كثرة الأحزاب لا تصنع حياة سياسية في الأردن

عمان - تصاعد الحديث الرسمي في الأردن حول ضرورة النهوض بواقع الحياة الحزبية في المملكة كمدخل أساسي لتطوير الحياة السياسية والوصول إلى برلمان قائم على كتل حزبية، الأمر الذي شكل العنوان الرئيس لعمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي اختصت ببلورة مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب، بما سيرسم مشهدا حزبيا جديدا، لكن شكوكا تلقي بظلالها على عملية التحديث السياسي والنتائج المرجوة منها.
وقال النائب الأول لرئيس مجلس الأعيان سمير الرفاعي إن الحكمة ليست في كثرة الأحزاب في الأردن، وإنما الهدف ينبغي أن يقوم على برامجها ومدى قابلية تطبيقها خلال السنوات المقبلة. وأضاف الرفاعي أن "العديد من الأحزاب صوبت أوضاعها بحيث تتسق مع تعديلات قانون الأحزاب"، مشيرا إلى أن قانون الأحزاب الجديد سيعطي وجها جديدا للبرلمانات في الأردن.
ولا تزال النظرة العامة لدى العديد من الأوساط السياسية عند الحديث عن الأحزاب ترى أنها تفتقر لقواعد شعبية واسعة باستثناء عدد محدود جدا من الأحزاب، فيما تؤكد هذه الأحزاب من جهتها أن الهاجس الأمني لدى المواطن لا يزال العائق الأكبر أمام الانخراط في العمل الحزبي نتيجة العقلية الأمنية في التعامل مع الأحزاب وكوادرها على أرض الواقع، بما يتعارض مع القانون والدستور الذي كفل حرية عمل الأحزاب، إضافة إلى التشريعات الناظمة للعمل الحزبي، بما في ذلك قانونا الانتخاب والأحزاب، وعجز العديد من الأحزاب عن تقديم برامج عملية تتعلق بمعالجة ما يواجهه المجتمع من تحديات.
وما زالت العشيرة في الأردن ذات قدرة على تمثيل الأفراد كجماعة، رغم مرور أكثر من نصف قرن على تأسيس المملكة، وإصلاح النظام البرلماني الذي يضمن تمثيل المواطنين وتساويهم أمام القانون.
وتشير الدراسات واستطلاعات الرأي المتكررة إلى ميل المواطنين الأردنيين نحو العشيرة أكثر من الدولة، خصوصا عند الحديث عن النواحي الاجتماعية والأمنية. والمفارقة أن الأحزاب، التي من المفترض أن تكون قاعدة جديدة للمواطنة والعلاقة بين الأفراد، لم تنل إلى اليوم ثقة الأردنيين، وما زالت العشيرة أكثر سطوة.
وتشير دراسة بعنوان "حال المشاركة السياسية والتمثيل السياسي في الأردن" إلى أن أكثر من 50 في المئة من الأردنيين يثقون بالعشيرة أكثر من الحكومة ومجلس النواب والأحزاب.
ويفسر محللون غياب الثقة بالأحزاب بسبب سطوة القبضة الأمنية عليها، أو برامجها الشكليّة وهشاشتها بشكل عام، إلى جانب فشلها في منح المواطن الأردني ضمانات بحمايته من الملاحقة في حال انخرط بالعمل السياسي، على عكس ما تقدمه العشيرة له من حماية قادرة على الوقوف بوجه المؤسسة الأمنية.
وكشفت نتائج الاستطلاعات أن غالبية الأردنيين بنسبة 88 في المئة يرون أن الأحزاب السياسية كانت فاشلة في ممارسة العمل السياسي، مقابل 12 في المئة فقط يرون أنها كانت ناجحة. كما وصف معظم الأردنيين بنسبة 74 في المئة أنفسهم بأنهم لا يشعرون بالقرب الفكري لأي من الاتجاهات والتيارات السياسية الموجودة في الأردن.
وتمثل العشيرة للأردنيين الحصن الآمن، إذ لا يقتصر دورها على منحهم المكانة الاجتماعية، فهي أيضا البديل الحاضر في حال فشل الأحزاب.
ويأتي ذلك وسط حديث ملكي حول ضرورة انخراط الشباب في الأحزاب، حيث يشدد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على أن “الأبواب مفتوحة أمام الشباب لقيادة مسيرة التحديث، لكن عليهم ألا ينجرّوا خلف الشعارات الشعبوية، بل أن ينخرطوا في البرامج الواقعية والقابلة للتطبيق، فالجيل الجديد يعرف ما يريد".
وأكد خلال لقائه شبابا ناشطين بالعمل السياسي والاجتماعي “ضرورة تشكيل أحزاب وطنية تستند إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، يكون للشباب صوت قوي فيها”.