تعديل باتيلي لخطته انتصار مؤقت لمجلسي النواب والدولة في ليبيا

هل يتجاوز صالح والمشري مطب مزدوجي الجنسية قبل يونيو.
الأربعاء 2023/03/15
باتيلي لصالح والمشري: عشية إحاطتي وجدتم الحل!

سلّم المبعوث الأممي إلى ليبيا مؤقتا بأحقية مجلسي النواب والأعلى للدولة في إدارة العملية السياسية في جوانبها التشريعية، بعد التعديلات التي أدخلها على خطته التي كان أعلن عنها الشهر الماضي في إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي.

طرابلس - تراجع المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي خطوات إلى الوراء بشأن تنفيذ خطته لتشكيل “لجنة تسييرية رفيعة المستوى للانتخابات” تتولى وضع قاعدة دستورية وصياغة قوانين الانتخابات، وتحديد خارطة طريق لإنجاز الاستحقاق.

ويربط مراقبون تراجع باتيلي عن مبادرته بالمعارضة الشديدة التي لقيها من مجلسي النواب والأعلى للدولة، وأيضا تحفظات بعض القوى الدولية والإقليمية ومنها روسيا ومصر، والتردد الذي طبع مواقف قوى أخرى ومنها فرنسا.

ودفع هذا الوضع على ما يبدو باتيلي إلى تعديل خطته، والاعتراف بالتعديل الدستوري الذي أقره مجلس النواب ونشره في الجريدة الرسمية، قبل حتى تصديق المجلس الأعلى للدولة عليه، في خطوة استبقت إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن، التي قدمها في السابع والعشرين من فبراير الماضي.

هذا الاعتراف بشرعية الإعلان الدستوري الذي صدّق عليه مجلس الدولة أخيرا في ظروف مثيرة للجدل، يعني أن باتيلي تنازل عن أحقية ما أطلق عليه أول مرة “لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات”، في إعداد القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات.

وبذلك يكون المبعوث الأممي سلّم بأحقية مجلسي النواب والدولة بالاستمرار في قيادة العملية السياسية من جوانبها التشريعية، واعترف أيضا بلجنة (6+6) المشكلة من المجلسين لحل النقاط الخلافية المتعلقة بقوانين الانتخابات.

◙ حتى لا يكون مستقبل ليبيا رهين خلافات المجلسين
◙ حتى لا يكون مستقبل ليبيا رهين خلافات المجلسين

وبرر باتيلي سبب تراجعه عن تشكيل “لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات”، والتي أطلق عليها اسما جديدا “لجنة رفيعة المستوى”، بأنه لم يكن هناك أي تعديل للإعلان الدستوري قبيل نحو يومين على إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي.

أي أنه فوجئ بهذا الاتفاق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة اللذين فشلا طوال سنوات في الاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات، لكنهما بمجرد علمهما برغبة باتيلي في إحداث آلية بديلة لهما، صدّقا بسرعة على تعديل الإعلان الدستوري في الوقت بدل الضائع، حتى لا يتم تجاوزهما، ما أربك المبعوث الأممي.

وخاطب باتيلي مجلسي النواب والأعلى للدولة مستغربا، “عشية إحاطتي وجدتم الحل!”، وكان ذلك خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة الليبية طرابلس، في الحادي عشر من مارس الجاري، والذي أعلن خلاله خطته المعدلة.

لكن المثير أن إحاطة باتيلي في مجلس الأمن تضمنت انتقادا حادا للتعديل الدستوري سواء من حيث عدم حله للقضايا الخلافية، أو عدم وضعه جدولا زمنيا لإجراء الانتخابات، وكذلك الجدل الحاصل حول طريقة اعتماده، والغموض الذي يشوب بعض بنوده، ما يؤكد أنه كان على اطلاع جيد بمضمون التعديل والأجواء التي جرت فيها عملية التصديق عليه.

باتيلي، الذي يدرك خبايا الأزمة الليبية حتى قبل تعيينه على رأس البعثة الأممية، حذر من خطورة ترك الانتخابات فقط في يد المجلسين، وأمهلهما حتى منتصف يونيو المقبل، لإعداد قوانين الانتخابات ووضع خارطة طريق لتنظيم الانتخابات، حتى لا يتم تمطيط مواعيدها مجددا.

ووضع المبعوث الأممي إصبعه على الجرح عندما صرح بأن “الخلاف ما زال قائما حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، رغم إعلان رئيسي مجلسي النواب والدولة الوصول إلى اتفاق بشأن الإعلان الدستوري”. ومن دون كسر صخرة ترشح مزدوجي الجنسية التي تسد الطريق نحو الانتخابات، فلن يكون لأي اتفاق معنى، ولن يضيف سوى تمديد عمر مؤسسات الدولة التي وصفها باتيلي بأنها “فقدت شرعيتها منذ أعوام”.

إنها الفرصة الأخيرة أمام مجلسي النواب والدولة لحل عقبة مزدوجي الجنسية، قبل أن يلجأ باتيلي إلى خيار “لجنة رفيعة المستوى” لإعداد القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، حتى لا يكون مستقبل ليبيا رهين خلافات المجلسين.

ولكن هذا الخلاف ليس هينا، فمن جهة لا يريد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح التخلي عن حليفه المشير خليفة حفتر، الذي يحمل الجنسية الأميركية، ويرغب في المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ومن جهة ثانية يتمسك رئيس مجلس الدولة خالد المشري بموقفه لجهة قطع الطريق على قائد الجيش.

◙ باتيلي تنازل عن أحقية ما أطلق عليه أول مرة "لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات"، في إعداد القاعدة الدستورية

وبين السماح بترشح حفتر وعدمه، لا توجد منطقة وسطى للتفاهم بين الرجلين والمجلسين، لذلك من المستبعد أن يتم الاتفاق في منتصف يونيو المقبل على قوانين الانتخابات، على غرار تجارب سابقة، ما سيجعل سحب باتيلي ملف إعداد قوانين الانتخابات من المجلسين أكثر قبولا داخليا ودوليا، حتى من الأطراف الداعمة لعقيلة وحفتر.

وبعد أن اعتبر مجلس النواب أن الخطة الأممية تدخل دولي، أوضح باتيلي من طرابلس أن “الأطراف التي ستمثل اللجنة رفيعة المستوى، سيتم اختيارها من قبل الليبيين أنفسهم، لضمان الملكية الوطنية للعملية الانتخابية”.

واللافت أكثر أنه قلص مهمة “لجنة رفيعة المستوى” في “تسهيل الوصول إلى حلول وسط”، بعد أن كانت لها مهام تسييرية لإدارة العملية الانتخابية، ويظهر ذلك من خلال اسمها الأول “لجنة تسيير رفيعة المستوى للانتخابات”.

فقد حذف من اسم اللجنة كلمتين “تسيير” و”انتخابات”، وهذا يمثل تراجعا كبيرا إلى الوراء رغم الآمال التي كان يعلقها ليبيون على الأمم المتحدة للخروج بهم من هذه الدائرة المفرغة. كما طمأن المبعوث الأممي كلا من مجلسي النواب والدولة، وحتى المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة بأن اللجنة “لا تتجاوز المؤسسات الليبية".

ويمثل تراجع باتيلي عن تشكيل “لجنة تسييرية رفيعة المستوى للانتخابات” انتصارا لمجلسي النواب والدولة، لكنه بالمحصلة يصب في مصلحة العملية السياسية، لأنه رمى حجرا في المياه الراكدة، وكسر حالة الجمود السياسي، ودفع نحو التوصل إلى اتفاق يمثل الحد الأدنى من التوافق بين طرفي الصراع الرئيسيين.

 

4