انسحاب الحكومة المصرية من دعم السكن يغضب الفئات الفقيرة

زيادة الأعباء المرتبطة بانسحاب الحكومة من دعم السكن من شأنها أن تؤثر على خططها المرتبطة بإعادة رسم الخريطة السكانية والخروج من حزام العشوائيات.
الأحد 2023/03/12
رفع الدعم يزيد الأعباء على المصريين

القاهرة- ضاعفت الحكومة المصرية خروجها التدريجي من الدعم المقدم للأسر البسيطة ومتوسطة الدخل بتحرير أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي، وبيعها بكلفتها الحقيقية بدلا من دعمها، ضمن محاولاتها لتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة، وتلافي المزيد من التداعيات السلبية على الاقتصاد.

وقرر مجلس الوزراء المصري الموافقة على طلب وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية باعتماد أسعار بيع الوحدات السكنية بالسعر الحر بعدما ارتفعت المخصصات المالية للإسكان الاجتماعي إلى مستويات قياسية وصلت إلى 63 في المئة عن الأعوام السابقة، وهي مبالغ مالية لم تعد موازنة الدولة قادرة على تحملها.

ويتسق انسحاب الحكومة التدريجي من دعم السكن للبسطاء ومتوسطي الدخل مع روشتة صندوق النقد الدولي الذي سبق وطالب بتقليص فاتورة الدعم المقدم لقطاعات عديدة، مثل الإسكان والتموين والمواد البترولية، وتحرير أسعار الخدمات التي يتم تقديمها للناس، على أمل تقليص العجز في الموازنة وخفض فاتورة الديون.

◙ الحكومة وهي تحاول التخفيف من الأعباء الاقتصادية بالإلغاء التدريجي للدعم لا تدرك خطورة تبعات تحركاتها

وتصطدم مساعي الحكومة للانسحاب من الدعم مع ارتفاع معدلات الغلاء إلى مستويات قياسية لكثير من السلع والخدمات الأساسية، وعدم تحقيق برامج الحماية الاجتماعية التي أقرها النظام المصري أهدافها كاملة في التخفيف من تداعيات الأزمة الاقتصادية، وبدت لكثيرين قليلة الجدوى مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية.

وترى دوائر سياسية أن الحكومة وهي تحاول التخفيف من الأعباء الاقتصادية بالإلغاء التدريجي للدعم المقدم للبسطاء لا تدرك خطورة تبعات تحركاتها، لأنها تسعى لاسترضاء جهات تمويل دولية دون اكتراث بارتفاع منسوب الغضب محليا، واتساع دائرة الاحتجاج الصامت من الفئات التي كانت يوما ظهيرا شعبيا للنظام.

ولا يزال التحدي الأكبر أمام النظام المصري أنه ورث تركة ثقيلة من الأنظمة السابقة التي كانت تعوّل على الدعم المادي لتحصين نفسها من غضب البسطاء ومتوسطي الدخل وتخصص لهم مبالغ مالية باهظة نظير شراء صمتهم عن الأوضاع الاقتصادية السيئة، من دعم للسلع والخدمات والإسكان والمرافقة والمواد البترولية.

وأمام تغيرات كبيرة حدثت وصعوبات اقتصادية حادة وجدت الحكومة نفسها غير قادرة على مجاراة ما كانت تفعله الأنظمة السابقة ولم يعد أمامها سوى مصارحة الشارع بأنها لن تستطيع استكمال مهمة أثقلت موازنة الدولة بأعباء يصعب تحملها.

طلعت خليل: الحكومة تعتقد أن صبر الناس على سياساتها يوحي بأنهم منحوها شيكا على بياض للتمادي في اتخاذ المزيد من القرارات الصعبة
طلعت خليل: الحكومة تعتقد أن صبر الناس على سياساتها يوحي بأنهم منحوها شيكا على بياض للتمادي في اتخاذ المزيد من القرارات الصعبة

ورغم التحرر التدريجي من الدعم على مستوى السلع والخدمات، لا يزال جزء من ثقافة المصريين يمثل الاقتراب منه تجاوزا للخطوط الحمراء التي يرسمها الشارع أمام الحكومة، والتي لم يعد أمامها سوى مصارحة الناس بأنه يصعب عليها مواصلة هذا النهج، فليس من المعقول أن يعيش المواطن على نفقة الحكومة باستمرار.

وقد يكون للانسحاب من دعم الإسكان عواقب سياسية أكثر منها اقتصادية لأن المشروعات القومية السكنية وبناء المدن الجديدة كتوجه تنموي جرى تسويقه شعبيا في بداية الأمر على أنه محاولة لتحسين البيئة المعيشية للبسطاء ومتوسطي الدخل، ضمن خطة الحكومة للقضاء على العشوائيات وتوفير وحدات سكنية آدمية للجميع.

وكان بناء المدن الجديدة، وهو المشروع القومي الأكثر دعما من جانب غالبية المواطنين، تعود فوائده على الناس مباشرة، بالتالي فتحديد أسعار الوحدات السكنية بكلفتها يمثل انسحابا من وعد قطعته الحكومة باستمرار دعمها.

وتشعر شريحة كبيرة من الفئات التي دعمت توجه الحكومة للتوسع في بناء المدن الجديدة بأنها تعرضت لخديعة، وبعد أن منحت لصانع القرار شرعية المضي في هذا المشروع القومي تتركها الحكومة تصارع الغلاء وسوء المعيشة والإقامة في ما تبقى من عشوائيات التي طالما كان القضاء عليها في صدارة اهتمامات الحكومة.

وقال طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين لـ”العرب” إن الحكومة في نظر الكثير من المواطنين أقرب إلى تاجر يسعى للتربح من كل شيء، ولو على حساب ظروف البسطاء، فهي تسعى لبيع الوحدات السكنية بأسعار تضاهي نظيرتها في الشركات العقارية الاستثمارية، مع أنه يفترض منحها للفئات المستهدفة بسعر مدعوم لتتناسب مع كونها اجتماعية، أي ليست بأسعار تجارية.

وتركت التراكمات الكثيرة لتعامل الحكومة مع القطاعات الخدمية من منظور تجاري بحت تداعيات سلبية صار محوها أمرا بالغ الصعوبة على الحكومة حتى أصبح كل قرار بتخفيف الأعباء عن المواطنين يوازيه شعور راسخ عند الشارع بأن الحكومة تجهز لكارثة جديدة وتريد التخفيف من آثارها بمنح الناس جزءا من الفتات.

وعندما أقر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا زيادة ملموسة في رواتب موظفي الدولة لم يستقبل غالبية المواطنين التحرك بمشاعر إيجابية تعكس تحسن الأوضاع الاقتصادية، بل جرى تفسيرها على أن هناك إجراءات جديدة سوف تزيد الأعباء، ويتم التمهيد لها بتخفيف جزء من تداعياتها مسبقا، وذهبت بعض التفسيرات إلى خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار للمرة الرابعة.

◙ مساعي الحكومة للانسحاب من الدعم تصطدم مع ارتفاع معدلات الغلاء إلى مستويات قياسية لكثير من السلع والخدمات الأساسية، وعدم تحقيق برامج الحماية الاجتماعية

ومهما كانت الحكومة محقة في تخفيف فاتورة الدعم لبعض القطاعات، فهي تقرر ذلك بقليل من الحنكة السياسية والمبررات المقنعة، ما يجلب ضدها المزيد من الغضب، وتترتب عليه عواقب بالغة الخطورة في علاقتها مع الشارع لأنها تختار التوقيت الخطأ لتطبيق مثل هذه القرارات وتصر على أن يكون انسحابها من الدعم قاسيا.

ورأى طلعت خليل أن الحكومة غير رشيدة في إدارة علاقتها مع الشارع، وتعتقد أن صبر الناس على سياساتها يوحي بأنهم منحوها شيكا على بياض للتمادي في اتخاذ المزيد من القرارات الصعبة، حيث تصر على عدم ممانعة الأغلبية لخفض الدعم مراعاة لظروف الدولة، لكن يفترض التعامل مع الملف بحسابات دقيقة وتحميل الفئات المقتدرة الجزء الأكبر بعيدا عن مساواة الجميع في تحمل التبعات.

ومن شأن زيادة الأعباء المرتبطة بانسحاب الحكومة من دعم السكن أن تؤثر على خطط الحكومة المرتبطة بإعادة رسم الخريطة السكانية والخروج من حزام العشوائيات والوادي الضيق إلى تنمية الصحاري الشاسعة في المدن الجديدة، لارتباطات تنموية وأمنية واجتماعية، حيث كانت مشروعات الإسكان في تلك المناطق جاذبة للناس حتى تحولت إلى المقتدرين فقط.

ومع تعقد مساعي الحكومة لاستقطاب الناس من العشوائيات والمناطق الفقيرة إلى المدن الجديدة بعد المغالاة المالية في أسعار وحداتها، من المتوقع أن تواجه الحكومة معضلة لاستمالة المزيد من الموالين لها في هذه المناطق، طالما أصبحت هناك صعوبات لإخراج البسطاء من دائرة الإهمال لجعلهم حائط صد لمحاولات توظيف التهميش.

4