إيقاع الاستثمار في الائتمان الكربوني بعيد عن تحقيق الأهداف

السوق تشكو من نشاط مضلل للشركات في ظل غياب المعايير.
الثلاثاء 2023/02/28
تأكدوا أن الوصول إلى القمة ليس سهلا

تتزايد القناعة لدى البعض من المحللين وخبراء البيئة بأن الاستثمار في الائتمان الكربوني بعيد عن تحقيق الأهداف حتى الآن لكون ذلك وسيلة جدلية خاصة فيما يتعلق بمشاريع إزالة الغابات، رغم أنه أصبح أحد الاتجاهات الراهنة لتقليص آثار الاحتباس الحراري.

باريس - تبدي الكثير من الشركات حول العالم وخاصة العملاقة استعدادها لكل شيء لتعويض انبعاثاتها، والظهور في مظهر الجهات المحايدة كربونيا، لكن المتابعين لهذا المسار يشككون في قدرتها على التعامل مع هذا الاستثمار على النحو الأمثل.

وبات أحد الخيارات الشائعة بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة شراء أرصدة من المشاريع، التي تساعد في تجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أو إزالتها من خلال طرق مختلفة.

ومن بين تلك الأساليب الحفاظ على الغابات التي تخزن الكربون أو تحويل غاز الميثان المتسرب من مواقع دفن النفايات إلى غاز حيوي أو توزيع مواقد طهو أكثر كفاءة تستخدم وقودا أقل.

ويتم استخدام هذه الأرصدة من قبل الشركات والمؤسسات لتعويض الانبعاثات عند احتساب بصمتها الكربونية، وهي مدعومة بمشاريع تعوض الانبعاثات، مثل غرس الأشجار أو توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

سيزار دوغاست: هذا المجال ينطوي على مجازفة ترتبط بغياب الضبط الذاتي
سيزار دوغاست: هذا المجال ينطوي على مجازفة ترتبط بغياب الضبط الذاتي

كما نشأت الكثير من شركات التكنولوجيا المالية منذ 2021 لتحويل تعويضات الكربون إلى رموز رقمية، وقد كافحت السوق لاكتساب قوة جذب مع الشركات والمستثمرين المؤسسيين وسط مخاوف بشأن الأصل والفوائد البيئية لبعض الائتمانات المتداولة.

ومع ذلك تفجرت فضائح كثيرة حديثا في نطاق زرع الأشجار إلى حماية غابات استوائية أو حتى إنشائها، تظهر أن الائتمان الكربوني يبقى مجالا متفلتا من الضوابط يخفي احتمالات واسعة للتضليل.

ومن أبرز الأمثلة في هذا المجال شركة وولت ديزني وبنك جي.بي مورغان، اللذان اشتريا ائتمانات كربونية مرتبطة بمشاريع لحماية غابات غير مهددة.

كما أن شركة مكلفة باستغلال 600 ألف هكتار، أي ما يوازي نصف مساحة منطقة باريس وضواحيها، في الولايات المتحدة دفعت 53 مليون دولار في سنتين لقاء ائتمانات كربونية لم تفض في الواقع إلى أي تغيير في طريقة استغلال الغابات.

وفي الحالتين أعطت الائتمانات الكربونية المباعة انطباعا غير واقعي بأن الشركات المعنية تحمي الأشجار التي تساعد في امتصاص انبعاثات الكربون من خلال عملية التركيب الضوئي، فيما أنها لا تواجه في الواقع خطر القطع.

ولم يتم امتصاص أي كميات إضافية من الكربون، فيما ستخصم الشركات الكبرى الكميات من حصيلتها الكربونية لتعويض الانبعاثات المتأتية من أنشطتها.

وفي قمة وان فورست التي ستنظمها الغابون في مطلع شهر مارس على مدى يومين وتشارك في رئاستها فرنسا، سيدرس المشاركون طرق تحسين هذه الأدوات المالية.

بولا فانلانينغهام: سعر طن الكربون لوحدات الائتمان المرتبطة بالطبيعة تراجع
بولا فانلانينغهام: سعر طن الكربون لوحدات الائتمان المرتبطة بالطبيعة تراجع

وتُستخدم الائتمانات الكربونية على نطاق واسع، وبحسب تقديرات مختلفة فإن عدد الأطنان الموازية لها من ثاني أكسيد الكربون، وهي وحدة ائتمان كربونية تساوي طنا واحدا، قد يرتفع عشر مرات بحلول سنة 2030، إلى ما يقرب من ملياري طن.

ووفقا لإيكوسيستم ماركتبلايس، وهي مجموعة بحثية ترصد التمويل البيئي، تجاوزت القيمة السنوية لسوق الكربون الطوعي حاجز المليار دولار لأول مرة في العام 2021، أي أكثر من ضعف ما تم تسجيله في العام السابق.

وقال سيزار دوغاست من شركة كربون 4 لوكالة الصحافة الفرنسية إن “هذه السوق تحمل جانبا ينطوي على مجازفة ويرتبط بغياب القدرة على الضبط الذاتي”، مضيفا “الجميع لديهم مصلحة في زيادة كمية وحدات الائتمان الكربوني إلى الحد الأقصى”.

وأوضح أن القائمين على المشروع سيتمكنون بذلك من تذويب الكلفة الإجمالية في أقصى عدد ممكن من وحدات الائتمان، وكذلك المشترين الذين يرغبون في الحصول على وحدات ائتمان بسعر منخفض.

وأشار دوغاست كذلك إلى القائمين على إصدار الشهادات الذين لديهم مصلحة في أن تزداد هذه المشاريع.

وفي منتصف يناير الماضي كشفت صحيفتا ذي غارديان ودي تسايت ومنظمة غير حكومية أن أكثر من 90 في المئة من وحدات ائتمان الكربون المصادق عليها من شركة فيرا ترتبط بـ”وحدات ائتمان وهمية” لا تعكس أي “تقليص فعلي” لانبعاثات غازات الدفيئة.

وتعتبر فيرا كيانا رائدا في توثيق هذه الشهادات، لمشاريع تحظى بدعم من الأمم المتحدة لخفض الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها في البلدان النامية (آر.إي.دي.دي+).

غير أن هذه الخلاصات ينفيها مدير عام فيرا دافيد أنتونيولي الذي يؤكد أن “مشاريع آر.إي.دي.دي+ ليست مفاهيم مجردة فحسب، بل تعطي منافع حقيقية ميدانيا”.

وفي هذا الوقت أشارت بولا فانلانينغهام، المسؤولة عن انبعاثات الكربون لدى مؤسسة أس آند بي غلوبال، إلى أن سعر طن الكربون لوحدات الائتمان المرتبطة بحماية الطبيعة تراجع.

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى فانلانينغهام قولها “أبعد من الشكوك بشأن المنهجية المعتمدة في مشاريع آر.إي.دي.دي+ فتحت هذه المعلومات نقاشاً بشأن ائتمانات الكربون”.

Thumbnail

وطرحت تساؤلا لطالما كان موضوع نقاش بين الخبراء مفاده “هل تشكل الوسيلة المالية الصالحة للدفع في اتجاه عملية انتقال (بيئي) أكثر عدلا؟”، لكنها عادت وأكدت أن “هذا صحيح وغير صحيح”.

ويتراوح سعر طن الكربون بين 30 و80 دولارا في أوروبا والولايات المتحدة، بينما ثمة مناطق لا تحدد سعرا على الإطلاق.

وكانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا خلال مؤتمر شرم الشيخ للمناخ (كوب 26) في نوفمبر الماضي قد حذرت من أن التباطؤ في تحديد سعر موحد عند 75 دولارا في المتوسط بحلول 2030، يترتب عليه أننا “لن نقدم حافزا للشركات والمستهلكين على التحول”.

ودافعت عدة وكالات مستقلة في هذا المجال عن منهجيتها، متحدثة عن الحاجة الماسة إلى الحصول على أموال لمشاريعها.

وتقول دونا لي، المشاركة في تأسيس وكالة كاليكس غلوبال، “في بادئ الأمر ننظر إلى القيمة المضافة للمشروع: هل كان ليرى النور من دون تمويل الكربون؟ ثم ننظر إلى المسار الذي يسلكه، ونضع فرضية ما كان سيحصل لولا هذا المشروع”.

وتكمن المشكلة الرئيسية للمشاريع الرامية إلى الحؤول دون قطع الأشجار في أنه من حيث المبدأ يستحيل إثبات أن قطع الأشجار حاصل لا محالة من دون التمويل.

ولكن دونا تقول إنه يمكن النظر إلى سيناريوهات إزالة الغابات في المنطقة؛ إذ تظهر دراسات علمية أن بعض العوامل، مثل القرب من طريق ومن السكان أو المسافة الفاصلة عن حافة الغابة، ترتبط بعمليات قطع الأشجار، مقرّة في الوقت ذاته بإمكان القيام بتحسينات.

ومع ذلك تدعو الخبيرة إلى “شفافية أكبر” من الشركات التي تشتري لاحقا وحدات الائتمان الكربوني هذه من خلال تحديد مصدرها بوضوح وطريقة بلوغ هدف تقليص الانبعاثات الخاصة بها.

ولهذا الأمر، بحسب دونا، دور أساسي في بلوغ مستوى الحياد الكربوني المحدد لسنة 2050 بموجب اتفاق باريس للمناخ.

11