رسالة البيت الإبراهيمي

البيت الإبراهيمي، أو بيت العائلة الإبراهيمية الذي افتتحته دولة الإمارات العربية المتحدة في جزيرة السعديات في عاصمة التسامح أبوظبي، والذي يضم مسجدا للمسلمين، وكنيسة للمسيحيين، وكنيسا لليهود، هو عبارة عن منصة للحوار الحضاري بين الأديان، والهدف الأساسي لهذه المنصة هو بناء جسور التواصل والتفاهم والتعايش بين البشر الذين أنهكتهم الحروب والتقاتل باسم الدين.
للفهم العام، فكرة البيت الإبراهيمي لا تقتصر على مواجهة المتشددين من بين المسلمين، وإنما تشمل مواجهة المتطرفين من مسيحيين ويهود أيضا، حيث الكل يتسابق على تحريض أتباعه لاستهداف رموز بعضهم البعض، معتبرين ذلك أقصى غايات نجاحهم.
رسالة دولة الإمارات التي أرادت إيصالها إلى العالم من خلال هذه المنصة، هي أن الحوار أهم وسيلة للتفاهم بين المختلفين أيا كان موضوع الخلاف بينهم. وهو نهج الدبلوماسية الإماراتية على مر تاريخها السياسي، ووسيلة تقدمها عن باقي المتنافسين معها.
◙ الإمارات كانت لديها الشجاعة الكافية دائما لتبني قضايا الأمن والسلام العالمي ومحاربة الأفكار المتطرفة والإرهابيين، بل هي رائدة في هذا المجال
ولن نبالغ إن قلنا إن هذا النهج أكثر ما تحتاج إليه اليوم القيادات الدينية في جهودها المبذولة لمكافحة نزعات التطرف والإرهاب، فمن خلاله يتم توضيح الاختلافات القائمة، وإيصال رسالة مشتركة للإيمان بالرسالات السماوية.
ولكن، كأي بادرة لتعمير الكون والعيش المشترك بين الناس، هناك فئة رافضة تترصد لأي فكر يدعو إلى تقارب بين الثقافات والأديان، وتبذل هذه الفئة جهدا مضاعفا من أجل تأجيج الصراع بينها، وذلك من خلال العمل على تشويه كل المساعي الهادفة إلى خلق أرضية للتفاهم، انطلاقا من النظرة التقليدية للفكر المتطرف أيا كان دينه ومذهبه، باعتباره الوحيد الذي يمتلك الحقيقة كاملة، ليتمادى في تشدده ويمنح لنفسه الحق في أن يقرر مصير الباقين، حتى لو أدى ذلك إلى قتل الناس.
البيت الإبراهيمي عمليا هو أول مشروع لتقديم الدين الإسلامي إلى العالم بوجهه الحقيقي، منذ أن شوهه المتشددون (وما يزال بعضهم يحاول) ومنذ أن نشطت التنظيمات الإرهابية بدءا من القاعدة إلى داعش والذئاب المنفردة في المواصلات والأماكن العامة، وتسببت في استفزاز المتطرفين من الديانات الأخرى فصار الكل يقتل الكل.
والشيء المؤسف أنه رغم خسارة الدين الإسلامي والمسلمين الكثير بسبب ممارساتهم، إلا أن هناك بقايا مازالت تحمل ذلك الفكر، وإن أصبحت أقل شجاعة وجرأة، بعد أن أدركت وعي المجتمعات العربية والإسلامية، وبعد أن بدأت الحكومات والمؤسسات الدينية الإسلامية تقوم بدورها في كشفهم، ولكن ما زالت تلك الفئات تعمل من أجل بث أفكارها المتطرفة انطلاقا من الرهان على وجود متعاطفين معها.
إن تثبيت البيت الإبراهيمي باعتباره كيانا محددا موقعه جامعا دور العبادات الثلاث، لإتاحة زيارته من قبل الجميع، يبرزه كمشروع حضاري في وجه كل أصحاب “ظاهرة الأصوات العالية”، والمفسرين للكتب السماوية وفق أجنداتهم السياسية، وكذلك في وجه الخطب الرنانة التي يسعى أصحابها لتأجيج الصدام، ليس بين الحضارات والأمم فحسب، وإنما داخل مجتمع الدولة الواحدة، باعتبار أن كل دول العالم تقريبا تتواجد فيها الأديان السماوية الثلاثة.
◙ رسالة دولة الإمارات التي أرادت إيصالها إلى العالم من خلال هذه المنصة، هي أن الحوار أهم وسيلة للتفاهم بين المختلفين أيا كان موضوع الخلاف بينهم
الإمارات كانت لديها الشجاعة الكافية دائما لتبني قضايا الأمن والسلام العالمي ومحاربة الأفكار المتطرفة والإرهابيين، بل هي رائدة في هذا المجال من خلال تبني مشروعات عالمية ومبادرات فكرية وحوارية وسياسية مع قادة العالم، لتحقيق هدف واحد هو التعايش في المجتمعات الإنسانية، وهي تبرز البيت الإبراهيمي كجهد عملي ضمن العديد من الجهود الأخرى التي تبذلها من أجل خلق وتعميم ثقافة الاعتدال والتسامح.
أصحاب المنطق الواعي والعقلانيون يدركون أن البحث عما يجمع ويقرب بين الأديان لمواجهة المتطرفين من خلال الحوار هو المهمة الأصعب على السياسيين وصناع القرار، وأن بث ثقافة القتل والشتم باسم الدين هو الأسهل في وقتنا، وهذا ما يفعله منتقدو البيت الإبراهيمي رغم إدراكهم أنه ليس دينا جديدا.
جبهة معارضي البيت الإبراهيمي من المتطرفين، ترى في المبادرة الإماراتية تهديدا لمشروعها الفكري وحضورها السياسي والإعلامي، لذا علينا ألا نستغرب محاولة التشكيك به ومحاربته عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ففي الحقيقة هذا البيت هو معركة إنسانية عالمية ضد نوايا المتطرفين.