دلائل متفائلة على عودة الزخم إلى قطاع البناء المغربي

حملت التوقعات المتفائلة عن سوق البناء والإنشاءات في المغرب في طياتها بصيصا من الأمل لشركات قطاع المقاولات التي تسعى إلى الابتعاد عن أزماتها وإزالة التحديات في طريق التأقلم مع الظروف الاقتصادية بسبب أزمة السيولة والتكاليف الباهظة.
الرباط - أشاعت مؤشرات إيجابية بشأن احتمال تعافي أعمال البناء والتشييد والإنشاءات في المغرب حالة من التفاؤل الحذر بين أوساط هذا القطاع الحيوي بعودته إلى سالف نشاطه قبل الأزمة الصحية وبإمكانية تجاوز الإكراهات الاقتصادية.
وأفادت المندوبية السامية للتخطيط، وهي هيئة حكومية، في أحدث تقييم لها حول الظرفية الاقتصادية لقطاعات الصناعات التحويلية والاستخراجية والطاقة والبيئة والبناء بأنه من المتوقع أن يعرف نشاط قطاع البناء استقرارا خلال الربع الأول من سنة 2023.
وأوضحت المندوبية في مذكرة نشرتها وكالة الأنباء المغربية الرسمية أن هذا التطور يعزى أساسا من جهة إلى التحسن المرتقب في أنشطة “تشييد المباني” ومن جهة أخرى إلى الانخفاض المنتظر في “أنشطة البناء المتخصصة”.
وأشارت إلى أن أغلب المقاولين يتوقعون استقرارا في عدد الشركات التي تنشط في القطاع خلال الربع الأول من 2023 لإتمام وإدارة المشاريع العامة، والتي يفترض أن تدعم مسار التنمية من خلال تحريك ركود الأنشطة المرتبطة به وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب.
وكانت بيانات نشرتها وزارة الاقتصاد الشهر الماضي قد أشارت إلى أن مؤشر قطاع البناء واصل التراجع للشهر الحادي عشر تواليا، في وضع ضاغط يتسم بارتفاع أسعار المواد الأساسية والتضخم وغياب الرؤية.
وأظهرت معطيات الوزارة حينها أن مبيعات الإسمنت، وهو مؤشر رئيسي على قطاع البناء، مستمرة في منحى الانخفاض خلال شهر يناير 2023، في سياق دولي مطبوع بتضخم قوي.
وتقهقرت مبيعات الإسمنت بواقع ستة في المئة خلال شهر يناير، متجاوزة بقليل مليون طن، بعدما تراجعت بمعدل 15.9 في المئة في النصف الثاني من العام الماضي وبنسبة 14.9 في المئة بين شهري مارس وأبريل من عام 2022.
وأدى شح التمويلات والتكاليف الباهظة لمدخلات هذا النشاط الحيوي منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا أواخر فبراير 2022 إلى توقف أو تقليص العديد من شركات القطاع لمشاريع إنشائية تقدر بالملايين من الدولارات.
ويقول خبراء إن أعمال البناء والمقاولات أكدت حاجتها إلى فضاءات مهنية جديدة، مع إدماج معايير محددة تتلاءم مع توازناتها المالية التي أنهكها التراجع الحاد في الأنشطة.
وتشمل البرامج الحكومية الاستثمارية في البناء والأشغال العامة الطرق والموانئ وكل ما يتعلق بالبنية التحتية، إلى جانب خطط تتعلق بالإسكان.
وجسد الاتحاد الوطني للبناء والأشغال العمومية في المغرب، وهو تجمع يضم شركات التطوير العقاري، تلك المخاوف قبل أسابيع حينما لفت أنظار الحكومة إلى هذه المعضلة لتداركها سريعا قبل أن تتفاقم.
وتعاني شركات البناء والإنشاءات التي تعمل على إنجاز مشاريع حكومية أزمة سيولة تُهدد استمرارها بسبب تداعيات ارتفاع أسعار المواد الأولية، الأمر الذي دفعها لطلب تمديد آجال تنفيذ المشاريع لمدة نصف عام.
وقال محمد محبوب رئيس الاتحاد، الذي يمثل 7 آلاف شركة خاصة تعمل بالقطاع في إطار الصفقات العمومية، خلال حدث احتضنته الرباط قبل فترة إن “القطاع لا يزال يعاني من تداعيات الوباء والحرب، وهو ما دفع عددا من الشركات إلى إعلان الإفلاس”.
وأوضح أن تأثيرات الجائحة وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا خفضت مشاريع القطاع بعشرة مليارات درهم (960 مليون دولار) من 50 مليار درهم (4.8 مليار دولار) في العام الماضي.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن القطاع يشغل حوالي 1.2 مليون شخص، ووصل متوسط قيمة المشاريع، التي أنجزت خلال السنوات بين عامي 2018 و2021، إلى نحو ستين مليار درهم (نحو 5.7 مليار دولار).
ولكن مندوبية التخطيط تقول في مذكرتها إن أنشطة قطاع البناء شهدت استقرارا خلال الربع الأخير من 2022. وعزت ذلك إلى التحسن الذي قد يكون سجل في أنشطة “تشييد المباني” والاستقرار الذي قد يكون سجل في أنشطة الهندسة المدنية وفي أنشطة البناء المتخصصة.
واعتبر معدو تقرير المندوبية أن مستوى دفاتر الطلب أقل من عادي في القطاع. ومن المتوقع أن “يكون عدد الشركات النشطة عرف استقرارا”. وفي هذا السياق، قد تكون قدرة الإنتاج المستعملة سجلت نسبة 67 في المئة.
7
آلاف شركة تعمل في القطاع وتشغل 1.2 مليون شخص بحسب الاتحاد الوطني للبناء
وبحسب مسح أجرته المندوبية واجهت 28 في المئة من مقاولات قطاع البناء صعوبات في عمليات التموين بالمواد الأولية خلال الفترة بين أكتوبر وديسمبر الماضيين، فيما قد تكون وضعية الخزينة صعبة حسب 49 في المئة من مقاولات هذا القطاع.
وبينت نتائج كذلك أن 39 في المئة من مقاولات البناء قد تكون رصدت ميزانيات للاستثمار خلال سنة 2022، استعملت أساسا لتجديد جزء من المعدات.
وترتبط الشركات الخاصة العاملة في قطاع البناء، بالصفقات العمومية بشكل كبير، وذلك نظرا لاستحواذ الاستثمار الحكومي على ثلثي إجمالي الاستثمارات التي يتم ضخها في البلاد.
ويعتبر الاستثمار في التشييد وحتى العقارات في السوق المغربية، واحدا من أهم مصادر الدخل التي يسعى القطاع الخاص والمهنيون للحصول عليها، حيث طالب الفاعلون مرارا بتجاوز عقبة الحصول على التمويل الكافي والخبرة في التعامل مع هذا القطاع الحيوي.
وسبق أن أشار اتحاد البناء والأشغال العمومية إلى أن النظام المصرفي بالبلاد يرى أن قطاع التشييد والإنشاءات يواجه مخاطر عالية، ولم يعد يرغب في منح قروض إضافية لتحسين التوازنات المالية للشركات.
وتمثل أسعار العقارات وإشكالية الحصول عليها عائقا حقيقيا أمام الاستثمار، ولهذا يؤكد خبراء القطاع أن آثار هذه المعضلة واضح على تطور المدن وعلى تنفيذ مختلف السياسات العمومية.
ويطرح معظم المطورين مشكلة غياب الرؤية حول هامش الربح المتاح للوحدات السكنية الذي تقترحه الحكومة مع ارتفاع التكاليف المرتبطة بالبناء، وعودة الضرائب التي تمّ إعفاؤهم منها في السابق، مما سيزيد في السعر النهائي ليتجاوز السقف المحدد.