مملكة التين

لا أحد يكره التين، ولا أرض ترفض احتضان جذوره، لذلك فإنه الشجرة التي توجد في كل القارات وتنسجم مع جميع المناخات.
الأحد 2023/02/26
عاشت شجرة التين

يبدو أن لا شجرة تتفوق على شجرة التين في استقطاب العشاق والمحبين، حتى أنها تحظـى باهتمام الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي ممن يتشاركون في ملاحقة أخبارها وأنواعها وأشكالها وألوانها وأصنافها وأوصافها ومميزات كل منها، وطرائق ومواعيد غراستها وأساليب الاهتمام بها من حيث الري والتسميد والتقليم والمداواة والمراقبة والجني والتجفيف والتخزين وغير ذلك.

يوجد في العالم المئات من أنواع التين، وقد يوجد في البلد الواحد العشرات من الأنواع، كما هو الشأن ببلدان المغرب العربي، وتتعدد ألوان الفاكهة بين الأبيض والأخضر والأحمر والأصفر والأسود وغيرها.

بعد الانتقاء المستمر والتكاثر، بات من الممكن رصد أكثر من 800 نوع من التين، تزرع العديد منها وتؤتي ثمارها في نفس العام. مع الإدارة السليمة، وخلال السنوات الماضية، نجح العلماء في اليابان وإيطاليا في فك رموز جينومات أنواع مختلفة من التين، وتعرفوا على الخصائص الغذائية لهذه الأنواع من الأشجار المستأنسة التي يبلغ عمرها 12000 عام وقدرتها على التكيف مع ظروف التربة وبيئات الإجهاد.

ولعل من أشهر أنواع التين في منطقتنا “الغدان” المغربي و”جاسم” السوري و”بروان” التركي و”الأحمر” الإسباني، وأعتقد أن إحداث مملكة للتين تلتقي فيها كل أنواعه وألوانه قد تكون مقصدا سياحيا مهما لعشاق ومحبي الفاكهة الخالدة التي طالما تحدثت عنها الكتب المقدسة، لاسيما أن الكثير من الدول أدخلت تقنيات جديدة على غراسة التين، ومنها اليابان التي نجحت في استغلال المساحات من خلال غراسة التين كأنواع الخضار في البيوت المحمية لضمان الإنتاج على امتداد العام، وهي تجارب استفاد منها الهواة وانتقلت إلى مزارعين محترفين في دول عدة من بينها السعودية والإمارات.

ذكر التين في الكتب المقدسة وفي أساطير الأولين، ومن ذلك، تقول الأسطورة إن الذئب الذي أرضع روملوس وراموس مؤسسي الإمبراطورية الرومانية استراح تحت شجرة تين، ومن هنا كان لها قدسية عند الرومان.

وقد ذكر الشاعر الروماني وصاحب “التحولات” أوفيد في كتاباته بأن التين كان يقدم هدية خلال احتفالات رأس السنة عند الرومان. وكان سكان بلدة سيران يضعون على رؤوسهم أكاليل من التين أثناء تقديمهم قرابينهم للإله مارس الذي كانوا يعتبرونه مكتشف الفاكهة.

في الصين لا يزال سكان شينجيانغ الحديثة يطلقون اسم “الفاكهة الخالدة” و”فاكهة الجينسنغ” على التين، ويصفه الأويغور بأنه “كعكات السكر على الأشجار”.

لا أحد يكره التين، ولا أرض ترفض احتضان جذوره، لذلك فإنه الشجرة التي توجد في كل القارات وتنسجم مع جميع المناخات وتتغلب على اختلافاتها بتنوع أصنافه وقدرتها على التكيف مع خصوصيات كل بلد، ويكفي إلقاء نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لإدراك مدى ما يحظى به التين من اهتمام واسع لدى الشعوب المختلفة، حيث أن شجرته حبيبة للقلوب والعيون والبطون، وهي تغري بتنوعها لغراسة المزيد من أصنافها في بستان واحد، وقد تشكلت روابط وجماعات عابرة للحدود لتبادل المشاتل والعقل نظرا إلى أن لكل بلد أصنافه التي يكاد يمتاز بها عن بقية البلدان الأخرى. عاشت شجرة التين.

18