إضراب مفتوح لمصارف لبنان مع انخفاض قياسي لسعر الليرة

بيروت – دخل الإضراب المفتوح للمصارف اللبنانية حيز التنفيذ، اليوم الثلاثاء، في وقت تدهورت العملة المحلية إلى مستوى غير مسبوق وبلغ سعر صرفها مئة ألف في مقابل دولار واحد في السوق الموازية، على ما ذكرت مكاتب صيرفة في البلاد الغارقة في أزمة اقتصادية ومالية خانقة.
وكان سعر الصرف الرسمي حدد عند مستوى 15 ألف ليرة في مقابل الدولار في فبراير الماضي، مقارنة مع 1507 ليرات سابقاً.
ويبقى سعر الصرف الرسمي هذا أقل بستّ مرات من السعر الفعلي لليرة في السوق الموازية حيث يتم التداول بالعملة اللبنانية الثلاثاء بمئة ألف ليرة في مقابل الدولار، بحسب مكاتب صيرفة.
ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.
واستأنفت المصارف الثلاثاء إضرابا مفتوحا كانت باشرته في فبراير احتجاجا على قرارات قضائية ألزم بعضها المصارف بقبول تسديد ديون بالعملة الأجنبية عائدة لها، بالليرة اللبنانية، فيما ألزمتها قرارات أخرى بتسديد ودائع لبعض المودعين بالعملة الأجنبية.
ووصفت المصارف هذه القرارات بأنها "تعسفية"، مشيرة إلى أنها "تكيل بمكيالين"، بحسب بيان صدر عن جمعية المصارف.
وتزامنت خطوة المصارف باستئناف إضرابها مع إعلان الأمين العام لجمعية المصارف في لبنان فادي خلف أخيرا، أن لا سيولة لدى البنوك اللبنانية، أكان من ناحية ودائعها بالدولار المحلي لدى مصرف لبنان، وهي غير قابلة للسحب نقداً أو التحويل إلى الخارج، أم من ناحية أرصدتها السلبية لدى المصارف الأجنبية أو لناحية محفظتها من "اليورو بوند" غير القابلة للتسييل إلا بما يناهز 6 بالمئة من أصل السعر.
ووضعت "رابطة المودعين" هذا الإعلان من الجمعية في إطار التهويل السياسي بإفلاس المصارف، والتواطؤ بين السلطة السياسية والبنوك للدفع نحو إعفاء الأخيرة من تحمّل مسؤولياتها، بعدما قررت العودة إلى الإضراب لابتزاز السلطة القضائية والتهرب من التحقيقات التي تطاولها.
ولم يعد بإمكان المودعين الوصول إلى مدّخراتهم العالقة في المصارف اللبنانية التي فرضت قيودًا على عمليات السحب وتحويل الأموال.
بعد عدة شكاوى، أصدر قضاة قرارات بمنع التصرف بأملاك عدد من المصارف وأموال رؤساء وأعضاء مجالس إداراتها.
وأعادت المصارف فتح أبوابها بعدما تدخّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في نهاية فبراير.
في منتصف فبراير، حطّم عشرات المودعين واجهات مصارف وأحرقوا إطارات في بيروت للمطالبة بالحصول على ودائعهم العالقة.
وفي سياق الغلاء غير المسبوق الذي تشهده البلاد، وعلى خطى "تحليق الدولار"، سجلت أسعار المحروقات صباح الثلاثاء زيادة جديدة، بلغت 58000 ليرة للبنزين 95 أوكتان، 59000 ليرة للبنزين 98 أوكتان، 54000 ليرة للمازوت و31000 ليرة للغاز.
وأصبحت الأسعار على الشكل الآتي، بنزين 95 أوكتان 1771000 ليرة، بنزين 98 أوكتان 1813000 ليرة، المازوت 1680000 ليرة وقارورة الغاز 1193000 ليرة.
وانعكس ارتفاع سعر صرف الدولار تلقائياً على أسعار المواد والسلع الغذائية التي باتت تسعر بالدولار، وتُحتسب وفق سعر الصرف الخاضع بدوره لمزاجية وعشوائية التسعير من قبل أصحاب السوبرماركت والتجار الذين يستغلون الأزمة وغياب الرقابة لتحقيق أرباح طائلة على حساب المواطنين.
ومنذ صيف العام 2019، يشهد لبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي بين الأسوأ منذ العام 1850، وتُعتبر الأسوأ في تاريخ لبنان.
وفي مطلع مارس، بدأت محال السوبرماركت تسعير السلع بالدولار بقرار من السلطات إزاء التراجع السريع في قيمة العملة المحلية. وكانت قد سبقتها إلى ذلك قبل أشهر، المطاعم والمتاجر في بلد يستورد 90 بالمئة من سلعه.
وارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل هائل منذ العام 2019. ويفيد البنك الدولي أن نسبة التضخم بلغت 332 بالمئة من يناير 2021 إلى يوليو 2022، وهي الأعلى في العالم.
ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءاً، في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر، فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة، إذ لا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح.
ويأتي تراجع قيمة الليرة اللبنانية إلى هذا المستوى القياسي الثلاثاء غداة إبلاغ القضاء اللبناني حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بوجوب الحضور إلى جلسة استماع الأربعاء مع محققين أوروبيين، يزورون بيروت للمرة الثانية في إطار تحقيقات حول ثروته، وفق ما أفاد مسؤول قضائي.