خطط عديدة لتطوير التعليم في مصر بلا أثر إيجابي

يؤكد خبراء التعليم في مصر عجز الحكومة عن تطوير قطاع التعليم العالي رغم كثرة خططها التي تفتقد إلى الأثر الإيجابي، وفق تعبيرهم. ويشير الخبراء إلى أن إستراتيجيات الحكومة للتطوير لا تهتم بالمشكلات الأساسية ومنها عدم وجود جامعات بأعداد كافية وذات بنية تحتية متطورة. ويرون أنه إذا كانت للحكومة رغبة جادة في تحسين التعليم العالي فعليها أولاً إعادة هيكلة رواتب أعضاء هيئة التدريس.
القاهرة - ينتظر قطاع التعليم الجامعي في مصر إستراتيجية جديدة للتطوير على غرار ما أقدمت عليه الحكومة في مراحل التعليم الأساسي داخل المدارس، وسط تساؤلات عديدة حول مدى ما تحقق من أهداف التطوير الأول، والذي جرى الانقضاض عليه عقب رحيل وزير التعليم السابق طارق شوقي، حيث تبنى الرجل خطة للتطوير، وكان يؤكد دائما على أنه يحظى بدعم شخصي من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وأطلق وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري أيمن عاشور مؤخرا ما سمّاها “الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي”، مؤكداً أنها تدعم تحويل المؤسسات التعليمية إلى مؤسسات ابتكارية تُسهم في جذب الكوادر العلمية المتميزة، وبناء نظام بيئي قوي لتطوير المؤسسات التعليمية.
وبخلاف خطط تطوير التعليم العام التي واجهت مشكلات عديدة في أثناء تطبيقها على الأرض، لم تشهد إستراتيجية التعليم العالي اهتماماً لافتا من الرئيس المصري بالقدر ذاته الذي حظي به التعليم الأساسي.
وهناك وزارتان للتعليم في مصر، إحداهما مسؤولة عن التعليم العام أو الأساسي حتى المرحلة الثانوية (البكالوريا)، والأخرى خاصة بالتعليم العالي والبحث العلمي.
وجاء المؤتمر الذي عقدته وزارة التعليم العالي للإعلان عن التوصيات النهائية قبل تطبيق الإستراتيجية الجديدة تحت رعاية رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ولم يصحبها ترويج إعلامي كما حدث عند الإعلان عن خطة وزير التعليم السابق.
ويبدو من الواضح أن النظام المصري أدرك خطورة وجود خطط قد لا يكون لها أثر للتنفيذ على أرض الواقع أو تساهم في زيادة حدة السخط الشعبي ضده في ظل المقاومة الاجتماعية لتطوير التعليم الأساسي، والتي شكلت العامل الوحيد تقريبًا الذي دفع المواطنين للتظاهر ضد الحكومة والاعتصام أمام مقر وزارة التعليم، ما عجّل بإقالة الوزير خوفا من تمادي الرفض واتساعه إلى ما هو أبعد من التعليم.
وقال نائب برلماني بلجنة التعليم لـ”العرب” إن خطط التطوير تأتي بمعزل عن الإطار القانوني والتشريعي الذي يساعد على تطبيقها، وتبقى مجرد خطوات ترويجية للحكومة للتأكيد على أنها تعمل على تحسين أحوال المواطنين في أحد المجالات الذي يشهد حالة من التردي، لكن يصعب التعويل عليها لأنها تبقى بلا فائدة للمواطنين.
وأضاف النائب، الذي رفض نشر اسمه، أن الحكومة تقدم للمواطنين “سمكا في مياه” ليصطادوه ومن دون أن يكون أمامهم واقع ملموس يجعلهم يشعرون بأن هناك تغييراً إيجابيًا قد حدث، وتحاول التغطية على إخفاقاتها في ملفات أخرى أغلبها يرتبط بالوضع الاقتصادي لصالح التأكيد على أنها ما زالت لديها القدرة على تنفيذ خطط طويلة المدى في حين أن بقاءها يظل محل شكوك عديدة.
وأوضح أن الجهات الحكومية تتجاهل أساسيات تطوير التعليم إذا كانت لديها رغبة جادة في تحسينه والتي تتمثل أولاً في إعادة هيكلة رواتب أعضاء هيئة التدريس سواء أكان ذلك في الجامعات أو المدارس، وتبقى محاولاتها دون قناعة من وسائلها التنفيذية لنجاحها على الأرض، وتحاول التغطية على غياب الإدارة أو القدرة على تحسين الوضع المعيشي لأكثر من مليون معلم ومدرس بالجامعات والمدارس.
ودائما ما تربط الحكومة المصرية بين خطط تطوير التعليم وبين توجهاتها للتأكيد على إعادة بناء الإنسان المصري وتطوير الآليات التي يمتلكها للارتقاء بجودة الخريجين.
وتهدف الحكومة إلى رسم صورة تشير إلى أن خططها لبناء الحجر وليس البشر عبر مشروعات تنموية عديدة يتململ منها المواطنون لعدم فائدتها المباشرة لهم، توازيها تحركات لتطوير الجوانب العقلية لما يقرب من 27 مليون طالب في المدارس والجامعات المختلفة تتعثر ولا تحقق المردود المنتظر منها.
ولا تحظى توجهات الحكومة نحو إصلاح التعليم بقناعات إيجابية لدى الكثير من المواطنين، وهؤلاء يتوجسون من أن التطوير يستهدف التحرر من التعليم المجاني، خاصة إذا ارتبط الوضع بالتعليم الجامعي الذي خرجت توصيات خطته الجديدة لتبرهن على مزيد من الاستثمار في التعليم العالي بذريعة تحويل الجامعات المصرية إلى مؤسسات جاذبة للطلاب الوافدين.
وتحمل إستراتيجية التعليم العالي توجهًا نحو الاستثمار في الجامعات وتدويل التعليم العالي والتركيز على الابتكار وريادة الأعمال وتطوير المستشفيات الجامعية والبرامج الدراسية في الجامعات وربطها بسوق العمل، وتحسين جودة التعليم في جميع الأقاليم للوصول إلى الاعتماد الدولي، والتمويل الكامل لدورة حياة الابتكار في جميع مراحله للوصول إلى مرحلة التصنيع، وتعديل التشريعات للتحفيز على الابتكار وريادة الأعمال.
ويؤكد خبراء التعليم على أن تعدد رؤى التطوير بين إستراتيجية تطوير التعليم العام والفني (2014 - 2030)، وما أعقبها في العام 2018 التي لم يكن لديها فترة زمنية واضحة لتنفيذها خلالها، إلى جانب خطط التنمية المستدامة التي تتطرق أيضا إلى تطوير التعليم، ونهاية بالإستراتيجية الأخيرة الخاصة بالتعليم العالي، كل ذلك يبرهن على غياب الرؤية الواضحة للتطوير ويعبر عن حالة عامة من الارتباك تسيطر على الحكومات المتعاقبة بلا توصل إلى حلول جوهرية لأزمات التعليم.
خطط التطوير تأتي بمعزل عن الإطار القانوني والتشريعي الذي يساعد على تطبيقها، لذلك تبقى مجرد خطوات ترويجية للحكومة
ويخشى بعض الخبراء أن يكون توالي إطلاق الخطط بعيدا عن مخاطبة المجتمع المصري، وأن يكون الهدف منها توقيع المزيد من اتفاقيات دعم تطوير التعليم من خلال المنح والقروض التي تقدمها جهات خارجية على رأسها البنك الدولي الذي سبق وأن دعم تجربة التطوير في العام 2018 بقرض قيمته 500 مليون دولار.
وقال رئيس المركز المصري للحق في التعليم (حقوقي) عبدالحفيظ طايل إن “الأزمة تتمثل في غياب الإرادة السياسية وعدم وضوح رؤية الحكومة”. وتساءل “هل هو حق يجب توفيره ودعمه للطلاب أم هو سلعة تسعى لتسويقها والتربح منها، وهل المستهدف إحداث تنمية حقيقية في المجتمع، أم أنها مساع لوقف نزيف التدهور في هذا الملف؟”.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن إستراتيجيات الحكومة للتطوير لا تخاطب المشكلات الأساسية وتتجاهل أزمة تعوق أي محاولة للتطوير تتمثل في عدم وجود الإتاحة الكافية للتعليم في أعداد المدارس والجامعات، وأن الأرقام تشير إلى أن مصر بحاجة إلى ضعف عدد البنايات المدرسية لاستيعاب الكثافات وإنشاء أكثر من 40 جامعة جديدة للوصول إلى الحد الأدنى، وهو توفير جامعة واحدة لكل مليون مواطن.
وأشار إلى إن قواعد البيانات الخاصة بمشكلات التعليم متضاربة وتختلف من الجهات الحكومية إلى الجهات الإحصائية، كذلك أرقام لجنة التعليم بالبرلمان وبالتالي لا يتم بناء الحلول على أساسات سليمة، وهناك مشكلات عدة في التعرف على حجم المشكلة الموجودة، وتبقى المحاولات الجديدة للتعليم مجرد جري في المكان نفسه.
ويعد إقدام وزارة التربية والتعليم على تطبيق استخدام “التابلت” في أداء امتحانات نهاية العام في المرحلة الثانوية أحد أبرز الدلائل على غياب قدرتها على توصيف الواقع لأن التجربة بعد خمس سنوات من إقرارها لم تحقق المرجو منها لعدم تهيئة البنية التحتية التي تساعد على إجراء الامتحانات إلكترونيًا وتفكر جديًا حاليا في إلغاء التجربة بعد إنفاق الملايين من الدولارات عليها.