما كرس لدى المجموعة الصحفية اختيار أعضاء خدميين.

وجرت العادة أن تفرز انتخابات الصحافيين مجلسا مواقف رئيسه تتناغم مع توجهات الحكومة؛ أعضاؤه من شخصيات متنوعة سياسيا لتحقيق التوازن، غير أن المنافسة شرسة هذه المرة على مقعد النقيب، بين اليساري خالد البلشي رئيس تحرير موقع "درب" وخالد ميري رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" الحكومية.

ولأن ما يشغل بال أغلبية الصحافيين هو تحسين مستواهم المعيشي والنقابة مصدر ثابت للدخل والرعاية الاجتماعية، من المتوقع نجاح النقيب القريب من الحكومة خالد ميري خشية انقطاع الامتيازات، مع اختيار أسماء مستقلة في المجلس تحقق التوازن المطلوب وتكون الغلبة للخدميين.

5