قيس سعيد: أنا أفريقي وأفتخر

تونس- نجح الرئيس التونسي قيس سعيّد في أن يحوّل الحملة على تونس بسبب الموقف من اللاجئين الأفارقة لصالحه باستقباله رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو وتأكيده أنه أفريقي وأنه يفتخر بانتمائه إلى القارة، في رسالة وصفها مراقبون بأنها ذكية لأنها قدمت موقف تونس بحضور شخصية أفريقية بارزة، ما سيساعدها على إفشال الحملة.
ووجد قيس سعيد الفرصة مواتية أمام إمبالو، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، لتقديم صورة حقيقية عن موقف تونس مما جرى وكيف تحول الأمر، بسوء نية وبحملة موجهة، من رفض تونس لموجات الهجرة غير النظامية إلى اتهامات لها بالعنصرية.
وأكّد سعيّد لدى استقباله مساء الأربعاء بقصر قرطاج رئيس غينيا بيساو أنّ أفارقة جنوب الصحراء هم “إخوتنا”، وفق مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية.
وفي كلمة ألقاها بالفرنسية أمام ضيفه شدّد سعيّد على أنّه دعا فحسب إلى احترام قانون بلاده وسيادتها، مشدّداً على أنّه “ما من بلد يقبل بوجود تشريعات موازية لتشريعاته”.
ويرى المراقبون أن الرئيس التونسي أعاد القضية إلى بدايتها منذ كلمته أمام مجلس الأمن القومي في 21 فبراير التي رفض فيها أن تتحول تونس إلى قبلة للاجئين الأفارقة غير النظاميين، وهو موقف مشروع لأن تونس لا تقدر على تحمل أعباء أكثر من طاقتها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها.
ويجد موقف الرئيس سعيد تفهّما دوليا خاصة أن القلق من ظاهرة اللاجئين غير النظاميين لا يقف عند تونس، فهناك دول أوروبية مثل إيطاليا وفرنسا وبريطانيا لا تخفي انزعاجها من هذه الظاهرة وهي تضع خططا لوقف تدفق اللاجئين، وتعلن موقفها بكل وضوح بالرغم من احتجاج المنظمات الحقوقية.
لكن رفض استقبال المزيد من اللاجئين الأفارقة لا يعني استهدافهم بسبب اللون أو العرق، وليس فيه أيّ إشارات إلى العنصرية وكراهية الآخرين، وهو تأويل مغرض سعت إليه أطراف داخلية وضخمته وتلقّفته منظمات خارجية من دون أن تبحث عن حقيقة الموقف التونسي في انطلاقه، ولم تنظر إلى التعليمات والإجراءات اللاحقة التي تحذر من المساس باللاجئين أو استهدافهم وتحث على تقديم التسهيلات الضرورية لهم.
وابتعدت المفوضة الأوروبية المسؤولة عن شؤون الهجرة إيلفا يوهانسون عن تبني موقف مزايد والدخول على خط التصعيد الإعلامي وأظهرت تصريحاتها موقفا مسؤولا يتعاون مع تونس بالرغم من لهجة التحفظ الدبلوماسية التقليدية.
وقالت يوهانسون إن تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد بشأن المهاجرين الأفارقة “مقلقة”، لكنها قالت إن الاتحاد الأوروبي سيواصل التعاون مع هذا “البلد الرئيسي” لمنع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.
وندّد الرئيس التونسي بمحاولة البعض تأويل تصريحاته و”إطلاق حملة غير بريئة للإضرار بعلاقة تونس بعدد من الدول الأفريقية”.
وأكّد أنّ الوضعية المتعلّقة بأفارقة جنوب الصحراء “لا يمكن تفسيرها من خلال تأويلات ردّدتها بعض الألسن الخبيثة” التي وصفت تصريحاته بالعنصرية.
وقال إنّ من قاموا بتأويل تصريحاته “أخطأوا الشخص وأخطأوا العنوان”، مشيراً إلى أنّ بعضاً من أفراد عائلته متزوجون من أفارقة من جنوب الصحراء.
من جهته أشار رئيس غينيا بيساو إلى أنّ تصريحات سعيّد حول المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء “أسيء تفسيرها”، وقال “لا يمكن أن أصدّق أن يكون رئيس تونس، بلد بورقيبة، كارهاً للأجانب أو عنصرياً، فأنت نفسك أفريقي”.
وقاطع سعيّد ضيفه قائلاً “أنا أفريقي وأفتخر بذلك”.
وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت إن “لقاء الرئيس سعيد مع رئيس غينيا بيساو خطوة هامة في اتجاه عكس الهجوم وتصويب الموقف، باعتبار أنه كانت هناك مبالغات في استثمار كلمة قيس سعيّد خلال انعقاد مجلس الأمن القومي”.
وأوضح ثابت في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس سعيّد وضّح الموقف لاستعادة الموقع الطبيعي لتونس في أفريقيا وبداية مجاوزة سوء التفاهم”.
وأضاف ثابت “المفروض أن ينجز سعيد خطوة أخرى في شكل زيارة ميدانية أو لقاء ودّي مع طلبة ومقيمين أفارقة في تونس من أجل تثبيت هذا الموقف وطمأنتهم”.
وكانت الرئاسة التونسية قالت في بيان سابق لها إن “من يتحدث عن تمييز عنصري في تونس هو طرف يبحث عن الفتنة”، محذرة من المساس بالمقيمين في البلاد من دول أفريقيا بصفة قانونية.
كما سعت تونس بعد نحو أسبوعين إلى “تسليم بطاقات إقامة لمدة سنة لطلبة البلدان الأفريقية لتسهيل إقامتهم بتونس وتمكينهم من التجديد الدوري لوثائقهم في آجال مناسبة”.
وقررت الأحد ضمن إجراءاتها “التمديد في وصل الإقامة من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وتسهيل عمليات المغادرة الطوعية لمن يرغب في ذلك في إطار منظم وبالتنسيق المسبق مع السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول الأفريقية بتونس”.
وأكّد المحلل السياسي والخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني أن “الرئيس التونسي نجح في تجاوز مشكلة اللاجئين الأفارقة، وجاء الردّ سريعا على هذه القضية المفتعلة من قبل أطراف خارجية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الرئيس سعيد عرف كيف يتعامل صحبة وزير الخارجية نبيل عمار مع هذه الأزمة عبر الندوات الصحفية وتوجيه الرسائل إلى الخارج والداخل، فضلا عن البيانات التوضيحية لرئاسة الجمهورية”.
وهناك نحو 21 ألف مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء مسجلون رسمياً في تونس، معظمهم في وضع غير نظامي، أي أقل من 0.2 في المئة من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم 12 مليون نسمة.
والاثنين، نفى نبيل عمار، في مؤتمر صحفي، الاتهامات الموجهة إلى بلاده بـ”العنصرية” ضدّ المهاجرين الأفارقة، وذهب إلى أنها “حملة غير بريئة، ولا يعرف مصدرها، تستهدف تونس”.