المصاعب الاقتصادية تُعمق متاعب المصريين والحكومة أيضا

تراكم الأزمات يقصي الكثيرين من دائرة الطبقة الوسطى ويجعل الفقراء يتخلون قسرا عن الضروريات.
السبت 2023/03/04
رؤية مشوشة للواقع!

عمقت التحديات الاقتصادية التي تمر بها مصر بسبب التضخم الجامح والجنيه المتدهور من متاعب الناس الذين يحاولون مقاومة منغصات تداعيات الحرب في شرق أوروبا، وسط محاولات مضنية من السلطات التي تعاني أيضا من الضغوط المالية للخروج من المأزق.

القاهرة - يواجه المصريون فترة هي أشد صعوبة من حيث المعيشة بعد أن تضرروا بقسوة من تدهور القدرة الشرائية في ظل موجة الغلاء في الأسواق التجارية وفقدان العملة لقيمتها، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة المضغوطة ماليا أصلا لدرء هذه المحنة.

وأحد مظاهر تلك الوضعية عكسه تجمع نساء أمام محل أحد بائعي الخضر في أحد أقدم أحياء القاهرة، وتعالت أصواتهن احتجاجا على ارتفاع الأسعار. وصرخت إحداهن “نجد أسعارا جديدة كل يوم”، وسألت أخرى وهي تحتضن طفلها بين ذراعيها “متى تنتهي هذه الحرب؟”.

وكانت المرأة تشير إلى الحرب الروسية – الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، حيث تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في جميع أنحاء العالم، مما أضاف طبقة أخرى إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر بالفعل.

وتبع ارتفاع معدلات التضخم وضعف العملة الشديد والمشاكل الأخرى عقودا من سوء الإدارة الحكومية والاضطرابات التي انطلقت منذ 2011 وشملت سنوات من الهجمات الإرهابية والأزمة الصحية ثم الحرب.

كالي ديفيس: من المهم النظر إلى مشكلة التضخم في سياقها الخارجي
كالي ديفيس: من المهم النظر إلى مشكلة التضخم في سياقها الخارجي

وأقصت هذه الأزمات العديد من المصريين من دائرة الطبقة الوسطى، بينما يتخلى الفقراء الذين يمثّلون نحو ثلث السكان عن ضروريات الحياة شيئا فشيئا. ويتساءل الكثيرون عما إذا كانوا سيستطيعون المواصلة على هذا المنوال.

ووجد هاني حسن نفسه يكافح لإطعام أطفاله الأربعة، حيث يتقلّص الأجر الذي يتلقاه من وظيفته كنادل في مقهى.

وقال حسن، البالغ من العمر 43 سنة والذي يكسب حوالي 110 دولارات شهريا من العمل لمدة 12 ساعة لسبعة أيام في الأسبوع، إن العام الماضي كان الأصعب في حياته. ويخشى من أنه لن يستطيع إطعام أبنائه يوما ما.

وبلغ معدل التضخم السنوي 26.5 في المئة بنهاية يناير الماضي، وقد كان الأعلى خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما حدّدت الأرقام الرسمية ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المناطق الحضرية بنسبة 48 في المئة.

وتضاعفت في محلات القاهرة تكلفة العديد من الضروريات، بما في ذلك الأرز وزيت الطهي والخبز والبيض. وشمل الاتجاه أسعار الدجاج أو اللحوم الأخرى التي تضاعف سعرها تقريبا مقارنة بالعام الماضي.

وبلغت الأسعار بالنسبة إلى اللحوم 300 جنيه (نحو 10 دولارات)، ووصل سعر الدجاج إلى 90 جنيها مصريا (حوالي 3 دولارات). وحوّلت الزيادة البروتينات إلى رفاهية باهظة الثمن للجميع باستثناء الأغنياء.

نجيب ساويرس: مصر تحتاج إلى إصلاح سياسي واقتصادي لتعديل الوضع
نجيب ساويرس: مصر تحتاج إلى إصلاح سياسي واقتصادي لتعديل الوضع

وهزت الحرب الاقتصاد العالمي، وضربت مصر التي تعاني من ضعف مالي بالفعل، حيث يحتاج البلد الذي يعدّ أكبر مستورد للقمح في العالم إلى شراء طعامه من دول أخرى لتلبية الحاجة الغذائية لسكانه الذين يزيد عددهم عن 104 ملايين نسمة.

وقالت كالي ديفيس، الخبيرة الاقتصادية في أكسفورد إيكونوميكس أفريكا، لوكالة أسوشيتد برس إن “من المهم النظر إلى مشكلة التضخم في مصر في سياق قضايا وضعها الخارجي الأوسع”.

واعتبرت أن فاتورة الواردات المصرية تضخمت أولا بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لسلع مثل الوقود والقمح المعروضة بالدولار، مما أدى إلى نقص العملة الأجنبية.

وقالت إن “ذلك أجبر البنك المركزي المصري على تمرير سياسات تهدف إلى الحفاظ على احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية، وفرض قيود على الواردات”. وترى ديفيس أن ذلك أدى إلى ارتفاع التضخم.

كما سببت الحرب تباطؤا في نمو الاقتصاد المصري، فقد خفّض البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في فبراير الماضي توقعاته لنمو مصر هذا العام من 5 في المئة إلى 4.3 في المئة.

ويرى الكثيرون أن المصاعب بدأت في 2016 عندما أطلقت حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي برنامج إصلاح يهدف إلى عكس تشوهات الاقتصاد طويلة الأمد مقابل قروض من صندوق النقد الدولي.

أتش.أي هيليير: الأزمة تجعلنا نتساءل عن الخيارات الأخرى أمام الحكومة
أتش.أي هيليير: الأزمة تجعلنا نتساءل عن الخيارات الأخرى أمام الحكومة

وأدخل البرنامج ضرائب جديدة وشمل تخفيضات كبيرة في سياسة دعم الدولة للسلع الأساسية التي تعود إلى عقود.

وأشادت الحكومات الغربية والمؤسسات المالية الدولية بإجراءات التقشف. لكن هذه السياسات صعّبت حياة المصريين العاديين. ويلقي السيسي باللوم على الحرب في أوكرانيا بالتسبب في أحدث ارتفاع في التضخم.

وقال في كلمة ألقاها مؤخرا إن “الظروف صعبة على العالم بأسره”. وذكر أن “الشعب تحمّل معنا الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، والأسعار المرتفعة منذ أكثر من عام. وهذا واقع يجب الاعتراف به، لكننا لسنا السبب فيه”.

وعززت الحكومة من جهتها برامج الرعاية الاجتماعية لمساعدة الأسر الفقيرة والمنتمية إلى الطبقة المتوسطة على مواجهة تداعيات الإجراءات المُتّخذة في إطار الإصلاحات ورفعت رواتب موظفي الخدمة المدنية.

وبالتوازي مع ذلك أجّلت التخفيضات على الخبز المدعوم والارتفاعات المخططة لأسعار الكهرباء. كما أنشأت المئات من الأسواق المملوكة للحكومة في جميع أنحاء البلاد لتبيع السلع الأساسية بأسعار أرخص.

ولجأت القاهرة إلى صندوق النقد للحصول على قرض جديد العام الماضي، وهو الرابع خلال ست سنوات. وتأمل أن تساعد الصفقة البالغة قيمتها 3 مليارات دولار في توليد 14 مليار دولار أخرى من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، بما في ذلك دول الخليج.

يأس المصريين يتزايد بسبب خشيتهم من عدم قدرة السلطات على التحكم في الأسعار وإصلاح الأضرار قبل فوات الأوان

لكن دول الخليج التي مدّت يد العون على مدى العقد الماضي تبدو مترددة بشكل متزايد في مساعدة مصر.

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس مؤخرا “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا في حاجة إلى رؤية إصلاحات”.

وأضاف “نحن نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا. نريد المساعدة لكننا نريد منكم أن تلعبوا دوركم”.

وتعهدت مصر بدعم الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك تعويم العملة وتقليل قبضة الجيش القوية على الاقتصاد. وتعدّ هذه الخطوة تنازلا كبيرا في حالة البلد.

وتبنت الحكومة في ديسمبر الماضي مبادرة الخصخصة، مؤكدة أنها ستنسحب من الصناعات التي لا تعتبر إستراتيجية بحلول 2024.

وتهدف هذه السياسة إلى تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد من نحو 30 في المئة في العام 2021 إلى نحو 65 في المئة سنة 2025.

ويواجه المسؤولون المصريون انتقادات بسبب تعاملهم مع الاقتصاد ومشاريع البنية التحتية المكلفة، بما في ذلك بناء العاصمة الإدارية الجديدة بقيمة 45 مليار دولار، وغيرها من المشاريع الأخرى كالطرق السريعة.

Thumbnail

ولجأ الكثير من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن معاناتهم، ودعا البعض الحكومة إلى التنحي، لدرجة أن الملياردير المصري نجيب ساويرس قال لإحدى الصحف اللبنانية مؤخرا إن بلاده “تحتاج إلى إصلاح سياسي واقتصادي” لتعديل الوضع.

ودافعت الحكومة مرارا عن مثل هذه المشاريع العملاقة باعتبارها ضرورية لتحسين الظروف المعيشية وخلق فرص عمل لأعداد السكان المتزايدة.

وقال أتش.أي هيليير، الخبير الجيوسياسي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، لوكالة أسوشيتد برس إن “الضغوط على الاقتصاد المصري ستكون هائلة بالنسبة إلى أي حكومة”.

وأضاف إن مصر قررت “اتخاذ بعض الخطوات الجيدة، لكن السؤال هو ما إذا كانت كافية لتغيير مسار الأزمة الاقتصادية. وإذا لم يكن كذلك، فما هي الخيارات الأخرى التي ترغب السلطات في قبولها؟”.

ويزداد يأس المصريين في غضون ذلك. وتجولت سميرة عبدالوهاب في سوق المغربلين في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة بحثا عن أرخص الأسعار. وتخشى الأم البالغة من العمر 37 عاما التي تعمل محاسبة في شركة الكهرباء الحكومية من أن “إصلاح الضرر لم يعد ممكنا”.

11