الحكومة المصرية تسعى لتصدير أزماتها إلى المغتربين

مقترح الاستقطاع من رواتب العاملين في الخارج يُثير غضبا شعبيا.
الأربعاء 2023/03/08
البحث في جيوب المغتربين أيضا

أثار مقترح وكيل مجلس الشيوخ المصري بهاء أبوشقة، والذي يقضي باستقطاع جزء من رواتب المصريين في الخارج لفائدة خزينة الدولة، في إطار معاضدة مجهودات الحكومة في تعبئة موارد مالية إضافية، غضبا شعبيا عارما من شأنه حسب مراقبين ضرب جدية القاهرة في اجتراح حلول للأزمة الاقتصادية بعيدا عن المزيد من الجباية.

القاهرة - عكست أزمة تسبب فيها وكيل مجلس الشيوخ المصري بهاء أبوشقة مع المصريين المقيمين في الخارج مدى ما أصبح النظام الحاكم يعانيه بسبب التصاق اسمه بشخصيات تصدر له المشكلات من دون أن يتبرأ منها لمجرد أن هناك دوائر قريبة منه توظف هذه الأسماء في اختبار توجهات الشارع برسائل جس النبض.

وقال أبوشقة خلال جلسة عُقدت الاثنين لاستيضاح سياسة الحكومة بشأن الإجراءات التحفيزية للمصريين في الخارج، “أصبح من الضروري تخصيص نسبة من رواتب العاملين في الخارج لصالح الدولة”، بزعم أنهم نشأوا وتعلموا في مصر وعليهم رد الجميل.

وقدّم وكيل مجلس الشيوخ كلامه في صورة مقترح برلماني، بحضور السفيرة سها جندي وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، ما فهم على أنه توجه للدولة أو “بالون اختبار” لقياس مدى تقبل الشارع للفكرة كي لا تبدو رسمية.

وقوبل المقترح البرلماني بموجة واسعة من غضب المصريين العاملين في الخارج والداخل، على اعتبار أن ذلك يرتقي إلى الجباية غير الدستورية ولا يجب على الدولة مهما كانت الأزمة الاقتصادية أن تستقطع جزءا من الرواتب بزعم أن المغتربين يستوجب عليهم رد الجميل.

جمال زهران: السعي لجس النبض يعكس الخوف من ردة فعل الشارع
جمال زهران: السعي لجس النبض يعكس الخوف من ردة فعل الشارع

وسارع وكيل البرلمان إلى نفي كلامه مبيّنا مساء اليوم نفسه أن حديثه فهم بشكل خاطئ. وقال في بيان صحفي “إن تخصيص جزء من رواتب المصريين بالخارج لصالح الدولة كان تلميحا لاستنهاض الهمم من أبناء مصر الشرفاء، وتكون هناك ضوابط تضمن لهم حقوقهم القانونية، وتوفر لهم الطمأنينة في عملهم”.

وأكد جمال زهران، البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، لـ”العرب” أن “هناك دوائر حكومية وشخصيات قريبة منها تعاني أزمة وارتباكا في فهم وإدارة جس النبض، وطالما يتم التعويل على بعض الأسماء في الترويج لأفكار الحكومة من الطبيعي أن يتعامل الشارع معها باعتبارها واقعا سيحدث”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها عرض مقترحات من جهات مختلفة كنوع من اختبار ردة فعل الشارع ثم يتم التراجع عنها أمام ارتفاع حدة الغضب والتذمر بين الناس وتسارع الحكومة إلى نفي الفكرة مع أن هناك شعورا بأنها كانت تنوي التنفيذ.

وغالبا ما يتم اختيار برلماني أو سياسي أو إعلامي لإلقاء فكرة أو طرح مقترح، ويدعو الحكومة إلى الدراسة والتطبيق، مع أنه قد يكون مدفوعا من جهة رسمية لتقديم الفكرة وإذا واجهت اعتراضات يتم نفيها أو تتبرأ الحكومة منها.

وقال مصدر برلماني، شارك في جلسة مجلس الشيوخ حول المصريين في الخارج، لـ”العرب” إن “وكيل المجلس رغم نفيه ما نُسب إليه حول تخصيص جزء من رواتب العاملين في الخارج للدولة، فإنه قاله نصا، وهذا ما أثار غضب وزيرة الهجرة التي كانت حاضرة في البرلمان، وأكدت أن ذلك لا يمكن حدوثه”.

ولفت المصدر إلى أن تداعيات التسريبات البرلمانية حول وجود مخطط حكومي لاستقطاع جزء من أموال المصريين بالخارج سلبية على الدولة، لأنها تثير مخاوفهم من الاستمرار في تحويل أموالهم عبر البنوك الوطنية خشية أن يتم خصم جزء منها، مع أن الدولة المصرية ليست في وارد أن تفعل ذلك.

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها عرض مقترحات من جهات مختلفة كنوع من اختبار ردة فعل الشارع ثم يتم التراجع عنها

وقالت وزيرة الهجرة الاثنين، عبر وكالة أنباء الشرق الأوسط (الوكالة الرسمية للدولة)، إن “الحكومة لا تتدخل في الرواتب والحسابات الشخصية للمصريين المقيمين في الداخل أو في الخارج، ولا توجد نية لاستقطاع جزء من رواتب العاملين في الخارج أو من تحويلاتهم الشخصية التي هي ملك لهم”.

وتلقفت المنابر الإعلامية المملوكة لجماعة الإخوان حديث وكيل مجلس الشيوخ لتأليب المصريين في الخارج على الدولة وحضهم على وقف تحويلاتهم عبر البنوك التي تسيطر عليها الحكومة، بدعوى أنه طالما خرجت الفكرة من نائب برلماني قريب من دوائر صنع القرار فإنه سيتم تطبيقها لاحقا.

وأشار الخبير السياسي جمال زهران لـ”العرب” إلى أن “سعي الحكومة المتكرر لجس نبض الناس عبر إلقاء بالونات اختبار يعكس خوفها من ردة فعل الشارع في توقيت حساس، لكن هذا يثير الرأي العام لأن هذه السياسة مكشوفة وتقود إلى زيادة وتيرة نشر الشائعات وتصدير الأزمات للنظام الحاكم”.

ويبدو أن الحكومة وهي تمتعض من تكرار الشائعات والحروب النفسية لا تُدرك أنها أو بعض الأطراف المقربة منها سبب في الترويج لها عبر جس النبض، أو الإفصاح عن دراسة مقترح بعينه، أو الاستعانة بشخصية عامة لطرح فكرة هي مصدرها.

متابعون يعتقدون أنه لا مانع في اختبار ردة فعل الشارع قبل إصدار القرارات المصيرية شريطة أن يكون ذلك عبر شخصيات لا تصنف شعبيا بأنها قريبة من السلطة

ويلجأ بعض الوزراء في مصر إلى إدارة علاقاتهم مع الشارع من خلال جس نبض الرأي العام حول القرارات التي يرغبون في إصدارها، فإذا كانت ردة الفعل غاضبة يتم تجميد القرارات والتراجع عنها، وإذا قوبلت بترحاب يجري إصدارها.

ويعتقد متابعون أنه لا مانع في اختبار ردة فعل الشارع قبل إصدار القرارات المصيرية شريطة أن يكون ذلك عبر شخصيات لا تصنف شعبيا بأنها قريبة من السلطة، لأن انتقاء أسماء معروف عنها التماهي مع الحكومة لعرض الأفكار والمقترحات توجه يفتقد إلى الحد الأدنى من الحنكة السياسية.

وتظل أزمة الحكومة أنها لا تكترث بتهاوي صورتها وتراجع منسوب الثقة بها، وبالتالي معظم ما يصدر عنها من مقترحات أو من شخصيات قريبة منها يثير شكوكا.

وتتم عملية تمهيد المقربين من الحكومة لبعض القرارات التي تدرسها الدولة بصورة استفزازية أحيانا وتخلق نوعا من الاحتقان والتذمر، حيث تقدم دون حكمة.

وقد تنسف محاولات جس النبض “المتهورة” جهود الدولة في ملف بعينه، فمصر تستقبل سنويا نحو 31 مليار دولار من العاملين في الخارج، في صورة تحويلات، وتتحصل منهم على رسوم قانونية وتجاهد لاسترضاء هؤلاء بقرارات وتسهيلات ومزايا تحفيزية، لكن يبدو أن هناك شعورا متزايدا باستنزافهم.

ولا يزال ملف المصريين المغتربين من نقاط الصراع بين الدولة المصرية وخصومها السياسيين، لاسيما جماعة الإخوان، لأنهم لا يرغبون في استمرار تدفق تحويلاتهم ويشتري منهم الإخوان العملات الأجنبية بأسعار أعلى من البنوك المحلية، ما يتسبب في تراجع التحويلات ومن ثم انخفاض الاحتياطي الأجنبي.

ويوحي تكثيف الإعلام المصري لجرعة الاهتمام بالعاملين في الخارج بأن هناك دوائر رسمية تشعر بسيناريو لتوريط الحكومة في مخطط للاستيلاء على جزء من مدخراتهم، وهي ضريبة تدفعها كلما أصرت على مناورة الشارع، ويصبح في النهاية غير قادر على التفرقة بين الشائعة والحقيقة وجس النبض.

2