"حياة كريمة" من السيسي لاحتواء صدمة رفع أسعار المحروقات

تعويل الحكومة على استمرار حالة الاستقرار الشعبي وثقتها برفع المواطنين للراية البيضاء في مواجهة شبح الغلاء قد يفجر غضب الشارع في أي وقت.
الجمعة 2023/03/03
حكومة تفتقد الحنكة

القاهرة- بعد ساعات من رفع أسعار المحروقات، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الخميس عن حزمة إجراءات للتخفيف من الضغوط المعيشية عن المواطنين تضمنت رفع الحد الأدنى للرواتب للعاملين في الحكومة بناء على الدرجات الوظيفية وزيادة المعاشات المصروفة لأصحابها والمستفيدين منها ورفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي.

وقام السيسي بجولة في محافظة المنيا (جنوب القاهرة) الخميس افتتح خلالها عددا من المشروعات الجديدة ضمن برنامج “حياة كريمة” الذي يعنى بالفقراء، في محاولة توحي بسعيه لتخفيف العبء عن هذه الشريحة وأنه حريص على تأمينها اقتصاديا.

ومررت الحكومة المصرية زيادة جديدة في أسعار مشتقات البترول للمرة السابعة خلال أقل من أربع سنوات، وفي كل مرة كان القرار يمر دون تذمر بسبب استسلام الشارع للظروف الاقتصادية الصعبة والخوف من تبعات الاحتجاج المعلن.

وقررت اللجنة التي اعتمدت عليها الحكومة منذ أكتوبر 2019 كآلية للتسعير التلقائي لتحرير أسعار الوقود بهدف خفض كلفة دعم المواد البترولية في الموازنة العامة، زيادة أسعار المازوت لغير استخدامات الكهرباء والمخابز من خمسة إلى ستة آلاف جنيه للطن الواحد.

وسيطرت مشاعر الصدمة مصحوبة بالحذر على قطاع كبير من المصريين، وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت مقياس مزاج الرأي العام في البلاد، خاصة أن الحكومة رفعت أسعار الوقود للمرة الثانية في أقل من ثمانية أشهر.

وكانت آخر زيادة أقرتها الحكومة على أسعار البترول في يوليو الماضي، ثم اضطرت إلى تثبيتها وعدم تحريكها في أكتوبر الماضي لتزامنها مع دعوات وجهتها جماعة الإخوان للتظاهر، وتخوفت الحكومة من تأثير الزيادة الجديدة على استقرار الشارع.

طلعت خليل: الزيادة في أسعار المحروقات تزيد  أعباء المصريين
طلعت خليل: الزيادة في أسعار المحروقات تزيد  أعباء المصريين

ويبدو توقيت الزيادة الجديدة في أسعار المواد البترولية بالغ الخطورة، لأنه ترافق مع ارتفاع الغلاء إلى مستويات كبيرة، وإخفاق الحكومة في وضع حل لأزمة القفزات غير المبررة في أسعار السلع وتحججها بالتحديات المرتبطة بالحرب الروسية – الأوكرانية.

ومنح إعلان الرئيس المصري عن حزمة قرارات جديدة لتخفيف الأعباء عن الفقراء ومعالجة بعض جوانب الخلل المزمن في قضية التضخم أملا في أن الدولة حريصة على معالجة المشكلات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية.

وكانت منصات التواصل الاجتماعي قد تحولت إلى سرادق عزاء وسخرية من الأوضاع الاقتصادية بعد الإعلان عن رفع أسعار بعض المحروقات، وعجز نسبة من المواطنين عن الوفاء بالحد الأدنى من احتياجاتهم.

وأكدت الزيادة في أسعار المحروقات أن الحكومة مهما كانت واثقة من استقبال الشارع لأسعار البترول باحتجاج صامت مثل المرات السابقة، فإنها تخشى بعض العواقب الوخيمة، ولذلك قررت عدم زيادة سعر السولار والغاز المنزلي لارتباطهما بالبسطاء.

وتعتمد وسائل النقل الجماعي وعربات البضائع على السولار كوقود أساسي، كما أن الفئات الشعبية والمطاعم تستخدم أسطوانات الغاز بصورة رئيسية، ما دفع الحكومة إلى الابتعاد عنهما مقابل تحريك أسعار البنزين المستخدم في تموين العربات الخاصة.

ويرى مراقبون أن تعويل الحكومة على استمرار حالة الاستقرار الشعبي وثقتها برفع المواطنين للراية البيضاء في مواجهة شبح الغلاء قد يفجر غضب الشارع في أي وقت، لأن الاعتقاد بأن الصمت يعني منح الحكومة شيكا على بياض مغامرة سياسية.

وأوضح طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين لـ”العرب” أن “الحكومة افتقدت الحنكة عندما قررت زيادة أسعار المحروقات الآن، فالأجواء السياسية والأزمة الاقتصادية لا تتحملان ضغوطا جديدة على مواطنين غير قادرين على التحمل، لكن الرئيس السيسي سعى لامتصاص هذه الضغوط بزيادة طفيفة في رواتب الموظفين”.

وارتبط تذمر الشارع المصري الصامت بأن الحكومة رضخت لشروط صندوق النقد الدولي سعيا للحصول على قروض لإنقاذ الاقتصاد المتدهور، دون أن تكترث كثيرا بمدى قدرة الناس على تحمل الفاتورة الاقتصادية الباهظة.

وأعلن صندوق النقد في يناير الماضي أن القاهرة تعهدت بالامتناع عن خفض أسعار الوقود وإلغاء دعم مشتقاته باستثناء غاز البوتاغاز ووقود المخابز، مع ربط الأسعار المحلية بنظيرتها العالمية وتوجيه المتوفرات إلى دعم برامج الحماية الاجتماعية.

ولا يضمن نأي الحكومة عن تحريك أسعار مشتقات البترول البعيدة عن احتياجات البسطاء وزيادة رواتب موظفي الدولة ثبات الاستقرار السياسي، لأنها صارت في نظر الغالبية من المواطنين عاجزة عن وضع حلول للمشكلات المتراكمة وتراهن دائما على استمرار صمت الشارع.

وقد تتمكن الحكومة من تجاوز ردة الفعل السلبية هذه المرة، غير أنه من الصعب توقع تأثير الزيادات المستمرة لاحقا، وفي هذه الحالة ربما لا يصبح تغيير بعض الوجوه في تركيبتها أو الإطاحة بقوامها الوزاري ورئيسها كافيَيْن للاستقرار السياسي.

ومن أكبر الأزمات التي تواجهها الحكومة أنها مقتنعة بعدم احتجاج الناس ضد الغلاء، وهو توصيف غير دقيق للحالة التي عليها هؤلاء، فمع اتساع الهوة بينها وبين المواطنين لا يستبعد متابعون تخلي شريحة من المصريين عن صمتها المطبق.

ويعني الاستقرار السياسي لأي حكومة وجود أرضية صلبة وعلاقة قوية تربطها بالغالبية العظمى من المواطنين، لكن ما تقوم به الحكومة المصرية من زيادة في الأعباء وترميم الاقتصاد من جيوب الناس قد يثير اضطرابا سياسيا مفاجئا.

وأضاف خليل أن “قياس الاستقرار بصمت الشارع وعدم الاحتجاج خوفا من القبضة الأمنية يعكس تدنيا للحكمة السياسية، لأن الحكومة فقدت الغطاء الشعبي، ومن الخطير أن تستمر في العناد”.

وإذا كان البعض من المواطنين يتفهمون أبعاد تحريك أسعار المحروقات مع الزيادات العالمية، تبقى حدود القدرة على تحمل المصريين هي المعيار، حيث تعيش الحكومة حالة أقرب إلى الرفاهية عبر تصميمها على استكمال مشروعات عملاقة وتوالي الاستدانة من الخارج ما جعلها في نظر البسطاء وما تبقى من الطبقة الوسطى مستفزة.

1